صلاح محاميد ثكنةٌ لا تستكين! (عمر حَمَّش)

تابعنا على:   13:51 2015-07-27

"ثكنة!"

وما بالك تصفُ شاعرًا فاتنا، وتشكيليا موهوبا بكل هذا الوصفِ الحربي .. فيغدو الشعرُ لديك أسلحة فتك .. وريشةُ الفنّانِ قنبلة .. وكأنك بمزاجِك اللعين تصبغُ سماءً زرقاءِ بدخانٍ عَدْواك ..

ويا لك من عصبيّ، تلوي أعناق الكلام، شعرا كان، أو كان رسما، لتعيدَ تصفيفه مُستجيبا لنزعتك العنيفة ...

وبما أنك اثنان ... دوما اثنان، أو ربما أكثر، لن يتوقف نزاعك مع ساكنيك، ولن تتوقفَ ثغثغتُك أبدَ خطوك، سيطول النقاش .. وتعود تثيب، وتقسمُ أنَّ صلاح محاميد ثكنة!

الرجلُ " الهارب" من مدنِ الرملِ المسكونة بالصراخِ، وبالخُطب، إلى مدن تحترمُ العقل، وتستفزُ غياهبَ الشعور، ذياك "الهاربُ" المتهرّبُ هناك .. في كوخٍ على حافةِ نهرٍ ... يستجير .. هناك في ريف إيطاليا .. ابن أم الفحم، خريج ثانوية حيفا، الذي كان قد رحل، لم تطوِه أضواءُ الغرب، ولمْ يسرقْه الضجيج، بل شريانُه أفلتَ شاعرَه، فقام ملبيّا، وروحُ أصابعه أطلق الفنان التشكيليَّ؛ فقام مغردًا، هناك بعيدا عن حيفا، والمثلثِ، والجليل، وحيدا في غربةٍ تخيّرها، وحيدا، يبتدعُ من وحدته ثكنتَه الجميلة المقاتلة!

الرجلُ الطبيبُ، الشاعرُ، الناقدُ، الرسّامُ، المفكّرُ، والمترجمُ، كلُّ هؤلاءِ جنودُ روحِه الموهوب، وبكلِّ هذا صار صلاح محاميد ثكنةً فلسطينية مُوجِعة!

ولأن الحرب مطحنةٌ تهدُرُ، وبين روايتين تدور، همْ يشدّون، ونحنُ نشدُّ، هم يعبرون العقولَ الممسوحةِ، ونحنُ نعبرُ، نتقاتلُ هناك ... داخل وعيّ خلق الله، روايتُنا الصادقةُ، وروايتُهم الماجنة، هناك في الغرب الذي أنشأ دولةً على أطلالنا، لهذا كان لثكنةِ صلاح محاميد .. قيمتها!

هو يُغَنينا هناك ... شعرا، ورسما، ومقالةً، وترجمةً ..

هو صوتنا العالي في أرض إيطاليا.

يقيمُ الندوات، وينشيء المؤسسات، ويعقدُ لأغاني الجليل الساحات!

رأيتُه يقرأ الشعر باللغتين، العربيّة والإيطالية، ورأيت وجوه الجمهور فيه محدّقة!

ورأيته مقنعا، آخذا بتلابيبهم، متفاعلا من غير عويل، فقطفتُ شهدَ المشهدِ، وأثناءَ القطاف زينت شفتيّ ابتسامتي الساخرة، من أولئك المدججين بالسلاح في بلادِنا، يقتلوننا صبحا، ومساء!

ويا لبهجتي وأنا أقرأ كتاب

" إسلامي" لصديقي صلاح، وهذا الذي تسنّت لي قراءته، وهو الغزير الإنتاج " إسلامي" كتبه بالإيطالية، قبل أن يطبعَ مرتين بالعربيّة، فيه يخاطب الغرب مدافعا عن شرقيتِنا، وتراثِنا، ويصوغ فهما جديدا صحيحا للإسلام، ويرسي فيه قواعدنا للتفاعل الحضاري، الإنساني، بأسلوب عذب، غير متزمت، مريحٍ للمتلقي، يخلط فيه أدواتِه المتعددة، من شعر،ٍ وقصةٍ، ومقالة، وفنٍ تناولٍ صحفيّ، رأيتُه يخاطبُ العقل الإنسانيّ .. ويعبرُ تلك الملكة الشعورية الموجودة لدى كل البشر، متنقلاً في قفزاتٍ مبهرة، مقطّعا الزمان، والمكان، من غير أن يفقد بوصلة الفكرة الواحدة .. وهي أنّ أصل الناس واحد، وأنَّ المسلمين أيضا بشر .. يستحقون الحياة!

