تونس: حكومة الأمل الأخير أم حكومة الانحراف الخطير

تابعنا على:   12:40 2016-08-27

مصطفى القلعي

تصف أحزاب الائتلاف التونسي الحاكم والموقعون على اتفاق قرطاج وجزء من الرأي العام التونسي حكومة يوسف الشاهد الجديدة بكونها حكومة وحدة وطنية، وبأنّها حكومة الأمل الأخير بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الخطير الذي وصلت إليه تونس، ولكن قراءة متأنية في هيكلة هذه الحكومة وفي تركيبتها يمكن أن تقود إلى استنتاج عكسي مفاده أنّها قد تكون حكومة الانحراف الخطير نحو أزمة قد تؤدي بالمسار التونسي برمّته إلى مهاوي المجهول.

تتكون حكومة الشاهد من 40 حقيبة مقسمة على 25 وزيرا و14 كاتب دولة ووزيرا مكلفا لدى رئيس الحكومة. وستكون الحكومة في حاجة إلى 109 أصوات حتى تنال الثقة التي تبدو محسومة باعتبار الحاضنة السياسية التي نشأت فيها، والتي تتكون أساسا من حزبيْ نداء تونس والنهضة ذوي الأغلبية النيابية، إضافة إلى حركة مشروع تونس وأحزاب صغيرة أخرى كآفاق تونس والحزب الجمهوري وحركة الشعب وحزب المبادرة الدستورية وحزب التحالف الديمقراطي.

سنناقش هيكلة هذه الحكومة وتركيبتها ومدى استجابتها لصفة الوحدة الوطنية التي تطلق عليها. وأول ما نلاحظه في هذا الصدد أنّ هيكلة حكومة الشاهد تتكوّن من وزراء وكتاب دولة. وهذه كانت هيكلة حكومة الحبيب الصيد الأولى قبل أن تتعدّل بعد أقلّ من سنة، ويتم حذف كتابات الدولة وتعويض بعضها بإدارات عامة والاستغناء عن بعضها الآخر. وكان يوسف الشاهد قد دخل حكومة الصيد في خطة كاتب دولة للصيد البحري أوّلا. ومن تبريرات الحبيب الصيد في حذف كتابات الدولة الضغط على المصاريف وتضييق الفريق الحكومي بحثا عن الجدوى والفاعلية. فلماذا تعاد كتابات الدولة وبهذا العدد الضخم والحال أنّ التجارب الحكومية السابقة أثبتت لا جدواها وأنّ المالية العمومية ازدادت غرقا؟

من الملاحظات البارزة أيضا في هيكلة حكومة الشاهد ضمّ وزارتي الصناعة والتجارة في حقيبة واحدة أسندت إلى وزير التكوين المهني والتشغيل في حكومتي الصيد والأمين العام لحركة النهضة زياد العذاري الذي سيسلم حقيبته إلى نهضوي آخر. وإسناد هذه الحقيبة المزدوجة غير مفهوم لعدّة أسباب منها أنّ العذاري لم يترك أثرا يذكر في وزارة التشغيل، بل كثيرا ما ردّد أنّ التشغيل ليس من مهام وزارته. كما اشتغل في حكومة الصيد التي أغلقت أبواب الانتداب في الوظيفة العمومية لمدة ثلاث سنوات، فما هي المؤهلات التي جعلت الشاهد يكلفه بحقيبة بهذه الأهمية لا سيما أن اختصاصه الدراسي لا علاقة له بالصناعة ولا بالتجارة؟

كما تم الجمع بين حقيبتين متباعدتي الاختصاص هما حقيبة الشؤون المحلية وحقيبة البيئة في حقيبة واحدة أسندت إلى نائب من حزب آفاق تونس أحد أحزاب الائتلاف الحاكم. وبالعودة إلى أولويات الشاهد التي أعلن عنها يوم تكليفه كانت النظافة والبيئة من بين النقاط الخمس التي طرحها، ولكنّ جمعها إلى الشؤون المحلية لا يخلو من تهميش لكليهما. فحقيبة الشؤون المحلية أمامها مهمة عظيمة تتمثل في إعداد الانتخابات المحلية والجهوية التي ستكرس أحد أهمّ فصول الدستور التونسي وهو اللامركزية. وإذا لم يكن بدّ من الجمع بين الحقائب، فإنّ الأجدى ضم البيئة للفلاحة أو للصناعة بسبب التقارب في الاختصاص لا للشؤون المحلية.

