الثقافة الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية: العنف والديمقراطية.

تابعنا على:   11:05 2016-12-25

بكر أبو بكر

في سلسلة من الحلقات حول الثقافة الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية بدأنا بالحلقة الاولى حول مفهوم الديمقراطية كما نراه، لننتقل لاحقا حول الكيفية التي تعامل بها الاسلامويون مع المفهوم في الحلقة الثانية حيث نرى الخلط والرفض وتذبذب القبول والتمنع، وفي الثالثة هذه نتحدث عن تناقض العنف مع الديمقراطية وفكر قطب والمقدس.

يقول د.محمد حبيب النائب السابق لمرشد "الاخوان" السابق محمد مهدي عاكف في مقاله حول مراجعة فكر البنا مشيرا للتناقض بين العنف والديمقراطية في فكر البنا: ((يقول «البنا»: «هل فى عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة فى تحقيق أغراضهم؟» فيجيب قائلا: «إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء، وسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون فى كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح». والسؤال هو: ألا يعطى هذا أى جماعة أخرى الحق فى الوثوب إلى السلطة متى امتلكت وسائل القوة؟!

وما هو الوضع الذى يمكن أن تؤول إليه الدولة، إذا حدث ذلك؟! من العجيب أنه فى نفس الرسالة، يقول «البنا»: «يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظاما آخر»..))

رغم محاولات حسن البنا كمؤسس الإخوان المسلمين منذ البداية أن يتعامل مع مفاهيم الوطنية والديمقراطية (1) والقومية بتفسيراته وتطويعها حسب ثقافته، إلا أنه لم يبلور طرحا متقدما يتقبلها بوضوح، ليأتي سيد قطب المتأثر بالنفحات الاسلاموية الهندية المتطرفة، ويرسم طريقا جديدا يحكم فيه على المجتمعات بأنها (جاهلية) ويقرر أن (الحاكمية) هي لله فيقع تصنيف المجتمع تحت سيف الحق والباطل الذي يؤسس داخل المجتمع المسلم لمدرسة المعسكرين أوالفسطاطين، فسطاط الحق وفسطاط الباطل داخل أمة المسلمين.

الاحتفاء بفكر قطب

يقول سيد قطب في تفسيره لسورة الأعراف: (إن البشرية تنقسم شيعاً كله جاهلية... وشيعة تسمى نفسها مسلمة وهي تتبع مناهج أهل الكتاب حذوك النعل بالنعل خارجةً من دين الله إلى دين العباد... لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين للبشرية وانتكست البشرية بجملتها إلى الجاهلية)، وأضاف (فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله وإن ظل فريق منهم يردد على المآذن: لا إله إلا الله دون أن يدرك مدلولها) ويعلق المفكر الاسلامي د.فاروق حمادة: هذا الكلام في غاية الخطورة لم يسبقه به إلا الخوارج الذين حاربهم الصحابة، لأنه يكفر الناس ويرميهم بالردّة وكأنه قد شق عن قلوبهم وعرف ما بداخلهم.

ورغم ذلك فإن الاحتفاء بفكر سيد قطب تجده حتى اليوم ممن يسمون أنفسهم المعتدلين في "الاخوان المسلمين" حيث يمدح الاخواني د.عزالدين الكومي سيد قطب في رسالة الاخوان الدورية الموجهة للأعضاء وذلك يوم 2/9/2016 بالقول (سيد قطب شهيد القرآن والتفسير والعقيدة والدعوة والبلاغة والأدب، عاش فى ظلال القرآن الوارفة وعشق كتاب الله، فأبدع فى ترجمة ما فهمه منه إلى سلوك عملي حي يتحرك به ويدعو الناس إليه، وقد خدم الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة)؟!.