يقولُ الإيطالي باولو لاغاتسي:

"عزيزي صلاح لقد قرأت كنابك "إسلامي" مثمناً فيه الحميمية الإنسانية وشكل كيانك كمسلم. تنجح في الربط بين مشاعر دينية عميقة مع ما يضاهيه من احترام عميق للقيم الديموقراطية الكونية، التَسامح وقبول الآخر والحوار. فقط من خلال مقارنة سلمية بين الثقافات، الديانات والأفكار المختلفة من الممكن التطور والتحرر من الأطياف المستمرة بالعبثية للحرب والعنف، وأنت تدرك هذا وتثبته في كل صفحة من كتابك. إنَّ نظرتك الصافية والكريمة حول الواقع هي نظرة الطبيب، بمعنى ذاك الإنسان الذي كرّس حياته لعلاج الآخرين وهي في ذات الوقت نظرة الشاعر، بمعنى ذلك الإنسان الذي يعرف الجمال ، أسرار الغموض والقيم المقدسة، المُطلقة عالمياً"

إلى أن يقول أيضا:

" لهذه الأسباب أؤمن أن بعض الصفحات من "إسلامي" يجب ان تُدرس وتُناقَش للإفادة في المدارس الإيطالية والأجنبية.

بتقدير وصداقة باولو لاغاتسي ناقد في الأدب، كاتب ومستشار في الأكاديمية العالمية للشعر قي فيرونا ميلانو 04 أيّار 2015"

أمّا "ميلينا ميلاني"

فقد كانت قد كتبت في

تقديم الطبعة الأولى لديوانه "حجارة من القدس"

صلاح محاميد شاعر المحبة والاهتمامات الحضارية.

لمأساة وطنه البعيد, فلسطين, يختار تعابير قوية وواضحة, اتهامات تترك آثارها. الروح هي إحدى مواضيعه. الروح المخنوقة والثائرة، والتي يتوجب البحث عنها في دهاليز القلب حيث نجدها مختبئة، ومرتبكة.

مناظر الطبيعة, جبال الدولوميت, المواسم المتعاقبة, تقلبات السماء هي الملاذ الممكن.

يُسجل صلاح ما تشاهده عيناه, وإبداعه يتبلور من أصغر الأحداث. ينسجم بشكل طردي في حيثيات الحياة المحيطة. لا تظهر على الشاعر أحاسيس الغربة وليس منغلقا في حيثيات الواقع المرير. إنه يشارك. ينضم. يُعبر. يحب. يتألم. يفرح. غير أنه يفاجئنا بحقائق مُره, بذكريات غير قابله للنسيان, لماض قريب جدا في ثقله المُضجر والمميت.

حينها تجد صلاح محاميد آخذاً حجارة طفولته, يفاعه. يرشُقها في وجه الزيف, يصيب بها دياميس المخططات السياسية, البؤس , والرضوخ. صوته أتهام ويتوجب علينا التدقيق به. وفوق كل شئ لا تنقصه النسمة الشعرية, ذاك الغناء الديني للذي يدعو للصلاة . من مآذن المساجد لكم هذه النداءات. لقد رتبها صلاح محاميد في ديوان ونحن نستقبلها.

ميلينا ميلاني

كورتينا دي أمبيتسو الأربعاء عشرون نيسان 1994

---

هذا هو صديقي صلاح محاميد

ولو ....

لو كلّ فلسطيني، أو عربيٍّ "هاربٍ" من رملِ مدننا، التي هَوَت منذ دهرٍ في الخُطب؛ كان مثل الدكتور صلاح محاميد ..

ثكنةً عاقلة

.. لو ...

اخر الأخبار