في انتظار هيلاري

تابعنا على:   13:01 2016-08-28

عبدالله السناوي

إذا لم ترتكب أخطاء مميتة قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فإن هيلاري كلينتون سوف تكون أول سيدة في التاريخ تتولى الرئاسة الأمريكية، رغم أنها تفتقر إلى الثقة العامة في شخصيتها المثيرة للجدل، وأحياناً للاستهجان، فلا توجد عوائق حقيقية تحول دون وصولها إلى البيت الأبيض، بالنظر إلى حماقات منافسها الجمهوري دونالد ترامب التي تشكك في أهليته السياسية والنفسية لتولي المنصب الأرفع.

هي سيدة «طموحة» و«عنيدة» و«براجماتية»، والفكرة الرئيسية التي تصوغ مواقفها تتلخص في «إدارة التوازنات».

ورغم أنها تحاول بقدر ما تستطيع أن تزاوج في خطابها العام بين «المثالية» و«الواقعية»، غير أن ذلك لا يبدو مقنعاً، فهناك سياسات اعتنقتها في إدارة السياسة الخارجية وملفات الأمن القومي- عندما كانت وزيرة للخارجية- تعارضت مع توجهات الرئيس باراك أوباما، قد تعمل بدواعي العناد على تنفيذها عندما يكون القرار الأول لها.

بشكل عام، فإن هناك تراجعاً فادحاً لقضايا العالم العربي في السجال الانتخابي الأمريكي، لذلك دلالاته وأخطرها أن هناك توقفاً عن التأثير في مجريات الحوادث وحركة المصالح.

غير أنه لا يعني أن القادم الجديد للبيت الأبيض بوسعه أن يتجاهل الملفات المعلقة في الإقليم. وقضية «قيادة العالم» محورية في تفكيرها.

على عكس أوباما عند صعوده للبيت الأبيض لا يوجد لديها أي توجهات لمحاولة تسوية القضية الفلسطينية.

تقريباً هي شبه يائسة، فآفاق السلام مغلقة، والأمل في إحياء التسوية ضعيف، على نحو ما تؤكده بنفسها. وهي أكثر انحيازاً ل «إسرائيل»، وتربطها علاقات شخصية قديمة برئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

بطبيعة التحديات الضاغطة، فإن الأزمة السورية سوف تتصدر أولوياتها في الإقليم، وربما تستغرق جانباً كبيراً من الفترة ما بين انتخابها المتوقع في نوفمبر، ودخولها البيت الأبيض بالنصف الثاني من يناير/ كانون الثاني التالي في قراءة الملفات والتقارير السرية للأزمة التي تسميها «اللعينة».

بكل التقديرات يصعب التعويل على مواقفها السابقة، فالمستجدات الميدانية أخطر من أن تنحّى.

حسب اعترافها لم تكن خطتها في سوريا كوزيرة للخارجية مثالية.

عند بدايات عسكرة الأزمة اختلفت مع أوباما، حيث تبنت تسليح المعارضة، بينما اعترض هو خشية أن يصل السلاح إلى جماعات متشددة، فضلاً عن أنه حاول تجنب حروب الإقليم بأثر التجربتين المريرتين في العراق وأفغانستان.

هل تعود بدواعي العناد لفكرة تسليح المعارضة؟ أم تقترب من الأزمة بإدارة التوازنات وفق حقائق القوة؟

الخيار الثاني هو الأرجح، نظراً للتعقيدات المستجدة على المشهد الدموي المأزوم.

من غير المستبعد تسليح المعارضة، لكن في حدود لا تتجاوز محاولة تعديل موازين القوة على الأرض، قبل الذهاب الأخير إلى التسوية.

رغم النفور المتبادل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن الجانبين سيواصلان بطريقة أو بأخرى بناء التفاهمات الخلفية للتوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

وعلى رغم أنها لم توافق «أوباما» على فتح قنوات سرية مع إيران قبل التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، فإنها هي التي تولت قبل مغادرتها وزارة الخارجية اختيار فريق التفاوض السري، وبدت مستعدة تالياً للاعتراف بأن وجهة نظرها لم تكن الأصوب.

لا توجد لدى «كلينتون» قناعات لا تتغير مهما كانت درجة عنادها.

الأرجح أنها سوف تمد الصلات مع طهران دون أزمات كبرى مع الخليج، كتلك التي أثارها أوباما، وفق لعبتها المفضلة في «إدارة التوازنات».

بنفس القاعدة سوف تمضي في ترميم ما تهدم بالعلاقات مع تركيا دون اكتراث كبير بما تسميه القيم الأمريكية في الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان.

كان دورها في ليبيا كارثياً، وفي العراق باهتاً، وربما تحاول من موقع الرئيس إعادة بناء صورتها.

في مساحات الخلاف الواسعة بين الرئيس والوزيرة، عارضت كلينتون توجهاته في اجتماعات مجلس الأمن القومي الأمريكي يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011.

وعلى عكس مجموعة الشباب الملتفين حول أوباما، تبنت كلينتون إتاحة الفرصة أمام الرئيس المصري حسني مبارك للإشراف على انتقال منظم للسلطة، شاركها الرأي نفسه «الحرس القديم» وأبرزهم نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي ووزير الدفاع.

في ذلك الاجتماع طرحت تساؤلات جوهرية مثل: كيف يمكن تحقيق التوازن بين المصالح الاستراتيجية في مقابل جوهر القيم الأمريكية؟

كانت إجابة كلينتون واضحة، المصالح أولاً وأخيراً، ومن المرجح تماماً أن تحتذي الخيارات نفسها من موقعها الجديد المحتمل في البيت الأبيض.

كل شيء يخضع لمقتضيات المصالح والحسابات المباشرة من سيدة «إدارة التوازنات».

إذا لم يتماسك العالم العربي على شيء من الإرادة السياسية في إدارة أزماته، فإنه بكل دوله سوف يكون فريسة لبراجماتية كلينتون عند أي لحظة حسم مقبلة على خرائط الإقليم.

عن الخليج الاماراتية

اخر الأخبار