اللاجئين وحق العودة بين الواقع وفرضيات الحل

تابعنا على:   14:54 2015-05-14

ا. علاء محمد منصور

شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين الوجه الحقيقي للصراع العربي الإسرائيلي, فهي قضية أولئك الفلسطينيين الذين يشكلون حوالي نصف الشعب الفلسطيني, وهم الذين شردوا من ديارهم عام 1948م وعاشوا في مخيمات اللجوء داخل فلسطين( لجوء داخلي) أو في الدول العربية المجاورة ( لجوء خارجي ) كما هو حال مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا, وإبان حرب حزيران عام 1967م زادت أعداد هؤلاء المهجرين عن ديارهم بنزوح آلاف الفلسطينيين عن بيوتهم الى الدول العربية المجاورة.
لقد أكدت الأمم المتحدة مطالبتها إسرائيل بتنفيذ القرار (194) الصادر بتاريخ 11 كانون أول/ ديسمبر 1948م, واشترطت قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة بتنفيذ هذا القرار, ولكن إسرائيل لم تلتزم بشروط قبولها في عضوية الأمم المتحدة وأعاقت عملية عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم, وتذرعت إسرائيل بمسألة الأمن والصعوبات الاقتصادية, ومسئولية العرب عن الحرب ونتائجها, وعدم اعترافهم بدولة إسرائيل وسعيهم لتقويضها وعدم استعدادهم لعقد معاهدة صلح معها.
ومنذ مؤتمر مدريد 1991م وانطلاق مفاوضات عملية السلام ترفض إسرائيل طرح موضوع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين على مائدة المفاوضات, فالفلسطينيين حين يطالبون بحق العودة والتعويض لا يخترعون بدعة أو يطلبون تنازلاً, وإنما يقيمون مطالبتهم على أساس قرار اتخذته الأمم المتحدة ولا تزال تتمسك به, وهو حق كفلته الشرعية الدولية عبر قرار رقم 194 "والذي يقضي بوجوب السماح للاجئين بالعودة الى ديارهم ودفع التعويضات لمن يختارون عدم العودة, وأن تتم التعويضات عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالممتلكات التي يعوض عنها, طبقاً لمبادئ القانون الدولي", وبالمقابل يقف قانون حق العودة لليهود على رأس القوانين الأساسية الإسرائيلية, وهو قانون صدر في إسرائيل عام 1950 يمنح أي يهودي في العالم حق الهجرة الى فلسطين المحتلة, وأن يصبح مواطناً اسرائيليا فور وصوله, والأسباب التي تسوغها إسرائيل لرفض هذا الحق تتعلق بالأمن وما تشكله عودة اللاجئين من خطر على الطابع الديمغرافي لما يُطلقون عليه دولة الشعب اليهودي(اسرائيل).
ومواقف إسرائيل بشأن هذه القضية تنطلق من هواجس تشكل امتداداً لرؤيتها الأمنية, ولذلك تطلق هذه الفزاعة, وقتما يرغب ساستها في التملص مما يترتب عليهم من استحقاقات, فإسرائيل تتجنب الخوض في هذه المسألة وتكتفي برفضها من حيث المبدأ, ورفض الاعتراف بالمسئولية عن نشوئها, وحين تعوزها المبررات تتقدم باقتراحات تعجيزية أو شكلية هدفها افشال المفاوضات حول قضية اللاجئين.
لقد أوضحت إسرائيل موقفها الرافض لكافة المشاريع السياسية الدولية التي طالبت بحل قضية اللاجئين عبر تمكينهم بالعودة الى ديارهم, وكان من نتائج الرفض الإسرائيلي صدور قرار الأمم المتحدة رقم (302) لعام 1949م الخاص بإنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا) لتقديم المساعدات للاجئين, وكانت إسرائيل قد قبلت بهذا القرار لأنه يعمل على توطين اللاجئين في البلاد العربية, كما حملت الدول العربية مسئولية استمرار المشكلة, بسبب اصراراهم على مبدأ العودة, ورفضهم توطين اللاجئين, ويحمل بنيامين نتنياهو الدول العربية مسئولية وجود مشكلة اللاجئين وبالتالي مسئوليتها عن إيجاد الحل, فيقول في كتابه (مكان تحت الشمس) "يجب عدم التنازل عن ضرورة مساهمة الدول العربية في توطين اللاجئين: الدول العربية هي التي خلقت مشكلة اللاجئين منذ البداية, وهي المسؤولة أيضاً عن عدم حلها حتى اليوم, وإن اشتراك هذه الدول في توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم الحالية, يعتبر اختباراً لالتزاماتها بإنهاء النزاع مع إسرائيل".
