حلّ الدولتين وحلّ السلطة في مأزقهما الراهن

تابعنا على:   10:03 2015-12-22

ماجد الشيخ

في أعقاب فشل مساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري، للتقريب بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أخيراً، نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية خبراً قالت فيه: إن المجلس الوزاري المصغر الإسرائيلي، درس بجدية مجموعة من السيناريوات في شأن احتمال قيام السلطة الفلسطينية بحلّ نفسها! وأشارت نقلاً عن مسؤولين شاركوا في الاجتماعات التي عقدت، الى أن «وزراء إسرائيليين يعتقدون أن انهيار السلطة الفلسطينية قد يأتي لمصلحة إسرائيل، وبالتالي لا حاجة الى تدخل إسرائيلي لمنع حدوث مثل هذا السيناريو». في حين أن المستوى العسكري والأمني كان موقفه مغايراً للموقف السياسي، حيث أعرب عن قلقه البالغ من إمكان انهيار السلطة الفلسطينية، الذي قد تكون له تبعات وتداعيات أمنية خطيرة.

في هذا الخضم، يبدو أن الحلول المغيبة، من قبيل «حل الدولتين»، أو على الضد منه، الاستمرار في حل الدولة الواحدة أو الدولة الثنائية القومية، واستمرار التهديد بحل السلطة الفلسطينية، هذه الحلول هي قرينة غياب الإرادات المعنية لدى الطرفين، في ظل تردّي الأداء غير الحاسم الذي يحيط الوضع الوطني الفلسطيني من جانب، وحسابات قوى اليمين المتطرف في إسرائيل، وانحيازها التام والمطلق الى المنطلقات الأيديولوجية للمشروع الصهيوني، ومترستها خلف حلمها الدائم من أجل تحويل ما تسميها «أرض إسرائيل الكاملة» إلى «دولة يهودية» من دون مشاركة أي مكون ثنائي أو قومي في بنى هذه الدولة. لكن الوجود الباقي لبعض الفلسطينيين واستمرارهم بالعيش في وطنهم في مناطق الجليل والمثلث والنقب والقدس، حالا وما زالا يحولان دون «نقاء الدولة اليهودية»، أو تحقيق وجودها كما في حلم الآباء الأوائل المؤسسين، كـ «أرض للميعاد» ذات طابع توراتي، أو كـ «أرض لشعب بلا أرض» على حساب شعب فلسطين وأرضه التاريخية.

ولهذا، يستمر المأزق الراهن الفلسطيني – الإسرائيلي، عند حدود المراوحة بين «حل الدولتين» أو «حل السلطة» وتفكيكها، وكلاهما مر للجانبين: الجانب الفلسطيني الساعي إلى تأمين «حل الدولتين» على حساب حل الدولة الواحدة أو الدولة الثنائية القومية، عبر مفاوضات عبثية مغدورة، لم تنتج طوال أكثر من عشرين عاماً، سوى هذا الشكل الهجين من الحلول الموقتة (اتفاقات أوسلو)، التي لم تجلب في المقابل، سوى هذا الشكل من «السلام القهري»، بما كانت تتخلّله بين الحين والآخر العديد من الهبات والانتفاضات والعمليات المسلّحة والحروب المتنقلة، على رغم ما كان يشوبها من هدوء أو هدن، لكن من دون تراجع في مظاهر ومسلكيات ومشاعر العداء بين الطرفين.

أما الجانب الإسرائيلي الذي بات يخشى عملياً حل السلطة الفلسطينية، فهو لا يريد المغامرة بالإقدام على تطبيق «حل الدولتين» تفاوضياً، خشية إعادة ترتيب ما انتزعته اتفاقات أوسلو من مسؤوليات جسام، أزيحت من على كاهل الاحتلال، وجُيِّرت لمصلحة الطرف الفلسطيني، المثقل بأعباء لا مثيل لها، في ظل وضع غير مسبوق، في علاقات قوة احتلال استيطاني، وشعب احتُلَّت أرضه بالقوة.

وفي الوقت ذاته، يرفض الإسرائيليون حلّ الدولة الواحدة، كما يرفضون العيش في ظل دولة ثنائية القومية. وهم في كل الأحوال لا يريدون أي حل، إذ يبدو أن هذا الوضع يناسبهم ولا يناسبهم في الوقت نفسه. على عكس الطرف الفلسطيني، الذي بات يناسبه استمرار السلطة، على رغم تهديداته المتواصلة بحلّها أو بوقف التنسيق الأمني، من دون أن يتحقق ذلك جدياً، وذلك على خلفية أنه لا يريد في أي شكل من الأشكال، أن يخسر امتيازاته التي مُنحت لمجموعات من الموظفين، وبعض النخب السياسية والأمنية المستفيدة، من بقاء المهام الوظيفية للسلطة.

بين «حل الدولتين» الذي شكّل ويشكّل قلقاً كبيراً لليمين الإسرائيلي المتطرف، وقواعده الأكثر تطرفاً من المستوطنين، وبين دعاة «حل السلطة» وتفكيكها، من الرسميين في الائتلاف الحكومي، كخطوة للمقامرة بالتخلّي عن الكثير من الوشائج، التي جلبت الراحة للاحتلال، وأفادت نخباً وفئات بين الفلسطينيين. بين هذين «الحلين»، يكمن عمق الشعور الطاغي بالظلم لدى الفلسطينيين، ومدى الارتياح الذي يستشعره الاحتلال وأدواته وكل المستفيدين منه، حيث يستمر المأزق الراهن في سلب المشروع الوطني الفلسطيني العديد من ثوابته، وتثبيت تراجعات أكثر من تكتيكية، بينما يستمر المشروع الصهيوني في تحقيق أحلامه التوسعية، أو بما تحقق له حتى الآن، في كسب مزيد من الأرض وبناء المستوطنات عليها، وتثبيت أقدام المستعمرين الصهاينة فوق أرض ليست أرضهم.

وطالما استمرت حكومات الاحتلال في تفضيل «إدارة الصراع»، بدل التوجّه نحو إيجاد حلول تفاوضية له، فسيبقى «حل الدولتين» يتقلب في مهب الريح، بينما تدور تهديدات «حل السلطة» في الفراغ، مجرد فزاعة ليس إلا.

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار