ذكرى استشهاد الشيخان عزالدين القسام و فرحان السعدي

تابعنا على:   17:43 2016-11-21

الشيخ/ عز الدين القسام، عالم مسلم، وداعية، ومجاهد، وقائد ثورة، وشيخ القسامين ومؤسس تنظيمهم، وقائده، وأحد اوائل شهدائه.

ولد/ محمد عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى بن يوسف بن محمد القسام في بلدة جبلة السورية التابعة لمحافظة اللاذقية عام 1882م، وتربي في اسرة متدينة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية، حيث أمضى طفولته في بلدة جبلة، قرأ القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة، والحساب في الكتاتيب، ودرس مبادئ العلوم الشرعية على يد والده، وتتلمذ في جبلة في زاوية الإمام الغزالي لشيخين عرفا بسعة العلم والمعرفة في اللغة والتفسير والحديث والفقه، وهما الشيخ/ سليم طيارة البيروتي الأصل، والشيخ أحمد الأروادي.

كان لأسرة عز الدين القسام رصديها من الذكر الحسن كبير، فهي أسرة متدينة، ولها حظ من العلم الشرعي، يحبها الناس لما لها من المكانة الدينية، فمنها أقطاب الطريقة القادرية، وكان آل القسام مشهورين بالعلم والصلاح، يعطون ولا يأخذون، ويكسبون قوتهم من عملهم.

ارتحل محمد عز الدين القسام الى القاهرة للدارسة في الأزهر الشريف، وهو في سن الرابعة عشر من عمره وذلك عام 1896م، وتخرج من الأزهر عام 1906، أي بقي عشر سنوات يدرس في الأزهر الشريف، وكانت العلوم الشرعية التي تدرس هي (الفقه والتفسير والحديث والأصول والمواد اللغوية النحو والبلاغة) هي مدار الدارسة الأزهرية.

عاد الى بلدته جبلة عام 1906م، نال في نهايتها الاجازة العلمية الدالة على تضلعه في العلوم الإسلامية، حيث عمل مدرساً وخطيباً في مسجد إبراهيم بن ادهم.

لقد تركت سنوات الدارسة في الأزهر الشريف في نفسه آثاراً بعيدة، لأنها كانت في مرحلة غليان وطني عاشتها مصر بعد الاحتلال البريطاني وهزيمة ثورة عرابي، وفي وقت آخذت تبرز فيه الزعمات الوطنية وراحت تعلو فيه الدعوات الإصلاحية التي كان تؤكد ان من أسباب حفظ الأمة، الاتحاد والشورى، وعدم الاعتماد على الأجنبي.

لقد آمن الشيخ/ عز الدين القسام إن رجل الدين ليس معلم الفروض والعبادات فحسب، بل معلم الإباء والوطنية وعزة النفس.

إن دور رجل الدين كان عنده دفع المؤمنين الى رفض الاستكانة والتواكل وعدم عزلهم عن قضايا شعبهم.

حل الشيخ/ عز الدين القسام مكان والده في الكتاب، وأخذ يعلم الأطفال بعض العلوم الحديثة وأصول القراءة والكتابة الى جانب تحفيظ القرآن، ثم أصبح اماماً لمسجد المنصوري في جبلة، وغدا بخطبة ودروسه وسلوكه موضع احترام السكان، وامتدت شهرته وسمعته الحسنة الى المناطق المجاورة، وربطته الكثير من سكانها صداقات متينة.

وكان أول تجسيد لمفهومه عن رجل الدين المجاهد العملي، حين قاد مظاهرات طافت شوارع بلدته تأييد للعرب الليبيين يوم هاجم الإيطاليون ليبيا، وقد دعا القسام الى التطوع لقتال الإيطاليين، وقام بحملة جمع تبرعات لتأمين ما يلزم من المتطوعين وأسرهم لكن السلطات العثمانية لم تسمح لهم بالسفر الى ليبيا.

