إسرائيل وأميركا: مَنْ «يَتَحَكّم».. بـ«مَنْ»؟

تابعنا على:   10:20 2015-03-05

محمد خروب

يبدو السؤال بلا «أهمية» في نظر بعض الذين يعتقدون، أن مجرد غضب ساكن البيت الأبيض على إسرائيل، يعني أن الدولة الصهيونية ستُواجه مصيراً بائساً، مهما توفرت عليه ترساناتها الحربية من أسلحة نووية وأخرى عصرية وحديثة تتكئ على النانوتكنولوجي وتغرف من خبرات ملايين «اليهود» الذين هاجروا إليها وهم يحملون شهادات عليا وخبرات كبيرة وكفاءات إدارية وهندسية وأكاديمية وعلمية وطبية وغيرها مما حفلت به وتحفل أروقة الجامعات الغربية وخصوصاً الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي السابق، الذي أمدّ إسرائيل بمليون مهاجر في العهد الغورباتشوفي الأسود، ما شكل «قيامة» ثانية لإسرائيل (اقرأ نكبة فلسطينية أخرى) بعد النكبة الأولى في العام 1948، وهو أمر لا تُنْكِره الدوائر اليهودية، كما الصهيونية وتلك المتصهينة التي تدين بولائها أو وجودها وحضورها السياسي للتنظيم اليهودي الدولي «السرّي» الذي يدير الأمور أو يُسهم في تحديد الاتجاهات، في ساحات سياسية وحزبية عديدة في الغرب الاستعماري على وجه الخصوص، وعلى رأسها الساحة الأميركية.

هل قلنا الساحة الأميركية؟

نعم، كان يكفي أن يُشاهد المرء وقائع الخطاب «التاريخي أو المصيري» الذي ألقاه بنيامين نتنياهو أمام مجلسي الكونغرس (للمرّة الثالثة في حياته السياسية، ولم يسبقه إلى هذا «الشرف»، غير ونستون تشرتشل السياسي البريطاني الشهير الذي لا يملّ نتنياهو تشبيه نفسه.. به) كي يستدعي الأسئلة الكبيرة التي ما فتيء كثيرون يطرحونها منذ بدأت العلاقات الأميركية الإسرائيلية تأخذ طابع التحالف الاستراتيجي، وبخاصة بعد عدوان حزيران 1967 ورهان الصهيونية العالمية على الامبريالية الأميركية، بعد أن استنفدت أغراضها من الامبراطورية الفرنسية الآفلة، وقبلها الامبراطورية البريطانية المنهارة.

... ليس مهماً عدد المرات التي وقف فيها المُشرّعون الأميركيون - من نواب وشيوخ - للتصفيق والتعبير عن ولائهم (نعم ولائهم)، وليس مجرد اعجابهم بما قاله هذا الديماغوجي الصهيوني المغرور، ما يعكس حجم الارتماء السياسي لمعظم المُشرعين هؤلاء، في حضن اللوبي اليهودي والصهيوني الذي يُحْكم قبضته على على مفاصل الحياة السياسية والتشريعية الاميركية (اضف اليها باستمرار الهيمنة الاعلامية وخصوصاً السينمائية... المطلقة).

مَنْ فاتته فرصة مشاهدة «مسرحية» خطاب نتنياهو، خسر جزءاً من «عِدّته» التحليلية لمشهد العلاقات الاميركية الاسرائيلية، وبخاصة في ذروة الحديث المنافق عن تدهور هذه العلاقات، وعن الخسائر التي ستعود على اسرائيل، بعد ان أمعن نتنياهو في «اهانة» الرئيس الاميركي (ليس مهما اسم اوباما هنا)، وبعد أن أهان «ذكاء» الاميركيين على ما قال أحد الشيوخ الديمقراطيين الذين قاطعوا خطاب رئيس حزب الليكود المتطرف (50 عضواً ديمقراطياً قاطعوا الخطاب).

لعل اكثر ما يثير الغضب والاستفزاز، مشاهدة نتنياهو وهو «يتبختر» في مشيته في طريقه الى منصة الكونغرس، وبريق الغرور يلمع من عينيه اللتين تجوسان المقاعد والممرات، يتفضل بالسلام على هذا ويؤمئ لذاك، يغمز بعينه اليمنى لمصفق، ويمد يده لِهَزّ يد آخر، لكنه يسحبها في شكل «تمثيلي» لافت، لينقلها الى سناتور او نائب في الصفوف الخلفية يزيد من حركة يديه، كي يلفت انتباه «المُخَلِص» الذي جاء ليُعلّم الاميركيين تاريخ اليهود المُقاوِمْ عبر التاريخ وبخاصة في مناسبة عيد المساخر (البوريم) الذي كشفت فيه الملكة «إستر» مؤامرة كسرى فارس الذي اراد باليهود.. شراً.

سيُقال ان النفوذ اليهودي في اميركا.. معروف ولم يأت نتنياهو بجديد، عندما ذهب الى مقر «دُرّة» الديمقراطية الاميركية (الكابيتول هيل) كي يهين رئيسهم ويقزّمه، ويقول له «الأمر لي».. فاللوبي اليهودي هو صانع الرؤساء والنواب والشيوخ، وهو الذي يُعلي قَدْرَ من يريد، وهو الذي يُهيل التراب على مَنْ يتجاهل مصالح اسرائيل، لكن الاكثر اهمية هنا يكمن في هذا الصمت العربي المريب، وبخاصة تجاه الدولة الكبرى في العالم التي لا تملّ الحديث عن رفض التدخل في شؤون الاخرين وتواصل الوعظ وتستخدم بِغِلْظَة واستعلاء سياسة الاملاء والهيمنة، لتحمي نظاما ما او تشيطن آخر، فيما هي تُبدي مَسكنة ويتوارى ساساتها خلف حُجُبٍ من التبريرات والنفاق والاستجداء على نحو لا يليق بساسة دولة عظمى يعرف قادتها، انهم قادرون-إذا ما امتلكوا الكرامة-على لجم هذا التطاول وتلك العربدة التي تصل حدود الارهاب، تجاه دولة «صغيرة» تواصل مدّها بكل اسباب البقاء والقوة منذ نصف قرن.

هل يدفع نتنياهو ثمن «اهانته» لرئيس الدولة الاعظم، والاستهانة بـ»ذكاء» ساستها ومشرّعيها؟

الأيام ستقول.. لكن اميركا التي نعرفها لن تبرأ من عِلّلِها.. «العربية» على الأقل.

عن الرأي الاردنية

اخر الأخبار