الفصل الأخير إن لم يكن المشهد الأخير

تابعنا على:   03:21 2015-11-29

أ. محمود ابراهيم حسنين

إن الوصول إلى مراحل انعدام الخيارات لدى السلطات الحاكمة هي ذاتها مدخل و بداية التغير في أغلب تجارب الثورات وتغير نظم الحكم و انتقال السلطة كما في العديد من التجارب المتعلقة بنظم الحكم سواء في تاريخ الفكر السياسي أو بأنظمة الحكم الحديثة ، ولعل الحالة التي وصلنا إليها بما يخص نظام الحكم في غزة و الضفة قد وصلت إلى هذه المرحلة من انعدام الخيارات ،ولقياس وتقيم هذه الحالة يجب تناولها من ثلاث جوانب ،الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي والجانب السياسي .

وهنا سوف أتناول مؤشرات هذه الحالة من الجانب السياسي فقط ،مع العلم بأهمية الجانب الاجتماعي والاقتصادي ، ولكن الى حد كبير فإن هذان الجانبان متشابهان في الظواهر في كل من غزة والضفة فهي متعلقة بالظواهر التالية :

الفقر وارتفاع نسب البطالة ، الخدمات الصحية ،التعليم ،الفساد بما يشمل المسؤولين وأبنائهم وعائلاتهم ، المستثمرين وزواج المال بالسلطة ،غياب الحريات العامة والعدالة الاجتماعية ، فهذه الظواهر قد تختلف بنسب متفاوتة ما بين غزة والضفة ، بالإضافة الي وجود ظواهر أخرى متل الرشوة والتي انتشرت في غزة حديثاً وغير موجودة بالضفة ،ولكن الي حد كبير فهي متشابهة ومعلومة وقابلة للقياس لدى جميع أفراد الشعب الفلسطيني .

سياسياً في غزة : فقد خلقت الثمان سنوات السابقة حالة من الاستفراد في الحكم بالقوة لحركة حماس على غزة مما خلق حاله معقدة سياسياً , خارجياً وداخلياً . على الصعيد الخارجي فقد بدأت حركة حماس العلاقة مضطربة مع العالم الخارجي وذلك بما فرض عليها من قبل الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بشروط الرباعية الدولية كشرط أساسي للتعامل معها كجهة شرعية , وإقليمياً فقد ارتبطت الحركة بمجموعة من الأحلاف الإقليمية مع كل من إيران و سوريا وحزب الله بمسمى محور الممانعة في أول سنوات حكمها ولكن سرعان ما تخلت عن هذا التحالف مع هذا المحور بعد نجاح الثورة المصرية ووصول الإخوان المسلمين للحكم ، و دخلت حاله صدام مع نفس الحليف الأسبق ، وعادت من جديد و ارتبطت بمجموعة أخرى من الأحلاف الإقليمية مثل تركيا و قطر و إخوان مصر ، وتلى ذلك مجموعة تغيرات في الإقليم ممهدة لحالة مخاض الشرق الأوسط الجديد من ثورات و نزاعات داخل الإقليم لتصبح القضية الفلسطينية خارج دائرة الاهتمام و المتابعة و التعاطف العربي و الدولي ،ودخل قطاع غزة حالة من الحصار و العزلة عن العالم الخارجي كلياً أفقدت حماس مصادر الدعم اللوجستي و التمويل الخارجي ، نتج عنها الحرمان التام لحركة حماس و لسكان القطاع  حق السفر و التنقل . وبذلك تكون انعدمت الخيارات أمام حركة حماس في التعامل السياسي مع العالم الخارجي .

أما على الصعيد الداخلي : فإن سيطرة حماس نتج عنها فقدان الشرعيات الفلسطينية وتعطل العملية الديموقراطية و الانتقال السلمي للسلطة ، و تعطيل مسار المصالحة الوطنية و تحمل أعباء السلطة ،ونتج عن ذلك عدم المقدرة على تقديم الخدمات العامة للمواطنين وعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية تجاه موظفيها . بالإضافة إلى خوضها ثلاث حروب مع إسرائيل أنهكت قوتها و قدرتها العسكرية و كذلك أنهكت المواطنين العزل من حجم الدمار الذي خلفته تلك الحروب ، و نتج عن ذلك القبول بهدنة هشة مع دولة الاحتلال و القبول بشروط الاحتلال لإعادة الإعمار و مماطلته في تطبيق بنود هذه الهدنة ، في المقابل خلقت حالة ردع ذاتي لدى حركة حماس بالاستمرار في حالة صراع مع إسرائيل لخشيتها من حروب جديدة قد تفقدها السيطرة على قطاع غزة ،أو ان تخلق ويلات جديدة لدى المواطن الغزي .

ومؤخرا صرحت الحركة برغبتها بتخصيص اراضي من الممتلكات العامة مقابل المستحقات المالية المتراكمة لموظفيها و وبالرغم من تيقنها من عدم مشروعية ودستورية هذه الخطوة , وكذلك عدم جدوي هذه الخطوة في معالجة ازمتها المالية . كل هذه المؤشرات للحالة السياسية داخلياً توضح انعدام الخيارات امام حركة حماس .