لقد طالبت إسرائيل بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية وربط قضيتهم بقضية اليهود الذين تركوا الدول العربية وهاجروا الى إسرائيل, وفي ذلك يقول شمعون بيرس "لا يوجد شعب في العالم كاليهود يعرف المعاناة الشخصية والعائلية والقومية, فنحن أمة من اللاجئين,.., وأن سبب مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يرجع الى العرب الذين أخذوا يدعون السكان للخروج من فلسطين" ,وبهذا نجد أنه إذا كان ما حل بالشعب اليهودي على يد النازية الالمانية جريمة, فإن هناك جريمة إسرائيلية لا تقل شدة بطرد شعب كامل من أرضه وتشريده في أصقاع الأرض.
وفي عام 1989م اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق رابين حلاً لمشكلة اللاجئين يكون خارج المناطق المحتلة عن طريق مؤتمر دولي يبحث عن حل مناسب لمشكلتهم بالارتباط مع مشكلة اللاجئين اليهود, ويرى الإسرائيليون أنهم غير مسئولين عن قضية اللاجئين, وأن الدول العربية هي التي أتت بالكارثة على الفلسطينيين وبالتالي عليهم تحمل مسئوليتهم بهذا الخصوص, وأن الموقف الإسرائيلي المتشدد من قضيتي الحدود واللاجئين, يأتي من منطلق الحفاظ الاستراتيجي على معادلة ديمغرافية, وهذه المعادلة الإسرائيلية لا تعمل على تغيير الواقع القائم ديمغرافياً فحسب, بل تعمل على إرساء أسس لحل بعيد المدى يحقق الإسرائيليون من خلاله حل القضية الديمغرافية لصالح استراتيجية إسرائيل الأمنية.
فقد شكل الموقف الأمني لإسرائيل من قضية اللاجئين عقبة أساسية في وجه نجاح قمة كامب ديفيد عام 2000م, حيث قدمت إسرائيل مقترحات رمزية لحل المشكلة بموافقتها على إعادة بضعة آلاف من العائلات الفلسطينية من لبنان, حسب نظام جمع شمل العائلات خلال 15 سنة, وأن يتم تشكيل صندوق دولي لأجل تعويض اللاجئين, وتوطينهم في أماكن إقامتهم, مقابل أن يضاف بند "وضع حد للصراع" أي انهائه والذي بدوره يغلق باب حق العودة, ويجنب إسرائيل أي مطلب مستقبلي حول قضايا الوضع الدائم, ويزيل أية مسئولية لإسرائيل عن تهجير الفلسطينيين, وكان من الصعب على القيادة الفلسطينية الموافقة على شرط باراك بالتوقيع على إنهاء الصراع والتنازل عن المطالب المتبادلة مقابل تنازلات رمزية وليست جوهرية من قبل إسرائيل.
وفي محادثات طابا / يناير2001م والتي اعتمدت أساساً على مقترحات كلينتون في محادثات كامب ديفيد 2000م, حين جرى التعاطي مع حق العودة على أنه حق فردي وليس جماعي, وبإمكان كل لاجئ فلسطيني اختيار محل إقامة جديد من بين عدة بدائل هي (فلسطين, أو محل الاقامة الحالي, أو بلد ثالث, أو إسرائيل), واجمالي عدد من تقبل بعودتهم إسرائيل هو عشرة آلاف سنوياً خاضعة تلك الأسماء للقرعة خلال سنة, ولإسرائيل حق الفيتو على من ينطبق عليه حق العودة وفقاً لاعتباراتها, وبالمقابل يلقى اختيار اللاجئ الفلسطيني لمحل الإقامة غير إسرائيل كفلسطين أو بلد ثالث (دول في أوروبا وأمريكا الجنوبية ) قبول وموافقة فورية وعدة مكافئات عينية تشجيعية, من قبيل حصولهم على منزل ومبلغ من المال في حساب مصرفي.
