ما الذي أرادت أن تقوله نابلس في جنازة أبو العز ؟!

تابعنا على:   23:10 2016-08-29

م . زهير الشاعر

في ظل الحديث عن مصالحات فتحاوية x فتحاوية وفلسطينية x فلسطينية ، ومنذ الأحداث المؤسفة الأخيرة التي مرت على مدينة نابلس وراح ضحيتها شابين من الأمن الوطني الفلسطيني ومن ثم شابين أخرين أعدما ميدانياً من قبل قوات الشرطة الفلسطينية بدون إثبات التهمة عليهما وبدون تحقيق ورمياً بالرصاص مباشرة، ومن ثم إغتيال الأسير المحرر من سجون الإحتلال أبو العز حلاوة بطريقة بشعة وغريبة على عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني ركلاً بالأقدام والضرب المبرح ومن خلال ممارسة العنف الجسدي المبالغ فيه جداً بطريقة إنتقامية بشعة وخروج فاجر عن ضوابط وقيم حقوق الإنسان ، مما جعل جميع أطياف أبناء الشعب الفلسطيني يستنكرون هذا السلوك الهمجي ويتعاطفون مع الضحية بشكل غير مسبوق أيضاً.

حيث خرج بالأمس عشرات الألاف من المواطنين خلال تشييع جثمان الراحل أبو العز إلى مثواه الأخير وسط صيحات غضب مدوية ضد السلطة الفلسطينية وقياداتها الأمنية والمطالبة بالقصاص ممن يتحملون مسؤولية إعدام أبو العز بهذه الطريقة البشعة.

من هنا لا بد من توضيح أنه في الأونة الأخيرة وقبل أن يتم إعدام أبو العز تحرك رجالات نابلس الوطنين الذين يحبون الوطن بالرغم من أن صدورهم مملوءة بالغضب من فساد رجالات السلطة وقمعهم لأبناء شعبهم ممن يظنون بأنهم يخالفونهم الرأي في أي سياق وتحت أي مسمى، وذلك من أجل حصر رقعة الغضب الشعبي وإحتوائها حرصاً من هؤلاء الرجال الأوفياء على أن لا يتحول هذا الغضب إلى فلتان أمني يكون مقدمة إلى فوضى أمنية عارمة وشاملة تهدد إستقرار الوطن ومقدراته لا بل تهدد وجود الإنسان الفلسطيني نفسه على أرضه، مما يعني أن هذا هو سلوك وطني نابع من الرجال الذين يتمتعون بالشعور بالمسؤولية، وبالتالي كان لابد من الإستماع إليهم وإحترام أرائهم حتى لو جاء ذلك متأخراً وبسبب صيحات غضب قوية إنطلقت من صدورهم في وجه المسؤول الأول عن الوطن.

لذلك لو تأملنا في ما حصل بالأمس خلال المشهد المهيب الذي رافق جنازة أبو العز وبعد ما تبعها خاصة بعدما تم تشويه سمعته وتحريك الألة الاعلامية المأجورة لتبرير تلك الجريمة البشعة التي راح ضحيتها، سنجد أنها حملت رسالة قوية ومدوية للقيادة الفلسطينية، مفادها بأن الدم الفلسطيني محرم على الفلسطيني، وأن العبث بأرواح ابناء البلد ومستقبل أبنائهم لن يستمر السكوت عليه طويلاً ، لا بل سيواجه بكل قوة ولن يعد هناك مجال لأن يسكت الشعب على هذا الإستهتار طويلاً!.

إن ما حصل بالأمس هو رسالة مدوية بالفعل مفادها أيضاً بأن روايات السلطة غالباً ما تكون روايات كاذبة للإلتفاف على مشاعر الناس الغاضبة وللتشويش على عقول البسطاء منهم لضمان وقوفهم إلى جانبهم وذلك بهدف الحفاظ على بقاء عناوين هذه المنظومة ومصالحهم ، ولكن يبدو أنه خاب ظنهم حيث أن وعي الشارع أصبح يسير بشكل طردي وفي تزايد لمعرف الحقيقة ، بالتالي أصبحت قيادات السلطة في الشارع بلا مصداقية ولا تتمتع بثقته، مما يعني أن هناك إستحقاقاً قادماً ستدلي به حناجر أبناء هذا الشارع لتقول كلمتها وتعاقب كل من تجرأ على كرامتهم أو تغول على حريتهم وتطلعاتهم سواء كان ذلك عاجلاً أم أجلاً!.

