العمل والليكود والحقوق الفلسطينية

تابعنا على:   13:27 2015-03-13

علاء محمد منصور*

كان لانتفاضة الأقصى التأثير السياسي الأبرز في نشأة حزب كاديما الذي تزعمه شارون وتربعه على سدة الحكم في اسرائيل, وهو ما قلب المعادلة المعتادة في نظام الحكم الاسرائيلي من تداول حزب العمل أو الليكود على تشكيلة الحكومة الإسرائيلية, ولكن سرعان ما توارى هذا الحزب ومؤسسيه عن الأنظار وعن المشهد السياسي الاسرائيلي بعد ثلاث دورات انتخابية, فاستطلاعات الرأي الحالية تشير الى امكانية عدم تجاوزه (كاديما) نسبة الحسم ليتم تمثيله بالكنيست القادمة, لتعود الحلبة السياسية الاسرائيلية من جديد للتقاسم بين مدرستين أساسيتين, مدرسة حزب الليكود ومدرسة حزب العمل, ورغم وجود المبادئ الصهيونية كقاسم مشترك بين كافة الاحزاب الاسرائيلية ماعدا الاحزاب العربية, الا أن هناك فروق نسبية وليست جوهرية بين كل من حزبي العمل والليكود حول عملية السلام مع الفلسطينيين, فكلا الحزبين لم يلتزم أي منهما بتجميد الاستيطان عند توليه الحكم في اسرائيل, بل كانت الزيادة في وتيرته دليلاً على عدم مصداقيتهما في إتمام عملية السلام.
حيث تقوم العملية السلمية وخاصة على المسار الفلسطيني على تنازل إسرائيل عن الأراضي التي إحتلتها في حرب حزيران 1967م, مقابل الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل وإنهاء حالة الحرب والعداء معها, وحسب الإسرائيليين فهذا تنازل عن العمق الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل بعد الحرب, وكذلك للاستيطان الذي يمثل جوهر المشروع الصهيوني برمته, ولذلك نشأ خلاف بين الإسرائيليين على اختلاف توجهاتهم الحزبية والفكرية حول الخط الاستراتيجي الذي يجب على إسرائيل انتهاجه للحل السلمي, ومن الممكن حصر نقاط الاختلاف بين حزبي العمل والليكود فيما يخص السلام مع العرب بالقضايا التالية: الدولة الفلسطينية, ومصير الأراضي المحتلة عام1967م, وحدود إسرائيل, ومصير المستوطنات, وعودة اللاجئين.
حزب العمل: يعتبر حزب العمل مؤسس الدولة اليهودية منذ قيامها وواضع أسس نظامها السياسي والاقتصادي, وباني قواتها العسكرية التي استطاعت أثناء توليه الحكم في إسرائيل من الحفاظ على حدودها وتوسيعها من خلال عدة حروب خاضتها حكوماته المتعاقبة حتى وصول حزب الليكود للحكم عام 1977م.
ومن المعروف عن حزب العمل أنه يجيد قراءة المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية ويسير في اتجاهها, فقد وافق الحزب على التسوية السياسية مع العرب ضمن إطار مؤتمر مدريد للسلام الذي دعت اليه الولايات المتحدة الأمريكية, بعد قيام نظام عالمي جديد بقطب واحد بزعامتها, وتداعيات حرب الخليج الثانية, وتفكك الاتحاد السوفيتي, ويُحسن حزب العمل المناورات السياسية والإعلامية في قدرته على الالتفاف على المشاريع الدولية والتهرب منها, ويتميز بالمرونة السياسية مما أكسبه تأييد العديد من الدول لسياسته العدوانية بعد اظهارها بمظهر الهادفة والمحبة لتحقيق السلام والأمن لإسرائيل والدول المجاورة, فأتاحت هذه المرونة والمراوغة لإسرائيل فرصة كسب الوقت لفرض وقائع جديدة على الأرض.
