النائب دحلان يعود للمجلس التشريعي !!

تابعنا على:   17:30 2016-12-23

د. أحمد يوسف

قبل عامين، كتبت في إحدى المقالات بأن النائب محمد دحلان ليس خارج المشهد السياسي، ففي سياق المراجعات وتداول ما بين أيدينا من خيارات، هو جزءٌ من الحل للخروج من المأزق الذي تمر به حالتنا الفلسطينية، وسقت من الأسباب التي لم ترضِ البعض ممن يعتقد بأن السياسة هي أبيض وأسود، ويحاول فهمها أو التعامل معها وكأنها ثوب أبيض مطهر من الدنس!!

لا أزعم بأنني صديق لدحلان أو أن شخصيته خالية من الجدل حولها، ولا أقول بأنه ليس بيني وبينه خلاف حول الكثير من الملفات الوطنية والإقليمية، ولكن مع كل ذلك أعرف وزن الرجل وعلاقاته الواسعة مع إطارات عليا في العديد من دول المنطقة، فهو ثقل لا يمكن تجاهله حتى وإن اختلفنا معه، إذ إن المصلحة الوطنية والضغوطات تتطلب المرونة في مساحات المشترك التي قد تمثل طوق نجاة في مرحلة من المراحل التي يتعرض فيها المشروع الوطني لوضعية التهلكة.

لقد قلنا – منذ عامين وفيما يخص النائب محمد دحلان- بأن السياسة هي لعبة قذرة ومواقفها حمالة أوجه، وفيها مساحات رمادية لا يقدر على فهمها والتعاطي معها إلا صاحب النباهة ممن عركتهم التجارب وصقلتهم حكمة الأيام، وإن الحالة قد تتطلب التعامل مع ممن كنت على خلاف معهم في مرحلة معينة من الصراع، وأن الظروف تتبدل وتجد نفسك مضطراً لابتلاع المنجل والجلوس مع أشد الخصوم، من أجل تسوية أو تفاهم تتحقق معه مصلحة الطرفين، وما شاهدناه قريباً من علاقات متوترة بين تركيا وروسيا كادت تنجرف معها سياسة البلدين إلى حالة من الحرب أو المواجهات التي لا تبقي ولا تذر، ولكنهما سرعان ما أدركا حجم الحاجة لبعضهما البعض، وعملا بسرعة على إصلاح ذات بينهما، بالرغم مما يعلمه كل منهما من اختلاف الأجندات والمصالح، ولكن المرحلة تتطلب مثل هذا العناق، و"اللي في القلب في القلب"، كما نقول في أمثالنا الشعبية.

إن الحالة الكارثية في الساحة الفلسطينية السياسية تستدعي لملمة الصفوف وتوحيد الجهد الوطني؛ لأن حجم ما تخطط له إسرائيل من مؤامرات لتمزيق وحدتنا، وإضعاف قدراتنا، وكسر شوكة مقاومتنا، هو أكبر من طاقة أي فصيل فلسطيني، مهما بلغت قوته وإمكانياته، ونحن اليوم بحاجة للجميع، وعلينا أن نبدأ العمل بمن حضر.

إن الحشود الفتحاوية التي شاركت في تظاهرة التنديد بقرار الرئيس محمود عباس برفع الحصانة عن النواب الخمسة من حركة فتح كانت كبيرة وملفتة للنظر، وهي تعكس رجاحة الرأي القائل بأن التيار الرافض لسياسات الرئيس أبو مازن الإقصائية كبير، وهو يتشكل بصورة ربما تسهم في التعجيل بنزع شرعية الرئيس نفسه!!

إن الملفت للنظر في التظاهرة الاحتجاجية التي احتضنتها ساحة التشريعي في غزة هو فرحة تلك الكوادر الفتحاوية بتحركها بحرية في الفضاء الحمساوي، والذي منحته الحكومة في غزة المشروعية لينطلق، ويرفع الشعارات التي تعبر عن حالته النضالية ورفضه للسياسات التي تأتي بقوة القهر من جهة السلطة في رام الله.

 في الحقيقة، كان تصدر صور دحلان للتظاهرة ليس مثيراً للتساؤل عند "قهاقير السياسة" ولا حتى طهابيبها، حيث إن الهدف كان توصيل رسالة واضحة إلى الرئيس (أبو مازن) بأن فتح دحلان ما تزال حيَّة، وهي تجمعٌ مترابطٌ وحجمه التنظيمي يتعاظم مع الأيام، بسبب السياسات التعسفية التي يتخذها الرئيس وبطانته بحق كوادر حركة فتح في قطاع غزة، تحت ما يسمى المتجنحين أو أصحاب الهوى الدحلاني، وأن هذه الجموع إذا ما أطلقت له حركة حماس العنان فهي ورقة قوية وفاعلة، وعلى الرئيس أن يعي مضمون هذه الرسالة والعمل بمقتضى ما تحمله من إشارات قد لا تكون سعيدة في عواقبها لفخامته.

عندما تحدثتُ عن دحلان في سنوات أو شهور سابقة طالتني تغريدات الكثيرين؛ لأن دحلان كذا وكذا!!

اليوم، دحلان ملأت صوره ساحة المجلس التشريعي في غزة من قبل أنصاره وبتسهيلات من حماس، وأنا لا أجد أي خطأ في ذلك، فهذا في السياسة هو - أحياناً - عين العقل، وأنا أظن بأن غياب الحكمة في تصرفات الرئيس في معالجة ملف دحلان سوف تؤدي إلى ظهور تيار آخر من داخل فتح وبعباءتها منافساً لفخامته، وسيكبر هذا التيار ويتعاظم مع الأيام وعند لحظة الإعلان عنه كذلك؛ لأن الملأ حول الرئيس (أبو مازن) هم بطانة طامحة في خلافته، وتنتظر ساعة الرحيل، ولا يريدون لهم منافساً قوياً مثل محمد دحلان.

إن اجتماع التشريعي بحضور عدد من كتلة فتح البرلمانية هو مؤشر لصحوة سياسية وقانونية قادمة، وإشارة حمراء للجميع بأن المراسيم الرئاسية قد تغولت بشكل مثير للاستفزاز، وفيها تطاول مبعثه الاستخفاف بكل المؤسسات التي تمثلها منظمة التحرير لحساب هياكل مسيسة تتحكم بها عبر المال عناوين من البطانة المتنفذة من رجالات الرئيس.. إن هذه الصحوة للمجلس التشريعي هي بداية الانقلاب على الرئيس وبطانته، وقفزة لن تكون عبثية في الهواء؛ بل لها ما بعدها مما سيهز هيبة الرئيس ومكانته؛ محلياً وإقليمياً ودولياً، وصرخة قوية تقول له: كفى.. كفى.. فقد بلغ الحزام الطبيين!! ولم يعد في القوس منزع.

وإذا كانت الجبهة الشعبية قد ترددت – هذه المرة - في المشاركة في الاجتماع الطارئ للمجلس التشريعي الذي دُعيت إليه، وبررت غيابها لدوافع وطنية قد يستوعبها البعض ويتفهمها، حيث أشار النائب جميل المجدلاوي بأن عدم المشاركة نابعٌ من اعتقاد الجبهة بأن انعقاد مثل هذه الجلسة كان ينبغي أن يكون بتوافق وطني، يسبقه حوار بين مكونات المجلس من الكتل والقوائم الانتخابية على اختلاف أطيافها، حتى تتم دراسة السبل التي يمكن أن يأتي عبرها تفعيل المجلس خطوةً في الاتجاه الصحيح الذي يُقربنا من استعادة وحدة المؤسسات الفلسطينية.. ماشي يا أخ جميل؛ يمكننا قبول ذلك، ولكن إذا ما استمر الرئيس (أبو مازن) في التعامل مع الحالة الوطنية بمنطق الاستخفاف ولزوم الطاعة (فاستخف قومه فأطاعوه) فلن يعذر أحدٌ الجبهة الشعبية أو غيرها من المستقلين في المرات القادمة من التخلف والغياب لأي سببٍ من الأسباب. 

في الحقيقة، إن الاجتماعات القادمة للمجلس التشريعي، وفي ظل استمرار تغول المراسيم الرئاسية وتسويقها من خلال المحكمة الدستورية العليا، التي كان تشكيلها مثار خلاف بين الجميع، لن تكون مقبولة لدى الشارع الفلسطيني في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، وستؤدي إلى حالة من صراع الشرعيات الهشة، التي ربما تطيح بها جميعاً، وتُلقي بالفلسطينيين في حالة من الفوضى - غير الخلاقة - والتدافع الغيض.

لقد غاب النائب دحلان وبعض النواب الفتحاويين عن اجتماع المجلس التشريعي بحكم وجودهم خارج البلاد، فهل نتوقع مشاركة لهم في اجتماعات قادمة لتأكيد سيادة التشريعي على قراراته، وأن نوابه لهم من الحصانة مالا تهزها أية مراسيم رئاسية أو قرارات لمحاكم قضائية مسيسة.؟

سؤال برسم الانتظار والترقب..

وكما قال أحد الشباب المتحمسين من حركة فتح: انتظروا عودة دحلان إلى حاضنته القوية بين زملائه وإخوانه في المجلس التشريعي، سنطوي صفحة الماضي، وسنعمل معاً على ترميم ما تصدع من جدران الوطن.

اخر الأخبار