وبناءً على ما سبق نجد أن تعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي المختلفة الجوانب, ألقت بظلالها على صعوبة إيجاد حل لقضية اللاجئين, لكن محادثات طابا عام 2001م تحمل في طياتها ملامح لحل يبدو عملياً أكثر منه عادلاً, ولعل مواقف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة, فيما لو أعطوا حقهم بالاختيار بين العودة أو التعويض فنسبة عالية منهم ستختار العودة, نظراً لارتباطهم اللصيق بالأرض أولاً, ولِحَملهم معاناة الإحتلال وإجراءاته المعيشية ثانياً, لكن مع تَعثر إمكانية العودة وصعوبة بناء حياة جديدة ستختار نسبة أخرى ليست بالقليلة إمكانية البقاء محل إقامتهم الحالية مقابل التعويض.
فبعد مرور67 عاماً على تهجير الفلسطينيين من ديارهم, هناك العديد من فلسطينيي الشتات ممن يفضلون البقاء في محل إقامتهم على العودة الى فلسطين, خاصة أولئك الذين يقطنون دول مثل أميركا وأوروبا والخليج العربي, وحتى اللاجئ الفلسطيني الذي يعيش حياة البؤس والشقاء في مخيمات اللجوء في لبنان والأردن وسوريا لو أُعطي حق المواطنة الكاملة في تلك البلدان مع تعويضهم عن ممتلكاتهم التي خسروها فلا شك أن نسبة غير قليلة ستقبل بذلك, ويبقى هناك أعداد أخرى من فلسطينيي الشتات ممن يفضلون اختيار العودة الى فلسطين الانتداب (إسرائيل, الضفة الغربية وقطاع غزة), ومع ضآلة تلك الأعداد نسبياً لاجمالي فلسطينيي الشتات تبقى هواجس إسرائيل الأمنية مُسيطرة على أية حلول من شأنها دفع عملية السلام نحو حل يرضي الأطراف المعنية وخاصة الفلسطينيين.
فهناك قلق أمني ديمغرافي إسرائيلي من موضوع عودة اللاجئين, والذي أدى بدوره الى تشدد إسرائيل في موقفها من قضية اللاجئين لاعتباراتها الأمنية الديمغرافية, الأمر الذي ساهم فعلياً وعملياً في اطالة أمد الصراع, وجعل الساعين الى الحل يَلهثون نَحوه عبثاً, وأية اتفاقيات أو معاهدات سلام لا تتناول وضع حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين, لن تؤدي الى انهاء الصراع العربي الإسرائيلي, وبالتالي لن تكون هناك حالة من السلام الشامل في المنطقة العربية في ضوء تواصل قضية اللاجئين الفلسطينيين وتفاقم معاناتهم في مخيمات اللجوء بالوطن والشتات رغم مرور 67 عاما على النكبة.
فتسوية قضايا الوضع النهائي لا سيما قضية اللاجئين الفلسطينيين وتوازن الحل فيها يقتضي إجراء مفاوضات لا على حقوق الشعب الفلسطيني التي تضمنتها قرارات الشرعية الدولية, وإنما لبحث آليات تنفيذ تلك الحقوق والقرارات دون وضع عصا الأمن الديمغرافي الإسرائيلي في دواليب عملية السلام ليتم تشكيل أساسيات الحل السياسي الدائم, فالفلسطينيون يريدون فعلاً تحقيق السلام ولكن سلاماً يكون قريباً من العدالة وليس سلاماً يُملي فيه الطرف القوي شروطه واعتباراته الأمنية على الطرف الضعيف.



اخر الأخبار