عندما احتل الفرنسيون الساحل السوري في ختام الحرب العالمية الأولى عام 1918، فثار القسام في جماعة من تلاميذه ومريديه وطارده الفرنسيون، فقصد دمشق ابان الحكم الفيصلي، ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها عام 1920م، فأقام في حيفا بفلسطين وتولى فيها أمامه جامع الاستقلال وخطابته، ورياسة جمعية الشبان المسلمين واستطاع في حيفا تكوين جماعة سرية عرفت بإسم (العصبة القسامية).

بدأ الشيخ/ عز الدين القسام حياته النضالية منذ عام 1922م، فعمل مدرساً في المدرسة الإسلامية في حيفا، وكان خطيباً وإماماً لجامع الاستقلال فيها، عين عام 1929م مأذونا شرعياً من قبل المحكمة الشرعية، فصار يخرج الى القرى وعرفه الناس وعرفهم وازدادت شعبيته وذاعت شهرته.

التقت في القسام مجموعة من المؤثرات كونت شخصيته المتميزة، وجعلته صاحب مدرسة في النضال تركت أثرها في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية أثناء إقامته في حيفا التي دامت قرابة خمس عشرة سنة، كما استفاد من دروس الثورة السورية فعرف شروط نجاح النضال ، وكان يحس بخطر الصهيونية، وبأنها جادة في الوصول ال هدفها، لذلك كان يدعو الناس الى الوقوف في وجهها بلم شعثهم واتحاد كلمتهم، وبالبعد عن الشقاق والعودة الى تعاليم السلف الصالح.

امن الشيخ/ عز الدين القسام مستفيداً من درس النضال التي عاشها ان الثورة المسلحة هي وحدها القادرة على انهاء الانتداب البريطاني، والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين ومن الطبيعي ان الثورة المسلحة تحتاج الى تخطيط سياسي وعسكري والى تعبئة الجماهير نفسياً لتأييد الثورة و الاشتراك فيها، والى تنظيم سري ثوري يربي فيه المقاتلون عسكرياً وسياسياً، وكانت الثورة المسلحة المنظمة أمراً غير مألوف بعد في الحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك، لان النضال لم يتعد الإضرابات والمظاهرات التي قد تقع خلالها مصادمات يقتل فيها من يقتل ويجرح من يجرح.

اتصف الشيخ/ عز الدين القسام بقدرة فائقة الى التنظيم واختيار الأعضاء، والقيادة وسبل الإمداد والتسليح، وقد كان إيثار التنظيم السري أمراً هاماً يعتمد على الدقة والورية ووضع المرشح الذي يتوسم فيه الخير والاستعداد زمناً تحت المراقبة الى حين دعوته للعمل في التنظيم من اجل إنقاذ فلسطين، وقد ساعد الشيخ / القسام كونه عمل مدرساً وخطيباً وإماماً ومأذوناً شرعياً، على معرفة الناس ، وسبل إقناعهم والتأثير فيهم، وقد ربط القسام الجانب النضالي بالجانب الاجتماعي، فكان يهتم بتحسين أحوال الفقراء ومساعدتهم ويسعى الى مكافحة الأمية بينهم، إيماناً منه بأن ذلك يعمق الوعي بين الجماهير، ويزيدها إيماناً بالثورة، ويشحذ عزمها للكفاح المسلح.

كان الشيخ/ عز الدين القسام يقيم بين حيث يقيم العمال والفقراء والفلاحين الذين طردوا من أراضيهم

و لجأوا إلى مدينة حيفا طلباً للعمل.

لقد اهتم الشيخ/ عز الدين القسام بالتنظيم الدقيق وتوزيع الأدوار و المهمات، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة الى الثورة ووحدة الاتصالات السياسية و وحدة التجسس على الأعداء ووحدة التدريب العسكري، ووحدة شراء السلاح.

