مرفوض ( ناصر عطاالله)

تابعنا على:   22:01 2016-09-26

مرفوض

لا عليك أكثر من أن تكون لا شيء ، قشة تحت نعالهم ، ورقة صفراء أو عقب إنسان ، مرمي للنسيان ، وليس عليك سوى أن تحيا كما هم يريدون لك أن تحيا ، وفق مقاييسهم ، ومواصفاتهم ، لا يزيدون فيك وكلما استطاعوا أنقصوا من قدرك .

مرفوض

لا عليك أكثر من أن تنتظر اشياءً قد تحدث وهذا من النوادر ، إذا ما وصلت روحك الى باب حلقك ، فتحوا لك ثقباً في ممر نحيف ، وأنت فاقد الاحساس بكل جماليات التنقل ، غائباً عن الحياة مؤقتاً بحكم الأدوية والمسكنات ، قد تصرخ وعيناك تصطادان منظراً لجبل مشجر ، ولكنك لا تفهم معنى ما أنت فيه من شدة الألم ، واذا وصلت الى مستشفى نظيف ، شيّده من فتحوا لك ثغرة في جدار حصارك ، أبقوك أسير السرير والأجهزة الطبية والممرضات والمرضى ، وكلما حاولت التقرب الى الانسانية المغروسة فيكَ بحكم فطرة الله ، نزعوها منك ، وأرجعوك بسرعة الى سجنك الكبير "غزة".

مرفوض

لا عليك أكثر من أن تحلم ولكن لا تحاول تركيب أجنحة لحلمك ، ولا تخترع سماءً واسعة لمخيلتك ، ولا تصدق البحر أنه ودود للغاية من أجلك ، كل ما أنت فيه لا يسمح لك إلا أن تكون مريض خيال في هذه اللحظة ، وغالباً ما سيعذبك خيالك بصدمة لا كهرباء فيها ، لأن الكهرباء مثل حلمك دون أجنحة .

مرفوض

لا عليك أكثر من أن تنسى كيف يبتسم الإنسان الطبيعي ، أو كيف يضحك ، واذا فعلت هذا فسرعان ما ستتركك مخازن وجعك فريسة لنذق من أرادك أن تعيش بدون ابتسامة أو ضحك ، لماذا لا يخترعون دائرة مفاوضات لفتح ممر آمن للضحك عبر الشفاه في غزة ، بالإضافة الى دائرة أخرى لمتابعة الأولى لكي نؤكد لذواتنا أن هذا العالم بدأ يعترف بنا كبشر عاديين ، وغير منقوصي الضحك.

مرفوض

لا عليك أكثر من أن تضع وجهك في جدار ، وأن تخترع طريقاً فيه الى الكون ، من حقك أن ترسم اشجاراً من السرو على الجانبين ، و أعمدة إنارة ، وأسفلت عريض ومريح ، ومن حقك أيضاً أن تلبس المدن التي تمر بها كل معايير الحضارة والإبداع ، وأن تخرج من مخيلتك ما استطعت من أساليب الترفيه والمتعة ، وأن تعطي السماء صفات الصفاء والزرقة واللطافة ، كل شيءٍ من حقك لطالما وجهك جزء أصيل من الجدار ، فأنت الإنسان الذي لا حق له سوى الخيال .

مرفوض

حتى ولو خروجك من غزة ، حيوي لقلبك ، وعوز شديد لروحك ، ونشاط أكبر لقدميك ، ومتعة مستحقة لك ، وأنك ستنسى كل حواجز الإذلال والمهانة والإرهاب ، ونقاط التفتيش ، والتفشيش والنكش في ملابسك الداخلية ، بحثاً عن ما يثبت قناعتهم فيك ، حتى فتح انبوبة معجون أسنانك ستنساه ، لأنك تتنقل الآن كأي مخلوق في هذا الكون من سجن كبير الى العالم الذي ستكتشفه بكل حواسك ، وأهلك الذين تركوك محاصراً كالفئر المريض في جحر كبير أسمه غزة ، سيستغربون كيف خرجت من المدخنة ، ولأنك لا تحتمل كل هذا "الفرح" المشوه قرر عدوك أن تكون مرفوض.

مرفوض

أن تكون إنسان ، واذا ظهر منك تمرد او تململ أو حملت حجراً أو علقت حبلاً لرقبتك فوق عمود كهرباء عاجز عن الإنارة ، قالوا عنك معتوه ، أو مجنون أو مختل ، واذا ما جعلت غضبك رد فعل على حرمانك من كل حقوقك قالوا عنك أنك "إرهابي" وربما "داعش" ، ووضعوا أسمك وقتها على لائحة باللون الأحمر كنوع من أنواع الخطر الشديد ، وزادوا الممنوعات عليك ، فإذا ما عربدت طائرة بلحظة فوضى كنت هدفاً ثميناً لها .

مرفوض

 أن تبكي ، مرفوض أن تشكي أو ترد فعلاً مهما كان قاسياً ، وكل ما عليك فعله لطالما أنت في غزة ، أن تفتح قبرك بيدك وتنتظر موتك ، هذا الغرض الوحيد الذي لا يحتاج موظفي تنسيق مع عدوك لكي تتحرك من مكانك الى الله .

مرفوض لأنك منهوب وسكت عن من نهبك

مرفوض لأنك ناقص وصدقت نقصانك

مرفوض لأنك لست إنسان كما يجب

وقلت في نفسك ما قالوه عنك

فكن كما يشتهون

وأترك العمر ينتهي بهدوء

فأنت الآن خارج هذا الكون

والله وحده يعرف أنك خارجه

وستخبره يوماً عن السؤال

الذي كان يعذبك

لماذا خلقتني من أجلهم

ولم تخلقني من أجل الحياة

التي جعلتها لهم.

 

اخر الأخبار