بالنسبة إلى تركيبة الحكومة احتفظ الشاهد بتسعة أسماء من حكومة الصيد هو عاشرهم بعضهم في حقائبهم نفسها كحقيبتي التربية والنقل والحقائب السيادية باستثناء العدل، وبعضهم تغيرت حقائبهم. واستغنى عن أسماء أخرى لها وزنها خاصة من حزب نداء تونس مثل وزير المالية ووزير الصحة ووزير الشؤون الاجتماعية. والملاحظة العامة أنّ 90 بالمئة من أعضاء حكومة الشاهد لا علاقة لهم بالحقائب التي وضعوا على رأسها، بينما يستمرّ خيار إسناد وزارة الشؤون الدينية لشخصيات متدينة تدينا تقليديا لا تخلو من شوائب التشدد والإعراض عن الدولة المدنية من خريجي كلية الشريعة وأئمة المساجد.

وتضم حكومة الشاهد أسماء كثيرة مرتبطة ارتباطا مباشرا بالتجمع الدستوري الذي أسقطته الثورة منها كاتب الدولة لدى وزير النقل وكاتب الدولة لدى وزير الصناعة والتجارة وكاتب الدولة لدى وزير الشؤون المحلية والبيئة. وكان الشاهد قد وصف حكومته بأنها لن تكون حكومة محاصصة وستكون حكومة سياسية، ولكن التحليل يثبت أنّها حكومة محاصصة بامتياز. فهي المبرر الوحيد لكون أكثر الوزراء وضعوا في غير اختصاصاتهم. كما أنّ المحاصصة وسمت الاختيار بالاعتباطية، فلا تبرير لاختيار هذه الأسماء دون غيرها لا سيما مع افتقادها للاختصاص والكفاءة والخبرة في ما اختيرت له.

ما لم يقله الشاهد أنّ حكومته هي تفعيل لقانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي طرحه رئيس الجمهورية وعارضه اتحاد الشغل وأسقطته المعارضة، ثم أعيد التلويح بعرضه من جديد على مجلس نواب الشعب. ويتجلى ذلك في الأسماء الكثيرة من النظام السابق التي حصلت على حقائب. وهذا دليل على بصمات رئيس الجمهورية في حكومة الشاهد وعلى أنّ الشاهد نفسه طيّع بين يدي الرئيس الباجي قائد السبسي وقد سبق له أن اختبره حين وضعه على رأس لجنة إعداد مؤتمر نداء تونس، ونجح في إبعاد كل خصوم نجله من الحزب ليفسح له المجال للقيادة وحده.

بقيت الآن مناقشة موضوع كونها حكومة سياسية. طبعا هي كذلك وهذا أمر بديهي بما أنها مكونة ومدعومة من أحزاب، ولكنها سياسية مفرغة من معنى السياسة حين نجد فيها وزيرا ينتمي إلى حزب فشل في الانتخابات ولم يحصّل مقعدا واحدا في البرلمان ووزيرين آخرين من حزبين لكل منهما نائب واحد أحدهما لم يشارك حزبه في المشاورات حول مبادرة حكومة الوحدة الوطنية أصلا ولم يمض على اتفاق قرطاج، ولكن النائب ظهر في وسائل الإعلام وأعلن أنه لو عرضت عليه حقيبة فسيقبلها. فحصل على ما يريد. وفي ذلك إخلال بأبسط أبجديات العمل السياسي اللائق. فلا رئيس الحكومة المكلف طلب استشارة حزب النائب ولا النائب فعل. أما الحزب المعني فصمت.

الحكومة منتفخة من حيث عدد الأحزاب المشاركة فيها بما يوهم بكونها حكومة قوية وحكومة وحدة وطنية حقيقية، ولكنها في الحقيقة فاقدة للتجانس وللإقناع وللجدوى وتغلب عليها الاعتباطية في الاختيار والمحاصصة والترضيات. وسيقضي أعضاؤها أشهرا في فهم وزارات لا يعرفون عنها شيئا. وسيكونون عرضة لأن تبتلعهم البيروقراطية والانتهازية الإدارية لا سيما أنّ أغلب الوزراء يفتقدون لأبسط تكوين إداري تقتضيه ضرورة تسيير الوزارات.

أما اتحاد الشغل فإنّه صار مدفوعا بجائزة نوبل للسلام التي كان رئيس الجمهورية قد رشحه ضمن الرباعي لنيلها، ولكنه أيضا يلاعب السبسي والغنوشي وهما يلاعبانه. فإذا نجحت الحكومة فهو فيها من خلال النقابيين المتقاعدين الاثنين اللذين تضمهما. وإن لم تنجح فإنّه لم يشارك فيها عمليا باعتباره لم يرشحهما. والشعب التونسي لن ينتظر أكثر.

عن العرب اللندنية

اخر الأخبار