بعد ان يتبدد دخان المدافع

تابعنا على:   15:00 2014-07-26

محمد الحلو

منذ ان استهدف المشروع الصهيوني بلادنا لاسباب استراتيجية تخدم وفي سياق المصالح الاستعمارية في المنطقة , اعتمد هذا المشروع على ما توفره له شبكة المصالح الاستعمارية من تحالفات وموارد وتغطية اعلامية وسياسية وعلى قاعدة من الظروف المحلية المواتية في مقدمتها بنية ثقافية واجتماعية متخلفة يسندها اقتصاد ريعي مرتبط بمراكز التصنيع الامبريالية ويتوافق مع احتياجاتها , ومسائل مركزيه في بنيتنا الثقافية مؤجلة منذ اكثر من 8 قرون , وفق هذا الميزان جرى الصراع على بلادنا على امتداد القرن الماضي وحتى اليوم , وفي كل مواجهة تبين بشكل فاقع ما لديهم من تقنيات وتحالفات وبنى اعلامية وحضارية وما لدينا من ارتجال وغياب لبنى اجتماعية تستطيع ان تكون قاعدة للتصدي للغزوة الصهيونية والنهوض بمجتمع يبني اقتصاد وهياكل اجتماعية وحضارية قادرة على مواجهة هذا التحدي , لا يمكن رؤية ما يجري في غزة اليوم بدون اخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار.
ففي الوقت الذي تعززاسرائيل فيه ارتباطها بالمعسكر الاستعماري باعتبارها جزأ منه وذراعه المتقدم للحفاظ على مصالحه وتعزيزها بالمنطقة , فان الفلسطينيون يحيون في ظل انقسام سياسي وايديولوجي ادى الى انعدام الرؤية الموحدة مما سهل انبعاث سياسات ليس لها صلة بطبيعة الصراع بين المشروع الكولنيالي الصهيوني بمصادرة الكيان الوطني الفلسطيني واحلال محله كيان استيطاني توسعي يسعى لآن يتوج باتمام التطهير العرقي لبلادنا من سكانها الاصليين ولا يهمه مصيرهم , البقاء في مخيمات البؤس او الشتات او الذوبان في المجتمعات التي شردوا اليها , في هذا السياق جرت كل حروب الكيان الصهيوني ولتحقيق هذه الاهداف , فحيثما جرى استيعاب الفلسطينيين ومصادرة هويتهم الوطنية واخضاعهم , كفت حروب هذا الكيان عن ملاحقتهم , وحيثما توحد الفلسطينيون وعملوا على متابعة كفاحهم من اجل استعادة وطنهم وحقوقهم المسلوبة جرى شن حروب متتالية لكسر ارادتهم على متابعة الكفاح , وبعدما تصور الغزاة انهم اخضعوا ما تبقى من سكان البلاد الاصليين ممن تبقوا في بلادهم وتم حشرهم بمعازل عنصرية كحال الفلسطينيون الماسكين بسكين البقاء في بلادهم , او من تم اذابتهم بالصهينة ودمجهم كخدم لالتهم العسكرية كالدروز وبعض البدو .
وفي المناطق الفلسطينية المحتلة في عدوان 1967 جرى اخضاع المناطق الفلسطينية لسلسلة من الظروف عنوانها سحب اوسع نسبة ممكنة من الارض منهم بفعل سياسة الاستيطان وتقسيم المناطق الى أ ,ب,ج , واخضاعهم لظروف انعدام الافق السياسي والاقتصادي لدفعهم للخروج من ما تبقى من اراضي يعيشون عليها , وفي غزة تم دفع اكبر عدد ممكن من الفلسطينيون للانحشار بأقل حيز ممكن من الارض وتوجيه طاقته باتجاه الخروج نحو مصر مما اثار خوف االمصريين وخشيتهم , وبمساعدة غير متوقعة من حماس جرى اثارة مخاوف المصريين بأن سكان القطاع يسعون لالتهام سيناء ,وصار هذا الهاجس المصري يحل بدلا من السعي نحو مواجهة العدو الصهيوني بمساعدة الفلسطينيين على استعادة بلادهم وكيانهم الوطني الذي سطت عليه اسرائيل .