ويقوم المشروع السياسي لحزب العمل على نقاء الدولة العبرية الذي يمكن أن يحدث من خلال انسحاب إسرائيل عن أجزاء من المناطق العربية المحتلة عام 1967م, منطلقاً في ذلك من أسباب واعتبارات أمنية وسياسية واقتصادية وديموغرافية, ولهذا فقد دعا الحزب الى إقامة ما يسمى المستوطنات الأمنية القائمة على توسيع المجال الجغرافي, مقابل معارضته لإقامة مستوطنات ذات طابع سياسي في مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية, فالحزب لا يعارض تفكيك بعض المستوطنات الصغيرة أو المعزولة في إطار التسوية الدائمة مع الفلسطينيين, لكنه يصر على ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة لإسرائيل باعتبارها مستوطنات أمنية. وحول الدولة الفلسطينية وحدودها نجد أن الحزب بحكم التحولات الدولية والإقليمية والمحلية لم يعد بإمكانه إنكار وجود الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير, فالحزب "يعطي أولوية المواجهة مع الخطر الديمغرافي السكاني الذي يهدد للمدى القريب – المتوسط الأكثرية اليهودية في غربي نهر الأردن, ولمواجهة هذا الخطر وليس بسبب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني, يطرح تقسيم البلاد وقيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل, فهو مؤيد لإقامة دولة فلسطينية محدودة السلطات وعلى أقل قدر ممكن من الأرض ويرفض إقامتها على حدود الرابع من حزيران 1967م, ويقول اسحق رابين زعيم حزب العمل السابق بأن حدود الرابع من حزيران 1967م كانت سبب اندلاع الحروب وأي تحرك عسكري جوهري في الدول العربية يضع إسرائيل أمام خيار قاس:- شن حرب وقائية أو المجازفة بالتعرض لهجوم عربي يهدد أمننا, ونحن مضطرون لتحقيق حدود يمكن الدفاع عنها تختلف عن حدود الرابع من حزيران 1967م, فحزب العمل والليكود لم يعلن أياً منهما في برامجه عن حدود إسرائيل, لكون الحدود حسب الاستراتيجية الصهيونية تقررها الوقائع غلى الأرض (المستوطنات) وموازين القوى السياسية والعسكرية.
ويعتبر حزب العمل نهر الأردن حداً أمنياً لإسرائيل ومنع أي جيش أجنبي من التواجد غربي النهر, كما يعتبر الحزب القدس الموحدة العاصمة الأبدية لإسرائيل متوافقاً بذلك مع موقف الليكود من المدينة المقدسة.
وفيما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين فقد رفض باراك أثناء توليه رئاسة الوزراء في إسرائيل أي شكل من اشكال حق عودة اللاجئين لديارهم, وطالب بتأجيل هذه المسألة الى ما بعد المفاوضات النهائية, وقد أثبت باراك بعد انتخابه خلفاً لنتنياهو عام 1999م أنه لا يقل تشدداً عن سلفه في قضايا التسوية السلمية مع الفلسطينيين, حتى أنه ظهر أكثر تشدداً من نتنياهو من الناحية الأمنية, مما حدا بالكاتب الإسرائيلي يؤيل ماركوس الى اطلاق تسمية (باراكياهو) عليه باعتباره نسخة جديدة عن نتنياهو, فحديث نتنياهو عن السلام القائم على الردع والقوة العسكرية, يؤكده باراك في برنامج حكومته عام 1999م بأن "السلام لن يأتي إلا من خلال قوة جيش الدفاع الإسرائيلي ودولة إسرائيل, وعنصر الردع لدى الدولة", وانطلق باراك كزعيم لحزب العمل في أفكاره من وجود تهديد مستمر لوجود إسرائيل "صراع وجود", ويتوجب على إسرائيل اعتماد استراتيجية هدفها الأساسي هو الحفاظ على دولة إسرائيل لذلك تبنى باراك مبادئ أساسية هي:-
- القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية.
- عدم العودة الى حدود الرابع من حزيران 1967م.
- عدم تواجد جيش أجنبي غربي النهر.