ويمدحه الشيخ يوسف القرضاوي قائلا: "هو أحد عظماء الرجال في أمتنا، هو مسلم عظيم، إذا قسنا العظمة بالبذل والتضحية في سبيل الله، وهو داعية عظيم إذا قسنا العظمة بقوة التأثير في الدعوة والتوجيه، وهو عالم ومفكر عظيم، إذا قسنا العظمة بمقدار الاستقلال في الفكر وأصالة العلم". (2)

الدولة المدنية والواقع المقدس

وقبل الخوض في الديمقراطية لدى التنظيمات الاسلاموية نعرج قليلا برأينا على مفهوم (المدنية) أو العلمانية، حيث تعددت الآراء في "العلمانية" وتطبيقاتها كثيرا فمابين (العلمانية الشاملة) التي تلغي دور الدين في كل المجالات سواء في السياسة أوالمجتمع أو القيم والأخلاق الدينية المنشأ، وتُعلي من شان الإنسان فقط دون مرجعية كما عرّفها د. عبد الوهاب المسيري إلى (العلمانية الجزئية) التي تبعد إقحام الدين (قداسة الرأي والشخص والفهم) في الدولة والسياسة فرق كبير حيث اعتبرت (العلمانية الجزئية) من حيث فصل الدين (استغلال الدين) عن الدولة (استغلال الحكام بالدولة للمذهب في الحكم) اعتبر هذا الفصل مقبولا ، بل وزاد على ذلك الشيخ د.راشد الغنوشي إذ أصّل لهذه العلمانية الجزئية، وقرر أن لها قبولاً في الفكر الإسلامي وأسماها العلمانية الجزئية المؤمنة، وفي الكثير من مفكري المسلمين اتجاه نحو فصل المذهبي والطائفي والتطبيق المحدد منهما للشريعة عن الحكم.

نحبذ استخدام مصطلح الدولة المدنية لا مصطلح العلمانية، لما ثار حول الأخير من جدل ولتعدد وتضارب تعريفاته، ونرفض "الدولة الدينية" التي تدعو لها التنظيمات الاسلاموية سواء تلك السنية او الشيعية المؤمنة بولاية الفقيه.

يقول الكاتب الاسلامي د.حسن حنفي ما نتفق معه فيه أن (الدولة المدنية تقوم على تعددية القوى السياسية بتغير قوى أحزابها وثقافة التفاهم واستمرار منطق الحوار السياسي بينها وتداول السلطة، فلا يكون الحكم لحزب واحد دائم، ولا لسلطة واحدة، دون مراعاة قواعد اللعبة السياسية، وخدمة المصلحة العامة.) ويخلص للقول (ولا توجد أصلاً دولة دينية بل دولة مدنية. الدين كالثقافة والعلم أحد مكوناتها.)

نعم، هناك إشكالية كبيرة في حل عقدة الربط الوثيق بين الدين عامة بمعنى القداسة والمطلق والتنزيه للفكرة الخالدة وبين قائلها، وبين الثقافة الشعبية الماضوية المتجذرة في هذا الاتجاه حيث يتم التعامل مع الرأي أو المعنى أو الفهم للقضايا بنفس منطق التعامل مع النص القرآني فيتم ربط الرأي والشخص القائل للرأي بقداسة شبيهة بتلك القداسة للقرآن الكريم في العقل الشعبي فيسهل السيطرة والتحكم في عقول الناس، فتنقاد بلا تفكير، وهذه معضلة تحتاج إلى جهود حثيثة في مستويات عدة لا تقتصر على المفكرين والمثقفين والمصلحين والسياسيين بل يجب أن تبدأ منذ البداية، والبداية صعبة ولا تكون إلا في العقل والقرار السياسي، وحيث ننطلق من الأسرة والمدرسة والمسجد والمناهج وفي الإعلام.

إن إشكالية الربط المقدس وتجذره قد تجر المجتمع حين تحكمه التيارات الاسلاموية للمطالبة بمعاقبة المخالفين من المسلمين أنفسهم، باعتبارهم ضد الدين أكانوا مارقين أو مرتدين او زنادقة (3) أو منافقين أو فسقة أو كفار فنعود بالعصور لفرض اتجاه اجتهادي فقهي معين على غيره كما حصل في فتنة القرآن والتي انهيت بالفتنة القادرية أي فتنة تلتها فتنة في العصر العباسي، وكلها ارتبطت بقداسة الدين مربوطا بالحكم ومربوطة بالرأي المفروض.