بغض النظر عن أن المشاورات حول لقاء موسكو سبقت هذه الأحداث وهذه الرسالة الوطنية من الشارع الفلسطيني ولكن المسارعة عن الإعلان عن موعد اللقاء بالتزامن مع الوضع المتوتر في الأراضي الفلسطيني والذي أفصحت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية نقلًا عن مصادر وصفتها بالمطلعة بأن لقاء بين الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سيعقد في العاصمة الروسية موسكو، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم، وسيكون تحت رعاية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين تأكيداً لكا داء في اللقاء الصحفي الذي عقد مؤخراً مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والذي أشار فيه إلى نية موسكو القيام بهذه الخطوة، مما يعني أن هناك تخوفاً حقيقياً من إنفلات الأمور داخل الأراضي الفلسطينية في وجه السلطة الفلسطينية بطريقة عنيفة يصعب السيطرة عليها وبالتالي تتوسع رقعتها مما يهدد وجودها بالمجمل!.

يبدو لي بأن كل ما يحصل الأن من مواجهة للأحداث والإعلان عن قمم هنا وهناك أو مؤتمر هنا أو هناك أو مبادرة مصالحة هنا أو هناك ما هي إلى محاولات مستميتة في سباق مع الزمن للتصبير قدر الإمكان لكسب المزيد من الوقت حتى الإنتهاء من الملف السوري من ناحية ومن ناحية أخرى الإنتهاء من الإنتخابات الأمريكية وإتضاح السياسة الخارجية الجديدة للإدارة الأمريكية الجديدة، لذلك يبدو بأن كل ما تسوقه القيادة الفلسطينية حول أي مبادرة جديدة بالتوافق مع الجانب الإسرائيلي لم يعد جذاباً ولم يعد يجد من يهتم به لأنه بات محل شك لدى الشارع الفلسطيني وفاقد للدعم والمساندة الشعبية لأنه في الأساس لم يعد يتمتع بثقته حيث أن الشارع بات يتطلع لأفعال حقيقية وتغيير حقيقي يلامس تطلعاته وتعطشه للحياة الأمنة!.

لذلك لربما كانت رسالة نابلس قوية بما فيه الكفاية عندما خرج أينائها بهذه الأعداد الكبيرة ليشاركوا في جنازة الراحل أبو العز الذي قتلته أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، ومن ثم حاولت أن تبث الشائعات وتكيل التهم له بعد أن تم إعدامه بطريقة بشعة وهمجية، لتبرر جريمتها البشعة هذه التي إرتكبتها بجنون وحقد وجهل، لتقول لم هذه الأعداد ، إياكم كسلطة أن تتجاوزوا القانون أو الإبتعاد أكثر من ذلك فيما تفعلون، لأنكم ببساطة لم تعودوا تمثلون أكثر من منظومتكم الأمنية القمعية، وبأن الشارع بدأ يتخلى عنكم بالفعل، مما خلق حالة من الذعر في صفوف القيادة الفلسطينية التي وجدت أن الإعلان عن هذا اللقاء بأي صيغة ومن خلال أي وسيلة هو إعطاء بصيص من الأمل بأن هناك حراك سياسي يتم إستغلاله لإحتواء الغضب الكامن في الصدور، ولكن يبدو بأن ذلك لم يعد مجدياً وبأن الوقت بات متأخراً وبأن الشارع قال كلمته في إستفتاء عام حول شرعية المنظومة الحاكمة بدأ في نابلس وهي أولى المدن الكبرى والمهمة التي تحدثت عنه بهذه القوة!، مما يعطي إشارة بأن الأيام القادمة حبلى بالكثير إن لم يكن هناك سلوك إيجابي ملموس، وأن الصورة ستتضح أكثر، وستتحدث عن نفسها بشكل أوضح، لتفصح نابلس عما كانت تريد أن تقوله للشعب الفلسطين في كل أماكن تواجدهم في مدن الوطن وخارجه من خلال هذه المشاركة الواسعة في جنازة الراحل أبو العز! ، التي تحمل معنى واحد وهو كفى للظلم وكفى للتغول وكفى للفساد!، فهل يعي هذه الرسالة المخربين الذين تناسوا بأنهم من أنباء فلسطين، من أبناء هذا الوطن الجريح، وباتوا يمارسون سلوكاً همجياً كالمجانين في سياق عنتريات جاهلة وغير وطنية؟!.

اخر الأخبار