الفضية الفلسطينية في الثلاجة الامريكية

تابعنا على:   14:06 2016-11-16

د. أشرف طلبه الفرا

على الرغم من الخطوات التي اتخذتها الادارات الامريكية المتعاقبة تجاه القضية الفلسطينية مثل خيار حل الدولتين التي تبناها الرئيس بيل كلينتون، في آخر شهر من ولايته، وواصلها بفتور الرئيس جورج دبليو بوش، وتحدث عنها باراك أوباما في أول عهده العام 2009م، والاستعانة بالسيناتور جورج ميتشل وقيام الرئيس الأسبق جيمي كارتر بزيارة المنطقة وكذلك وزير الخارجية جون كيري، لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ورغم استثمار بعض الدول العربية علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة  مثل مصر والاردن والسعودية من أجل إقناع أوباما لإيجاد رؤية واضحة لملف الصراع العربي- الإسرائيلي وخصوصاً القضية الفلسطينية إلا أن إدارة الرئيس "اوباما" لم تفعل شيئاً لتصويب أخطاء الإدارات الأمريكية السابقة فيما يتعلق بعملية السلام،  بل وطالبت الفلسطينيين بعدم اتخاذ أي تحركات في مجلس الأمن الدولي إلا بعد إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية، وسوف تستخدم حق النقض ضد أي قرار بخصوص القضية الفلسطينية الاسرائيلية بما في ذلك التنديد بالمستوطنات اليهودية. وعليه بقيت القضية الفلسطينية في الثلاجة الامريكية دون أي مبادرات من جانبها بشأن هذه القضية. والسؤال الكبير هنا، هل ستبقى القضية الفلسطينية في الثلاجة الامريكية بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية؟،أم سيحدث اختراق حقيقي وتخرج القضية الفلسطينية من هذه الثلاجة نحو حل عادل يحقق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني؟.

أعتقد أن ترامب لن يخرج عن مهمة تطبيق السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية المسطرة على منظور بعيد المدى، حتى وإن كان هناك تغير فلن يكون بالحجم الذي يغير بشكل كامل من ملامح هذه السياسة خلال الفترة القليلة القادمة. ويبدوا من خلال ذلك أن الإدارة الأمريكية لن تغير سياستها الاستراتيجية اتجاه القضية الفلسطينية، وإنما إعادة التوليفة القديمة من السياسة الأمريكية والتي سارت عليها الإدارات السابقة، وتتلخص هذه السياسة في الدعم الكامل والشامل لدولة اسرائيل وإبقائها في حالة هيمنة كاملة على المنطقة، وعدم الضغط عليها في أي صفقة سياسية، وبالتالي سوف تقف واشنطن متصدية لأي قرارات ضد اسرائيل في مجلس الأمن وخاصة فيما يتعلق بموضوع بناء المستوطنات، ولن تتفاعل مع فكرة المؤتمر الدولي للسلام طبقاً للمبادرة الفرنسية المطروحة.

أما مساعي التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، فهي لا تتصدر الأولويات التي ستركز عليها إدارة ترامب، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني ومنع طهران من امتلاك قدرات ذرية، والحرب ضد الإسلام المتطرف. وإن حدث نوع من الاهتمام سوف يقتصر على دعم ومساندة الاتجاه الذي يتفهم المطالب الأمريكية في المنطقة ويعارض سياسة المقاومة بمختلف أشكالها ويرضى بالحلول الأمريكية الاسرائيلية التي تتمحور حول إقامة دولة فلسطينية على غزة وأقل من نصف مساحة الضفة الغربية - مناطق داخل الجدار- مع عدم تحديد أي موعد لذلك، وبالنسبة للقضايا الجوهرية مثل اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات فلن يتم التطرق إليها، وفوق ذلك المطلب الأمريكي الاسرائيلي القاضي بوقف الانتفاضة في القدس وباقي مدن الضفة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار أو إتباع أساليب مشابهة .وفي هذا الاتجاه دعت إسرائيل ترامب إلى الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لها، كما طالبته نقل السفارة إليها، وهذا يعني التجاوز على جميع القرارات الدولية، بما فيها قرار عدم شرعية ضم القدس الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي العام 1980م، ورداً بقوة على قرار اليونيسكو الاخير الخاص بالأماكن المقدسة باعتبارها من تراث الشعب الفلسطيني، بما يعني بمسلميه ومسيحييه.

وفى ضوء ما سبق علينا أن نبلور من الآن الخطوات التي يمكن للجانبين الفلسطيني والعربي انتهاجها بهدف تحديد كيفية التعامل مع الادارة الامريكية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية، ولعل هذا يحتاج الى ضرورة إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بإنهاء الانقسام الفلسطيني وبلورة رؤية واحدة ليتعامل معها المجتمع الدولي باعتبارها الاستراتيجية الفلسطينية المعتمدة. ووضع تصورات وبرامج لمواجهة الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري. تصورات قابلة للتطور والاعتراض الفعلي على الاستباحة الاسرائيلية للأرض والشعب. تصورات تستقطب وتشرك الفئات المتضررة من الاحتلال وسياساته - السواد الأعظم من الشعب - في إفشال مخططات النهب والاقصاء. كما تستقطب الحلفاء الحقيقيين المناهضين للاحتلال وسياساته عربيا وعالميا، وإسرائيليا – الاتجاهات الرافضة للاحتلال والعنصرية - في جبهة عريضة تتولى مهمات الضغط والمقاطعة والعقوبات والعزل لدولة إسرائيل، وأيضاً التحرك الفلسطيني العربي نحو حوار جاد مع الرئيس الامريكي الجديد حتى قبل أن يستلم مهامه فعلياً، من أجل ضرورة توضيح أن هناك بعض السياسات التي إن تم انتهاجها من جانب واشنطن فسوف تؤدى الى تفجير الوضع الأمني في المناطق الفلسطينية (نقل السفارة الأمريكية الى القدس، الصمت أمام الانتهاكات الاسرائيلية للمسجد الاقصى، تأييد سياسة الاستيطان، استمرار انسداد الأفق السياسي أمام الشعب الفلسطيني لحل قضيته واقامة دولته). والعمل على فتح قنوات دولية أخرى فلم تعد أمريكا الفاعل الرئيسي في تفاعلات وقضايا الشرق الأوسط, مع تصاعد أدوار قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الاوروبي، وخاصة أن هناك تحركات دولية لدفع عملية السلام كدعوة فرنسا لعقد مؤتمر دولي للسلام، واستعداد روسيا في إيجاد تسوية عادلة وشاملة للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

وغير ذلك فإن القضية الفلسطينية إما أن تُحل وفقاً للرؤية الامريكية الاسرائيلية أو أنها تصبح  في عداد الأموات وتظل داخل الثلاجة الامريكية بإدارة ترامب.

اخر الأخبار