- بقاء معظم المستوطنات ضمن كتل استيطانية كبيرة تحت السيادة الإسرائيلية
وفي عام 2002م تقدم بنيامبن بن العيزر رئيس حزب العمل السابق بمشروع سياسي لمؤتمر الحزب ينص على وجود دولتين لشعبين يعيشان جنباً الى جنب في إطار تعايش سلمي إسرائيل وفلسطين, يتنازل بموجيه كل طرف عن أحلامه التاريخية, دون تحديد طبيعة الدولة الفلسطينية المقترحة أو حدودها, وكجزء من هذه التسوية تزيل إسرائيل المستوطنات اليهودية من قطاع غزة والمستوطنات المعزولة في الضفة الغربية, وتُمكن المستوطنين من البقاء والتجمع في كتل استيطانية رئيسة يتم ضمها الى إسرائيل. وبخصوص القدس الشرقية يقترح المشروع تطبيق نظام خاص من خلال تواجد قوة دولية يتفق عليها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني تتولى الاشراف على المسجد الأقصى وقبة الصخرة وحائط البراق الذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى, ولن توجد سيادة نهائية على الحرم القدسي, ويتم ايجاد حل ساري المفعول لجميع الأطراف بصورة متفق عليها, تشارك فيه دول إسلامية وأعضاء من مجلس الأمن. وهذا المشروع رغم ضآلة التنازلات الإسرائيلية فيه ظل حبرا ًعلى ورق ولم يحظى بموافقة حزب العمل عليه, هذا التماثل الايديولوجي والسياسي لحزب العمل والليكود كما سيتضح لاحقاً جعل يوسي سريد يصف حزب العمل قبل انفصاله عنه بأنه "ليكود رقم 2".، وهذا ما أوضحه البرنامج السياسي لحزب العمل الذي نشر قبل أيام، والذي أعلن أن يده ستكون قوية على غزة، وأنه سيقبل بدولة فلسطينية دون تقسيم القدس مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية والمستوطنات في الأغوار، وبالإضافة لشرط الاعتراف بيهودية الدولة، والسؤال لماذا سيفضله الناخبون من معسكر اليمين على أصحاب المواقف الأصلية الأورجينال؟.

حزب الليكود: منذ وصول حزب الليكود للسلطة عام 1977م وحتى فوز زعيمه بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة عام 2009م وهو يتحدث في برامجه الانتخابية عن السلام, ولكن من وجهة نظر ليكودية محضة تقوم على الغطرسة والقوة والاستعلاء وعدم التنازل عن الأرض مقابل السلام, فيقول نتنياهو "إن إسرائيل مؤهلة للتوصل الى سلام مع كافة الدول العربية, ولكن لكي يكون هذا السلام دائماً يجب أن يرتكز على أسس متينة من الأمن والعدل, إن معارضة العرب لوجود إسرائيل كانت وما زالت العقبة الرئيسة التي تحول دون تحقيق السلام", وهنا تتضح الفكرة الرئيسة لحزب الليكود حسب مفهوم نتنياهو بأن الأمة العربية بعدم اعترافها بشرعية وجود إسرائيل هي التي تقف عائقاً أمام السلام وليس الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية, فمبدأ الأرض مقابل السلام غير موجود على أجندة حزب الليكود, ولا تؤمن به الأحزاب اليمينية برمتها, بل الطرح السياسي للحزب يقوم على مبدأ السلام مقابل السلام, فنتنياهو يسعى لتحقيق سلام مبني على اعتراف الدول العربية بشرعية وجود إسرائيل وبقائها آمنة مستقرة, دون شروط مسبقة بالانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة, بل مقابل الخيرات الاقتصادية التي ستعود على العرب من هذا السلام, وأن معادلة السلام مقابل التخلي عن الأرض خاطئة, وأن السلام يعود على الدول العربية بفائدة أكبر من الفائدة التي ستعود على إسرائيل, وفي هذا الخصوص يقول نتنياهو أن "السلام مع إسرائيل يمكن أن يصبح بالنسبة للدول العربية جسراً الى العالم الغربي الصناعي, من أجل تجنيد الاستثمارات والتكنولوجيا المتقدمة والحصول على خدمات مالية متنوعة وفتح قنوات تجارية عديدة".
فالمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية(انهيار الاتحاد السوفيتي, حرب الخليج الثانية, الانتفاضة الفلسطينية) إضافة لضرورة المحافظة على المصالح الأمريكية في المنطقة عبر ضمان استقرار وأمن إسرائيل, جعلت شامير يستجيب للمطلب الأمريكي بحضور مؤتمر مدريد للسلام, ويدرك بأن عصر الأرجون والهاجناة والانتداب البريطاني انتهى, ولكن الحاضر يقول الان بعدم وجود المتغيرات أو التحولات الدولية والإقليمية والمحلية التي تدفع قادة اسرائيل لتوقيع معاهدة سلام أو السير قدماً بخطوات جدية نحو عملية السلام , فاسرائيل تعيش أجمل فترات حياتها وتلبس أبهى حليها وحلتها, بالتزامن مع تراجع الحالة العربية والفلسطينية, فالانقسامات والانشطارات أخذت تفعل فعلها بالفلسطينيين أولاً, وبالبلدان العربية ثانياً, بل عدد من هذه البلدان أصبح يعاني من الحروب الأهلية والصراعات المسلحة للوصول لسدة الحكم, وباتت الدول العربية ضعيفة ومنقسمة على نفسها, والأولوية تعطيها لجرحها الداخلي النازف والذي يبدو أنه نزيفه سيستمر طويلا قبل أن يتوقف ويلتئم.
ويقوم المشروع السياسي لحزب الليكود على اعتبار "أن الحق السرمدي للشعب اليهودي على أرض إسرائيل غير قابل للتأويل, ويندمج مع حقه في الأمن والسلام", فالحزب يعتبر أن أرض فلسطين هي (أرض إسرائيل التاريخية) ولليهود الحق في استيطانها بغض النظر عن الاعتبارات الديمغرافية أو الدولية المطالبة بوقف الاستيطان, ولا يميز بين مستوطنات أمنية وأخرى سياسية فكلها حسب اعتقاده أرض إسرائيل, وهذا يفسر استمرار حكومة نتنياهو الحالية بتسريع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس بوتيرة عالية غير آبهة بالمطالبات الدولية ومنها الأمريكية بضرورة وقف الاستيطان لإتاحة الفرصة أمام المفاوضات كي تأخذ طريقها عبر عملية السلام. أما الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني فهي غير موجودة في برامج حزب الليكود, ولا تقره, بل تعمل على تحقيق الوطن البديل في الأردن, وهذا ما يصرح به قادة الليكود والأحزاب الدينية المتطرفة", ويعارض حزب الليكود إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على حدود الرابع من حزيران 1967م, فهو يرى الحل عبر نوع من الإدارة الذاتية للسكان الفلسطينيين في الضفة الغربية أو عبر تقاسم السلطات مع الأردن, أو على فكرة التقاسم الوظيفي مع الفلسطينيين, بإعطاء الفلسطينيين سلطة حكم ذاتي وبقاء السيطرة الأمنية على المعابر والحدود والبحر والجو بأيدي القوات الإسرائيلية, ومنع اقامة سيادة فلسطينية على الضفة الغربية.
ويرى بنيامين نتنياهو في الحكم الذاتي للفلسطينيين بأنه لا يعني دولة "إنه نوع من نظام حكم داخلي يسمح لأقلية قومية أو دينية بإدارة شئونها تحت سيادة شعب آخر, وهنا يتوجب القول بأن هذه الأقلية القومية التي يتحدث عنها نتنياهو ستصبح أغلبية بعد سنوات قليلة عام 2020م حسب الاحصائيات الإسرائيلية, فهل ستحكم الأقلية اليهودية في هذه الحالة الأكثرية العربية؟ كما كان يجري في النظام العنصري البائد في جنوب أفريقيا والذي ذهب دون رجعه.
وبناء على ما تقدم يتبين أنه ليس هناك أدل على وصف سياسة نتنياهو مقارنة بسياسة حزب العمل سوى قول البروفيسور الفلسطيني ادوارد سعيد "إن سياسات نتنياهو ليست سوى امتداد متحجر وقح لسياسات حزب العمل تجاه الفلسطينيين, التي تقوم على المواقف نفسها, ضمنياً أحياناً وصراحة أحياناً أخرى".

*كاتب وباحث بالدراسات السياسية

اخر الأخبار