أمريكا اللاتينية \"العربية \".. وعرب \"أمريكا\" !!

تابعنا على:   13:47 2014-07-29

صالح عوض

أصبحت غزة مصوغا جديدا فاعلا للقضية الفلسطينية بل و مولدا للمقاومة وفعلها المقتدر..واستطاعت بفعل صمود الشعب الفلسطيني قادرة على اعادة ترتيب الاولويات في الاقليم كما اعادت من جديد لكثير من الدول في العالم دورها الدولي وهكذا تصبح غزة لاعبا رئيسيا ليس فقط على المستوى الاقليمي والمحلي بل والدولي.

لا يتردد أي عربي ومسلم في رفع يده محييا شعوب وحكومات امريكا اللاتينية التي اصرت ان يكون موقفها تجاه جرائم الحرب الاسرائيلية في حق اهل غزة وفلسطين عموما موقفا واضحا متميزا فمن الأرغواي وتشيلي والبرازيل وفنزويلا وسواها من الدول التي تبدي اهتماما بالغا بالقضايا العربية..فلقد جاء الموقف الامريكي اللاتيني بطرد سفراء الكيان الصهيوني و قناصلته تعبيرا اصيلا عن مواقفها من القضية الفلسطينية وإسنادا حقيقيا لاستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية.

ولا يتردد عربي ومسلم في استهجان ما ابدته معظم الحكومات العربية من تقصير تجاه العرب المسلمين في فلسطين..ولعل التقصير لم يقف عند حدود معظم الحكومات العربية والإسلامية بل امتد الى كثير من الاحزاب الاسلامية والقومية والوطنية واليسارية بل يكون الامر وصل الى قطاعات شعبية في بعض البلدان حيث تم جذب الناس الى قضايا مفتعلة هنا او هناك.

وغني عن القول ما ابدته نخب اوروبية وأمريكية سياسية وثقافية من مواقف حازمة ضد جرائم الحرب الاسرائيلية بل وما ابدته قطاعات واسعة من شعوب الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوربية..الى الدرجة التي طالبت المسيرات في لندن وبعض الدول الاوربية بطرد السفير الاسرائيلي وفرض عقوبات على الكيان الصهيوني..كما صرح كثيرون من اعضاء البرلمان البريطاني وشخصيات فرنسية بمواقف مدوية سيكون لها دور رئيس في تصحيح الرأي العام الاوربي في المرحلة القادمة.

نعود الى الحديث عن دول امريكا اللاتينية وموقفها الذي دفع البعض منا الى القول كأننا نكتشف ان هناك عربا اكثر عروبة من اصحاب السياسة في بلداننا فرغم ان تلك الدول على حدود الولايات المتحدة الامريكية حيث النظام الاستعماري الاكثر عنفا وإرهابا في العالم..وحيث الخطر الاستعماري قائم ولا قبل لتلك الدول في مواجهة الجيوش الامريكية التي طالما استباحت تلك الدول وسجنت حكامها واستعبدت شعوبها وتحكمت في ثرواتها ومواقعها الحيوية..فماذا يعني ان تخرج هذه الدول بشعوبها وأحزابها لتقف في خندق واحد مع العرب والفلسطينيين في قضاياهم.

يبدو ان الامر يحتاج الى غوص في شخصية شعوب امريكا اللاتينية ومواجهتهم النضالية ضد اشكال الاستعمار الاوروبي وقد يحتاج الامر الى قراءات ثقافية في الشخصية اللاتينية حتى نستطيع التوصل لمنابع المواقف النبيلة والشريفة التي تجسدها امريكا اللاتينية..ولكننا هنا نجد انفسنا مضطرين للاكتفاء بالإشارة ولعلها تغني عن طول العبارة.

المهم هنا ان نؤكد ان العالم لم يعد بقبضة الامريكان ولعله لم يكن يوما بقبضتهم لكن هكذا افهمتنا الدعايات المغرضة والسياسات التابعة الخائبة لنستسلم لقراراتها و مشاريعها في منطقتنا..وان نؤكد أن العالم في معظمه كاره للصهيونية ومندد بجرائمها وهو يصطف مع دفاعنا عن حقوقنا وهو يعرف ان مثل هذه المواقف قد تجلب عليه عواقب وخيمة..ومن المهم ان نؤكد ان العالم يتململ لتفسيخ الهيمنة الاستعمارية وان قوة الهيمنة وسطوتها تراجعت مسافات طويلة..ولقد تم تحقيق ذلك بتراكم النضال الذي قامت به قوى التحرر في العالم العربي والإسلامي وفي اكثر من مكان في العالم لاسيما في امريكا اللاتينية..ورغم هذا كله فلا بد من تسجيل ان التردد الرسمي العربي وانكماش النخبة لا يمكن فهمه الا على اعتبار انه طلب ود وإبداء حسن نية تجاه الحركة الصهيونية لنيل رضاها في محافل دولية ولدى صانع القرار الغربي والأمريكي منه بشكل خاص ..

لقد كشفت حرب غزة الاخيرة الى اي مدى اصبح النظام العربي مستلبا ومهانا ومستسلما للأجانب مسجلا غيابا مخلا لدور البلد وانتمائه ولولا ضغط الشارع العربي الذي يميز غضبا والما لما صدر عن اي منه تصريح ولو مجرد تصريح..والغريب ان الولايات المتحدة السيد المهاب والمحسوبة بدقة مشاعره تتكلم بشكل شبه يومي من خلال رئيسها ووزير خارجيته والناطقين الرسميين تدعو لوقف العنف وتتكلم في تفاصيل المسالة الامنية السياسية بل انها تبدي مرونة لم تتوفر لبعض النظام العربي الذي تمترس وراء موقف لا يفهم منه الا تبرئة اسرائيل من جرائمها..ولعل ادوار قطر وتركيا وتونس وسواها تفيد بان الامريكان لم يمانعوا ان يتعاطى النظام العربي مع الشأن الفلسطيني ولكن يبدو ان الاصرار من قبل النظام العربي بعدم التورط في اي موقف قد يزعج الاسرائيليين هو الذي انتهى بالدول العربية الى ما نعيشه اليوم من حالات احتقان شعبي قد تنفجر مكملة لقوس الفتنة والعنف.

ان ادق تسمية لكثير من المستغلين مواقعهم في قيادة الامة انهم عرب امريكا وليس المقصود بالتسمية العرب الامريكان الذين يعيشون في امريكا فهؤلاء متقدمون في مواقفهم وعطاءاتهم لقضايا امتهم وهم يواجهون بجرأة مشاريع الولايات في العالم الثالث ..ففي امريكا برز قادة فكريون ومثقفون كبار كان لهم دور بارز في التعريف بقضايا امتهم..اما هؤلاء الذين استسلموا لمنطق الوصاية الامريكية والأبوية الامريكية فهم من شوه صورة العرب وأهانهم ومرر عليهم ما ينبغي ان لا يمر من قرارات ومشاريع.

رغم كل شئ فان المقاومة الباسلة والتي ضربت موعدا للمقاتل العربي ان يحقق توازن رعب ملتقطا من نار المواجهات والمعركة العنيفة شرط التوازن الذي حاولت اسرائيل بكل ما لديها من قوة عسكرية واجهزة دعاية وحركة سياسية ان تحرم المقاوم الفلسطيني هذه المزية..لقد كانت حربا قاسية على الفلسطينيين ولكنها ايضا وجهت رسائل للتجمعات الصهيونية بان المسألة لم تبرح نقطة البداية..تولانا الله برحمته.

اخر الأخبار