أزمنة (عمر حَمَّش)

تابعنا على:   17:07 2016-08-26

وقد أصنّفُ معارفي بانتمائهم لأزمانِهم، فزمنَ "الثلجة" سبقني، وتبعني زمنُ حالِف، وقد توسطهما أنا، في زمنِ الحلمِ ..

زمن الحلم هذا مصطلح قلبي أنا، لا فضل لغير قلبي فيه، وما لحق جعلني مع قلبي ضدين، هو ثابت، وأنا لائمه، المحتار فيه ..

أمّا زمنُ الثلجة؛ فقد انتسب لتلك العاصفة الثلجية التي أتت خيامنا مباشرة بعد الهروب الأوّل، فاقتلعتها، ومزقتها شر ممزق، وتركت اللاجئين في العراء المزمجر مكفهرين واجمين ..

ذاك زمنٌ، في بلدٍ لم تعرف الثلج يوما، فحرُ غزة أقوى من بردِها، وخريفها أجملُ من ربيعِها ..

وإذا ما سألتَ عن زمني أنا، فذياك حلمي الجريء الذي لم يزل معلّقا على ذبذباتٍ خجْلى في الأثير، لا تدري كيف تداري كسوفها .. زمنُ ذاكرة يزورني، ويعايدني كمريض كابدته رغبةُ الشفاء ..

أمّا زمنُ حالف، فيعودُ لحلف اليمين، فحالف اسم الفاعل، والمفعول هنا المأكول، والأمرُ متعلّق بالفلفل الأحمر الحار، المخروط مع الملح الثقيل، وأيضا بالقمح الذي تحمص في الأكواخ، ثمّ طُحِن طحنا، حتى تنعّم، ليرشَّ في الخبز، وقد تسمى في المخيم " دُقّة" ستلوّن الفلفل بلونها البنيّ، وتعبأ في نصف رغيف، يستلقي بين كُتب كيس خيشٍ، أسموه شنطة ..

لم يدرِ أحدٌ متى حلف رفيقه، أو حتى إذا ما كان حلف أصلا، لكن كلمة " حالف" كانت على كل حالٍ تقال ببرود وتلقائية من حاملِ الخبزِ المُطالَب، وتستقبلُ باحترامٍ من السائلِ الطالب كأنّه سمع اليمين المدوي عن بعدٍ بعيد ..

هكذا كان زمن حالف، في فسح المدرسة، تحت شجيرات الكينا التي زرعت حديثا في المدارس، لتنموَ على امتداد زمن الهجرة وتغدو جبالا ..

هو سؤالٌ يتردد، وهو جواب تلقائي ..

- حالف؟

- والله حالف.

ويجلس الحالف في الظلّ يمضغ الفلفل والدقة .. ويمضي السائل يتنقل بين الحالفين ..

اخر الأخبار