قانون استخباراتى مارق جديد لمعاداة روسيا

تابعنا على:   11:04 2016-12-11

ديفيد سوانسون

لقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية قائمة مثيرة للسخرية لمجموعة من وسائل الإعلام، التى تشكل جبهة موحدة تستخدمها واشنطن فى مواجهة روسيا، والآن يدخل الكونجرس ضمن هذه القائمة، بالتصديق على قانون تمويل الاستخبارات الأمريكية لعام 2017.

الواقع أننى لا أعرف لماذا لا نلعب بالأسلاك الكهربائية ونطلق على هذا اللعب «أعمالا استخباراتية» بدلاً مما نفعله اليوم، إذ إننى أمتعض من تسمية ما تفعله الإدارة الأمريكية «مكافحة أعمال التجسس»، والآن يبلغنا آخر ما توصل إليه مجتمع الاستخبارات الأمريكى، ويتمثل فى المادة 501 من قانون مكافحة التجسس، والتى تتشكل فى ضوئها «لجنة خاصة لمواجهة تدابير فعالة من الفيدرالية الروسية من شأنها التأثير على الشعوب والحكومات»، تلى هذه المادة 502 من القانون، والتى تمنع الدبلوماسيين الروس، فقط، لدى الولايات المتحدة، من السفر لمسافات تبعد عن مقار عملهم أكثر من 25 ميلاً.

أعتقد عند هذا الحد أنه كان ينبغى أن تكون هناك المادة 503، التى كان يُفترض أن تتم صياغتها فى مسودة سابقة، ويُطلب من شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية أن تعرض صورة لفلاديمير بوتين بدون سترة، للسخرية منه، على أن تُعرض هذه الصورة مرة على الأقل كل 4 ساعات، غير أنه على الأحرى أن تلك المادة تم حذفها لاعتبارها غير ضرورية.

لطالما رغبت المؤسسة الأمريكية فى إرساء المزيد من العداء لروسيا، غير أن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب يرغب فى تخفيف هذا التوجه المعادى، على أن يكون العداء منصباً على الصين، بدلاً من روسيا، وهذا التحول تجاه روسيا لا يعنى بارقة أمل أو خطوة نحو التنوير، ولكن إذا كان ثمة فرصة لإصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، فلا ينبغى على الكونجرس الأمريكى فى هذه الحالة أن يفسد الفرصة بإقحام سياسات مكافحة التجسس فى الأمر.

بالطبع، يبدو اتخاذ خطوات من شأنها التصدى للتدابير الفعالة التى تنفذها روسيا للتأثير على الشعوب والحكومات أمرا محمودا فى نظر الجميع، ولكن هذا التحرك ليس محموداً إن لم توجد تدابير بالفعل من جانب روسيا لبسط أى تأثير، وفى هذه الحالة يكون ما تفعله الولايات المتحدة أشبه بمَن يضع سلاحه فى مكان فارغ فقط، لمنع أى طرف آخر من أن يبادر بوضع سلاحه فيه، فى حين لا يوجد أى طرف سيفعل هذا، الواقع أن هذا التحرك من جانب الولايات المتحدة يندرج تحت قائمة التعدى وليس الدفاع.

من ناحية أخرى، ليس من المحمود التصدى لهذه الإجراءات الفعالة، حقيقية كانت أم وهمية، على نحو غير حكيم، فأحد أساليب التصدى لعمليات الاغتيال على سبيل المثال هو فضحها، وملاحقة المتورطين فى تلك الجرائم قضائياً، والسعى لتحقيق تسوية مناسبة، وثمة أسلوب آخر للتصدى، يتمثل فى تمكين لجنة خاصة تُخوَّل إليها مسألة «مكافحة الاغتيالات».

فضلاً عن أنه لا يوجد دليل عام دامغ على تورط روسيا فى الأنشطة الموضحة بقانون مكافحة التجسس، وتشمل: إنشاء أو تمويل جبهات أمامية، البث السرى، التلاعب الإعلامى، التضليل والتزوير، التحريض، تمويل عملاء التأثير، التحريض والتعدى على أنشطة مكافحة التجسس، الاغتيالات، والأعمال الإرهابية.

والآن فإننى صرت على دراية بأن معظم الأفراد لا يكترثون بإثارة العداء مع الدول التى تحظى بقوة نووية، غير أن ثمة مشكلة أخرى تكمن فى مشروع القانون الذى قد يرغب المواطنون فى الاعتراض عليه، أو على الأحرى يتعين عليهم ذلك، ألا وهو أن تلك اللجنة المعنية بمكافحة التجسس تتمتع بقدر من التمكين يُخوِّل لها فعل أى شىء يطلبه رئيس البلاد، كما أنها فى الوقت نفسه ترسل تقاريرها بين الحين والآخر للكونجرس ولا تعلنها للشعب. ومعظم الأفراد، إن لم يكن جميعهم، الذين تتصدى لهم الولايات المتحدة استخباراتياً، لا علاقة لهم بالحكومة الروسية، فضلاً عن أن هذه اللجنة التى سيكون تشكيلها وتعيينها من جانب مؤسسة الرئاسة لن تخضع للمحاسبة.

فلو أن اللجنة الجديدة أدرجتك عميلا لروسيا، واتهمتك بالتلاعب الإعلامى، فهل ستقوم الإدارة بعدها بالاتفاق مع وسائل إعلامية لتدمير سمعتك؟ ولو اتهمتك بنشر أخبار كاذبة وبالتزوير فهل سيكون تصديها لهذا بنشر أخبار كاذبة ومُضلِّلة عنك تنسب إليك جريمة؟ وهل ستصادر أموالك باعتبارها «تمويل عمالة»، وماذا ستفعل لو أنها اتهمتك بالتخطيط لاغتيال الرئيس؟

على الأرجح أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه» لم تتحدَّ الكونجرس فى هذه المبارزة التى تدخل بها اللجنة الجديدة إلى معترك يخص الوكالة، إذ إن الوكالة ليست مُخوَّلة بنشر سياسات مكافحة التجسس على المستوى المحلى، والأمر نفسه ينطبق على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وبقية المؤسسات، فضلاً عن أنه ليس من المفترض أن يشتبك مكتب التحقيقات الفيدرالى «إف. بى. آى» فى حرب مع الدول الأجنبية، غير أن الخطوط الفاصلة بين الشرطة العسكرية فى العالم، وعسكرة الشرطة فى الداخل، صارت غير واضحة أكثر من أى وقت مضى، وهو جزء من الخطأ الذى يعترى مشروع القانون.

نقلاً عن صحيفة «فورين بوليسى جورنال» الأمريكية وترجمة المصري اليوم

 

اخر الأخبار