وفي هذا السياق يأتي العدوان الاجرامي الصهيوني هذه الايام على قطاع غزة , ورغم ان الشعب الفلسطيني توحد مع قطاع غزة وفي مواجهة العدوان , الا ان الهدف الاساسي من العدوان وهو دفع قطاع غزة بكتلته البشرية وافاق توسعه نحو مصر واسقاط تطلع الفلسطينيين لاستعادة وطنهم الطبيعي فلسطين , للاسف ان حماس بسلوكها السياسي الاستفزازي للنظام الحالي في مصر قبل واثناء العدوان , سهلت على اسرائيل حشد امكانيات النظام المصري ليس الى جانب غزة بل خوفا من غزة واحتياطا من غزة , ان امعان حماس بالوقوف مع الاطراف الاقليمية التي تناصب النظام المصري الحالي العداء كقطر وتركيا , انما يعزز من المخاوف المصرية ويسهل على اسرائيل مهمتها بعزل قطاع غزة عن رئتها التي من الممكن ان تتنفس منها صمودا ومقاومة , ومهما كان تحالف حماس مع قطر وتركيا وايران وغيرهم , فان ذلك لا يعوض كسب الجيران المصريين او على الاقل \"اتقاء شرهم\" براغماتيا لاي مخطط يسعى لكسب معركته مع الطرف الاخر الصهيوني , الا اذا \" وهذا ما ينذر بالمصيبة\" اعتبر الاخوة بحماس ان النظام المصري عدوا اخر يجب محاربته , ولا ندري بأي قدر , بالتساوي مع العدو الصهيوني او اقل او اكثر .
هذا السلوك ليس له علاقة ابدا بمصالح سكان قطاع غزة او مجموع الشعب الفلسطيني , قد يكون له علاقة بمصالح حركة الاخوان المسلمين الدولية , وهنا يطرح السؤال الذي سعى الجميع لعدم اثارته وغبار العدوان على غزة لم ينفض : هل يحق لاي فصيل على الساحة الفلسطينية بما فيها حماس ان تزج بمجموع الشعب الفلسطيني او جزأ منه كقطاع غزة بمعركة يدور رحاها قبل العدوان الصهيوني على قطاع غزة , بين حركة الاخوان المسلمين والنظام الحالي في مصر ؟ وما هو نصيب قطاع غزة من الغنائم فيما لو كسب الاخوان المسلمين , هل سنرى ملياراتهم تنهض بقطاع غزة وتزيل البؤس من شوارعه وميادينه , ام ان قطاع غزة شريكا بالدم ولا يبخل عليه الاخوان المسلمين وقطر وتركيا وايران واعلامهم بالاشادة ببطولاتهم وتضحياتهم .
لقد قدم الفلسطينيون على مر تاريخهم عشرات الالاف من الضحايا وغالبا ما جرى تجييرها لصالح هذا النظام او ذاك , وان الاوان ان يعمل الفلسطينيون من اجل قضيتهم وهي بوضوح تام هزيمة المشروع الصهيوني واستعادة الوطن الفلسطيني وحقوقنا فيه , واي صراع اخر يزج به الفلسطينيون انما هو سرقة تحت شعارات كاذبة الهدف منها تجيير تضحيات الفلسطينين لخدمة مصالح اقليمية متصارعة على مصالح ليس لنا بها شأنا .
يحق لشعبنا الفلسطيني الذي لم يبخل بالدم والتضحيات من مستقبله ومستقبل ابناؤه على مدى قرن متواصل من البطوله والتضحيات ان يفرض ارادته وقراره على كل من يسعى للعمل باسمه , ان العمل لفلسطين خالصا واننا في الوقت الذي لا نمل من السعي والنضال والتضحية من اجل بلادنا ومصيرها , فاننا لا نقبل ابدا ان يسرق اي كان تضحياتنا وعذاباتنا لتصفية حسابات ليس لنا بها شأن . ان عدونا كان واستمر وسيبقى المشروع الصهيوني ومن يسانده على ارضنا , ولن يكل الفلسطينيون عن بذل كل غالي ورخيص من اجل دحره وتخليص بلادنا من استعماره واستعادة كياننا الفلسطيني ووحدة شعبنا على ارضه وعودة كل ضحايا التطهير العرقي الصهيوني الى املاكهم وبيوتهم .
منذ بداية الغزو الصهيوني لبلادنا لم يبخل الفلسطينيون بالمقاومة وبذل التضحيات التي مهما على شأنها الا انها لم تكن كافية لهزيمة هذا الغزو , لكن في كل مرحلة كان من يخرج من بين صفوف الفلسطينيون من يسعى لآن يأخذ جزأ من تضحياتنا لخدمة صراعات ليس لنا بها شأن , اننا مللنا هذه اللعبة ولا نستطيع استمرار السكوت عليها , وخصوصا امام هذا المقدار الهائل من التضحيات التي يبذلها شعبنا بغزة وفي الضفة الفلسطينية , انها تضحيات غالية ولا يمكن ان تعوضها لا بيانات الاخوان المسلمون ولا برامج الجزيرة ولا ملايين قطر او بضائع تركيا ومسيرات ايران .انها تضحيات شعبنا برسم اهدافنا الوطنية بالعودة واستعادة الوطن الفلسطيني ودحر المشروع الصهيوني .

اخر الأخبار