سياسياً في الضفة : فقد مرت الثمان سنوات الماضية في حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار بفعل الانقسام الداخلي وخروج القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمام والمتابعة العربية والدولية .

فعلي الصعيد الخارجي : استمرت حالة المماطلة والتعطيل لمسار المفاوضات الذي انتهجته الرئاسة والسلطة في  رام الله مع تكرار المحاولات باللجوء للمؤسسات الدولية للضغط علي إسرائيل للإيفاء بالتزاماتها اتجاه التفاهمات والاتفاقات الموقعة بين الطرفين ،ولكن هذه المحاولات فشلت في  اغلبها في كسب المزيد من التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية بما يسمح بوقف عنجهية اسرائيل في ممارساتها ضد الفلسطينيين من سلب اراضي وتوسيع للمستوطنات وتهويد للقدس , بالرغم من التمكن من انتزاع الاعتراف الأممي بعضوية فلسطين بصفة مراقب في الأمم المتحدة . فقد كان خطاب الرئيس الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة أخر اوراق العبة التي يملكها ابو مازن بإعلانه عدم التزام الفلسطينيين بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل طالما لم تلتزم إسرائيل بهذه الاتفاقات . فكانت زيارة كيري الأخيرة ترجمة واضحة للانحياز الأمريكي مع إسرائيل علي حساب الفلسطينيين فقد كانت تصريحاته وإدانته للعمليات الفلسطينية الفردية من دهس وطعن بأنها إرهابية قبيل وصوله رام الله بساعات قليلة .

ومن المتوقع ان تكون هذه الزيارة حملت تهديد مباشر للرئيس الفلسطيني بمطالبته مغادرة الحياه السياسية او حل السلطة الفلسطينية ، في المقابل كانت زيارته للرئيس الإسرائيلي للتأكيد علي استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ونبد الإرهاب الفلسطيني مع بعض الصور لمداعبة وزير الخارجية الأمريكي لكلب نتنياهو والاطمئنان علي صحته ، فكل هذه المؤشرات توضح انعدام الخيارات امام الرئاسة والسلطة في هذا الجانب .

 

وأما علي الصعيد الداخلي : فإن الانقسام الداخلي كان اهم عوامل سوء الأوضاع السياسية بما ترتب علية من تعطيل عمل المجلس التشريعي ،وكذلك تعطيل العملية الديمقراطية وفقدان الشرعيات الفلسطينية ، ومحاولات السلطة إبقاء الوضع علي ما هو علية مع تغير أيديولوجي عديم النفع في تبني خيار المقاومة الشعبية في بعض المناطق التي صادرتها اسرائيل بفعل الجدار العازل ، بالإضافة الي فقدان الأمل في استمرار العملية التفاوضية مع إسرائيل خلق حالة جديدة من الصدام مع الاحتلال " الانتفاضة الشعبية " وبالرغم من عدم سيطرة أي من الأحزاب والفصائل علي هذه الانتفاضة فإنها خلقت واقع جديد قد يكون معدوم الملامح المستقبلية ،وهذا بسبب بسيط هو فردية العمليات الاستشهادية او كما يسمي في العلوم الأمنية " عمليات الذئب المنفرد " ،فهذا الواقع الثوري المقاوم الجديد لا يسمح لأي سياسي ان يتوقع مدة واستمرارية ودافعية هذه الانتفاضة ،كذلك هذه المؤشرات توضح انعدام الخيارات السياسية الداخلية للخروج من الأزمات الراهنة .

الخيارات المستحيلة أمام فتح وحماس .

يبقي السؤال المهم في هذا السياق .

هل بقي هناك خيارات امام حركة حماس وسلطة غزة وامام حركة فتح والسلطة بالضفة ؟

بحسب اعتقادي نعم بقي خياران لا ثالت لهما :-

الخيار الأول : خيار الموت إن جاز التعبير ،ويتمثل هذا الخيار في تغير فكري ايديولوجي امام هاتان السلطتان , فعلي صعيد سلطة غزة يتمثل في قبولها لشروط الرباعية الدولية وتخلي حركة حماس عن الحركة الأم حركة الإخوان المسلمين ، وإدانة الإرهاب واسقاط خيار الجهاد والمقاومة وتبنى خيار السلام والتسوية .

أما علي صعيد الضفة إسقاط العمل باتفاق اوسلو وتغير فكري ايديولوجي وتبنى السلطة وحركة فتح خيار الكفاح المسلح والإعلان الصريح عن معاداة دولة إسرائيل والغاء خيار السلم والتسوية .

الخيار الثاني : خيار الحياة والأمل ويتمثل فقط بتطبيق المصالحة الوطنية ليس علي أساس المحاصصة الوظيفية ، بل علي اساس الاتفاق علي خطة ورؤية وطنية شاملة تشمل تمثيل جميع الفلسطينيين وليس فتح وحماس، ووضع استراتيجيات شاملة لبرنامج وطني موحد يوائم من متطلبات الحداثة ودمج الأجيال في العملية السياسية وصنع القرار كي يخلق الصمود والاستمرار والأمل للشعب الفلسطيني وللأجيال القادمة .

اخر الأخبار