«خناقات» على «حكايات التراث» و«البخارى».. وكتاب الله تحوّل إلى «ديكور» فى البيوت.. ( 1 )

تابعنا على:   16:54 2015-04-21

حال المسلمين اليوم لا يختلف كثيراً عن التلميذ «البليد» الذى يهرب من المذاكرة فى الكتاب المقرر ويفضل عليه الكتاب الخارجى، وبعد حين يركن الكتابين على أقرب «رف»، ويلجأ إلى «مدرس خصوصى».

هجر المسلمون القرآن، وعزفوا عن تلقى الإسلام من الكتاب الذى أنزله الله تعالى على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتكاسلوا عن إجهاد أنفسهم فى فهم واستيعاب الكتاب المقرر على كل مسلم، الكتاب الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وغرقوا فى قراءة الكتب الخارجية، أو بتعبير أدق: «كتب التراث»، وهى كتب تحمل اجتهادات بشرية تصيب أحياناً وتخطئ فى أحيان، تلتزم بالكتاب المقرر فى أحوال، وتخرج عنه فى أحوال أخرى، يحتشد بداخلها روايات وحكايات تستقيم تارة مع «المقرر» وتتعاكس معه تارة أخرى، وليت المسلم يصبر على قراءة هذه الكتب الخارجية وإعمال عقله فيما تحتويه من أفكار وأحداث وأقوال ليقيسها على القرآن الكريم، فيقبل ما يتفق ويرفض ما يتناقض مع آيات الذكر الحكيم، إنه فى أغلب الأحوال يتراخى، أو لا يستطيع، بسبب الأمية التى تقف حائلاً بينه وبين القراءة، فيستسهل اللجوء إلى الدروس الخصوصية.

 والقائمون بالتدريس فى هذه الأحوال هم «الدعاة»، ومنهم الكفء الذى يجيد إفهام المسلم الكتاب المقرر عليه (القرآن الكريم)، ولكن يوجد بينهم أيضاً من هو محدود الكفاءة الذى ينقل مفاهيم خاطئة أو مغلوطة، فيكون «وساطة خطأ» بين المستمع والنص الإلهى الذى أرسله الله لكل مسلم، ولم يرسله إلى الدعاة خصيصاً!. أغلب المسلمين اليوم تركوا كتاب الله ولجأوا إلى المدرسين الخصوصيين المعروفين بـ«الدعاة». قد تسأل عن دور الأزهر؟.

وأظنك تعرف الإجابة، لقد شاخت المؤسسة العريقة، وأصبحت عاجزة عن أداء دورها الذى كانت تضطلع به فيما سبق فى توعية المصريين بالدين، وبناء مفاهيم صحيحة حوله، فامتلأت الساحة بالدعاة غير المتخصصين فى الأغلب، ناهيك عن الأدعياء. كان الحل سهلاً جداً لو بذل «الأزهر» جهداً فى دفع الناس إلى العودة من جديد إلى قرآنهم، لكن ذلك لم يحدث.

ذلك جوهر العلة ومركز أزمة المسلمين الذين قدم أغلبهم استقالة جماعية من التفكير، وسلموا عقولهم للكتب الخارجية «التراثية»، أو للدعاة الذين يقومون فى حياتهم مقام المدرس الخصوصى فى حياة التلميذ «البليد»، وهجروا القرآن الكريم، الكتاب المقرر عليهم. يقول الله تعالى: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» (الفرقان 30).

تلك كانت صيحة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشكو فيها قومه الذين هجروا القرآن الكريم وضربوا صفحاً عن الاهتداء بهديه إلى ربه سبحانه وتعالى. الصيحة ما زالت تدوى على اختلاف الزمان والمكان، وليتها تصل إلى آذان المصريين الذين لا يخلو موقع فى حياتهم من مصحف «مهجور» يندر أن يقترب منه أحد ليقرأ فيه، ويحاول أن يفهم منه دينه على النحو الصحيح، ليت الصيحة تصل إلى آذان المصريين الذين لا يستمعون لإذاعة، كما يستمعون إلى إذاعة القرآن الكريم، التى تبث الآيات الكريمة آناء الليل وأطراف النهار، لكنهم يستمعون دون أن ينصتوا «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (الأعراف 204)، أو يجهدوا عقلهم فى الفهم «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (محمد 24)، لأن هناك الكتاب الخارجى «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا» (النساء 82)، والمدرس الخصوصى «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا» (الأحزاب 67). كثيرون تركوا القرآن الكريم، وطرقوا أبواباً أخرى يتلقون منها إسلامهم فاختلفوا حتى التطاحن.

هذا الملف يفحص المآسى التى تعرضت لها الأمة والأمراض التى اعتلّت بها، حين ابتعدت عن القرآن الكريم، وحين ركنت إلى كل من هب ودب ليكون وسيطاً بينها وبين القرآن، إنه سباحة فى الكتاب المبين، وانتصار للكتاب الكريم المنزل من لدن حكيم خبير، دعوة للعودة إلى الأصل الذى يتفق عليه كل المسلمين. وليس عليك لكى تعرف قيمة هذا الملف سوى أن تقرأ الحديث الذى ورد فى «صحيح الترمذى» وفيه: «حدثنا عبد بن حميد حدثنا حسين بن على الجعفى، قال: سمعت حمزة الزيات عن أبى المختار الطائى عن ابن أخى الحارث الأعور عن الحارث، قال: مررت فى المسجد فإذا الناس يخوضون فى الأحاديث فدخلت على علىّ فقلت: يا أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد خاضوا فى الأحاديث؟.

قال: وقد فعلوها؟. قلت: نعم، قال: أما إنى قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى فى غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذى لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضى عجائبه، هو الذى لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدى إلى الرشد فآمنا به، من قال به صدق ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِى إلى صراط مستقيم».

 

الوطن المصرية

اخر الأخبار