عندما ازداد الوضع سوءاً في فلسطين، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات القسام في مدينة حيفا، خشي من انكشاف أمر جماعته، فعقد آخر اجتماع في المدنية ليلة 12/11/1935م ، وقرر الابتداء بالثورة في الجبال وقد انتقل مع عشرات من جماعته الى قضاء جنين الذي كان على معرفة بالقروين من سكانه خلال عمله مأذوناً شرعياً، وكانت القرية التي نزل بها الشيخ/ القسام هي كفر دان، ومنها ارسل رسله الى القرى الأخرى لشرح أهداف الثورة، فأستجاب كثيرون لدعوته، وانضموا الى جماعته لثقتهم به.

كشفت سلطات الانتداب البريطانية أمر القسام، وعرفت مكانه ، فأرسلت بتاريخ 15/11/1935م قوات كبيرة اشتبكت مع جماعته قرب قرية البارد، ثم تطورت الأمور بسرعة بعد أن فقد القسام وجماعته عنصر المفاجأة وانكشف امرهم، وكان الشيخ/ عز الدين القسام مع أحد عشر شخصاً من إخوانه في قرية الشيخ زايد، داخل أحراج يعبد، عندما طوقتهم القوات البريطانية صباح يوم 19/11/1935، قطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وقد ثبت القسام مع جماعته في معركة غير متكافئة دامت ست ساعات، وقتل فيها من البريطانيون اكثر من خمسة عشرة الى ان استشهد الشيخ / عز الدين القسام مع نفر من اخوانه الابطال، في حين جرح واسر آخرون.

أصاب الحادث فلسطين كلها بالألم والحزن وخرجت الصحف تشيد بالشهداء وتكتب فيهم المقالات الوطنية التي تحيي بطولاتهم وثباتهم ونقل الشهداء الى مدينة حيفا حيث كرمهم سكان المدينة وشيعوهم في جنازة مهيبة.

رحم الله الشيخ/ محمد عز الدين القسام ورفاقه الأبرار وسكنهم فسيح جناته.

---------

ذكرى استشهاد الشيخ فرحان أحمد السعدي

( 1858م – 1937م)

بقلم لواء ركن/ عرابي كلوب 22/11/2016

الشيخ المجاهد/ فرحان السعدي قائد من قادة ثورة ( 1936 – 1939م) وهو أحد القساميين، ومنارة من منارات الجهاد الفلسطيني، ومدرسة للمقاومة، والذي حكم عليه البريطانيون بالإعدام وهو صائم بتاريخ 22/11/1937م.

ولد الشيخ/ فرحان احمد السعدي في قرية المزار قضاء جنين عام 1858م حيث نشأ نشأة دينية صالحة، فحفظ للقرآن والأحاديث النبوية الشريفة، وتلقى تعليمه الابتدائي في قريته ثم في مدينته جنين، إلا انه كان مولعاً في شبابه بتلقي الدروس الدينية في المساجد والاجتماع مع العلماء ورجال الدين، فأضفت عليه نشأته الدينية والعلمية مهابة واحتراماً في بيئته، تربى على الفضائل والأخلاق الإسلامية الصافية وعرف بالتقوى والشجاعة وقوة الإيمان.

تربى على الفروسية والرماية والكر والفر وكان من الماهرين في اطلاق النار وكان يحمل بندقية بشكل دائم.

لذا عرف عن الشيخ/ فرحان السعدي بأنه موضع احترام معارفه وأهالي قريته والقرى المجاورة لما تحلى به من تقى واستقامة وشجاعة وايمان.

عمل في فلاحة الأرض وزراعتها في قريته، وكذلك عمل أماماً لاحد المساجد ببيسان القريبة من قريته وكان من النشطاء المحرضين على الاحتلال.

عندما احتل البريطانيون بلادنا اتضحت له نواياهم العدوانية، فأخذ يحث الناس على مقاومة سياستهم الصهيونية، فكان في طليعة، المتظاهرين ضدهم، وعندما نشبت ثورة 1929م، قاد مجموعة من المقاتلين في قضاء جنين وآخذوا يهاجمون البريطانيين واليهود حيثما وجدوهم، ثم قبضت عليهم سلطات الاحتلال البريطاني، وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات، وحين اطلق سراحه عاد مرة ثانية لمزاولة نشاطه النضالي، فانضم الى حركة الشهيد/ عز الدين القسام، وشارك في معركة أحراج يعبد تشرين الثاني عام 1935م والتي استشهد فيها الشيخ/ عز الدين القسام ونفر من أصاحبه، وقد نجا الشيخ/ فرحان السعدي من الوقوع في يد القوات البريطانية.

التحق الشيخ/ فرحان السعدي بالثورة الفلسطينية الكبرى وكان له شرف إطلاق رصاصتها الأولى في اليوم الخامس عشرين نيسان عام 1936م، العام المذكور التي فجرت طاقات الشعب الفلسطيني فكانت بمثابة البدء بالثورة الكبرى، إذ قام هو وجماعته بالهجوم على قافلة يهودية على طريق نابلس – طولكرم رداً على عدوان يهودي غادر كان قد وقع على العرب في جوار يافا.

كانت معركة 15/4/1936م ، إيذاناً ببدء الكفاح المسلح، فتلاحقت الحوادث بسرعة مذهلة، فقام اليهود بقتل بعض العرب، فرد اهل يافا بالهجوم على اليهود يوم 19/4/1936 ولولا حضور القوات البريطانية لتمكن العرب من قتل أعداد كبيرة من اليهود.

لقد شاركت مدن وقرى وقبائل فلسطينية في انتفاضه يافا، فأعلنت الإضراب العام في جميع اتحاد البلاد والذي أمتد نحو ستة أشهر.

اوكلت للشيخ/ فرحان السعدي قيادة فصيل ( عنبتا – نور شمس ) كما اختير عضواً في اللجنة التي كونتها قيادة الثورة لجمع الاعانات.

لقد قاد الشيخ/ فرحان السعدي الثورة في منطقة جنين وقام فيها بأروع التضحية والشجاعة، وقد خاض الشيخ/ فرحان السعدي معارك كثيرة وجرح في معركة عين جالود، ولكنه استمر يقاتل بعد ذلك، وبتاريخ 22/11/1937م هاجمت القوات البريطانية بيته في قرية المزار، والقت القبض عليه، وقدم لمحاكمة صورية حكم فيها عليه بعد ثلاثة ايام بالإعدام شنقاً، وفي 14 رمضان عام 1356هــــ ، الموافق 27/11/1937م أُعدم الشيخ فرحان السعدي شنقاً في سجن عكا، وهو صائم بعد أن رفضت سلطات الانتداب البريطاني تخفيف الحكم الصادر بحقه، أو تأجيل تنفيذه غير عابئة بالحملة العربية التي قامت من أجل انقاذه من قبل الملوك ورؤساء حكوماتهم وزعمائهم مع الحكومة البريطانية.

مشي الشيخ/ فرحان السعدي الى المشنقة ثابت الجنان، رابط الجأش، وهو يهتف بحياة فلسطين التي جاد في سبيلها بكل ما يملك، لقد نفذ البريطانيون الحكم بأبن فلسطين البار الشيخ/ فرحان السعدي، في سجن عكا، والذي تجاوز عمره الثمانين عاماً.

لقد هز تنفيذ الحكم مشاعر الشعب العربي الفلسطيني كافة، وتألفت على الفور جماعة ثورية كبيرة تحمل اسم ( اخوان فرحان ).

لقد أدى إعدام الشيخ/ فرحان السعدي الى انبعاث الحماسة الجماهيرية الثورية في أوساط الشعب الفلسطيني من جديد، وقد اشتهرت حادثة إعدام السعدي الى درجة انها طغت على دوره الكبير، وعلى حقيقته كباعث رئيسي من بواعث الثورة، إلا ان رفاقه يعترفون له بذلك، فقد لقبة المؤرخ القسامي، صبحي ياسين ( بالمجاهد الصادق)، كما ذكر بأنه (خليفة الشهيد/ عز الدين القسام) وأول من أطلق رصاصة في عام 1936.

رحم الله الشهيد الشيخ المجاهد / فرحان السعدي واسكنه فسيح جناته.

اخر الأخبار