في العصر الحديث نرى الأشباه في بعض الدول من تبني مذهب او اتجاه ديني محدد وفرضه على الناس أنه الاسلام الصحيح، ما يتعارض مع فكر الدولة المدنية بل ومع تعددية الفكر الاسلامي ذاته، (4) ومع فكر الديمقراطية، ولكن تجذر الافكار الاسلاموية القطعية تؤهل لذلك كما كاد يحصل في مصر، وكما يحصل حاليا من دعوات شبيهة في غزة على سبيل المثال. (5)

يقول فولتير (6) : «بأن أحد أسباب التعصب هو إبقاء الشعب معلقاً بالأوهام، وأفضل طريقة لعلاج ذلك الداء هو الاحتكام إلى العقل»

أما مدى "واقعية" الدعوة للدولة المدنية في هذا السياق وفكرة "العلمانية" فرغم صعوبتها إلا أن الدولة المدنية –كما نرى-بالقيم الإنسانية والتي يشكل الإسلام العظيم بالفهم المستنير جوهرها تصبح قادرة على النفاذ في الثقافة الشعبية برأيي من حيث قلنا أن البداية هي صعبة جدا. (7

الحواشي

رأى البنا ان هناك وطنية تتفق مع الاسلام واخرى لا تتفق معه، واعتبر "وطنية الحزبية" مما لا يتفق مع الاسلام حيث يقول عنها (وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء وشكلتها الغايات والأغراض، وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية... فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس) اما حدود الوطنية عنده (أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية) مضيفا أن ( أساس وطنية المسلمين العقيدة الإسلامية) ويعتبر الوطن يمتد من القطر الى كل الاقطار الاسلامية الى الامبراطورية الاسلامية ثم الى العالم وبذلك (يكون الإسلام قد وفق بين شعور الوطنية الخاصة وشعور الوطنية العامة بما في الخير كل الخير للإنسانية جميعاً )، وعلى نفس النمط من الفهم المختلف يتعامل مع القومية-موسوعة الاخوان المسلمين على الشابكة، موقف الإمام البنا من القومية والوطنية والموقع هو http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7_%D9%85%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9_%D9%88_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9

http://www.mubasher24.com/498632 عن موقع مباشر 24 و في ذات المصدر فان

الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، يرى أن سيد قطب كان مثقفا قبل انضمامه لجماعة الاخوان، مشيرا الى أنه تحول بعد انضمامه الى الجماعة الى مفتٍ للارهاب. وأضاف حجازي أن قطب كان شاعرا وتلميذا للاستاذ العقاد، وكان أول من بشر بنجيب محفوظ، ولكنه بمجرد انضمامه للاخوان المسلمين، صار مفتيا للقتل. وقال حجازي إن ظهور جماعة الاخوان المسلمين في مصر جاء كرد فعل مضاد للنهضة الثقافية التي شهدتها مصر في عشرينيات القرن الماضي.

3ظهر مصطلح الزندقة في التاريخ الإسلاميّ للمرّة الأولى في العهد العبّاسيّ بين عامي 749 و1285 ميلاديّ، ويطلق على من أنكر أشياء معلومة من الدين الإسلاميّ، أو استهزأ بتعاليمه، ولم يؤمن بها، وهو وصف يشبه الكفر والإلحاد والردّة عن الإسلام.

4 يقول خالد عبدالله الخميس الأستاذ بجامعة الملك سعود في مقاله عن (صاحب الفكرة الدينية وأتباعه): "أن المسلم الحر لا يرضى أن يصنف نفسه بأنه تابع لفلان أو علان، وليس بملزوم أن يتخذ من اسمه امتداداً لفكر فلان أو علان حتى ولو كان هذا الفلان عالماً جليلاً. إنني أتعجب من المسلم عدم رضاه عن أن يلقب بـ «المحمدي» (نسبة الى محمد صلى الله عليه وسلم) في الوقت الذي يرضى أن يلقب بالأشعري أو المالكي أو الحنبلي، وأحياناً يتفنن في تفصيل التعريف بنفسه، ليقول: أنا حنفي المذهب، ماتريدي المعتقد، أو يقول أنا شافعي المذهب أشعري المعتقد، أو يثلث في وصفه لنفسه، فيقول أنا مالكي المذهب، أشعري المعتقد، نقشبندي الطريقة. يكفيك يا مسلم مهما كان تعليمك، أن تقول مفتخراً: أنا مسلم وكفى، من دون أن تضع مع اسم الإسلام أسماء أشخاص مهما علوا." ونقول: فما بالك واليوم يروّجون لذاتهم ليس عبر مذهب وانما حزب/جماعة شيئا فشيئا تتحول لمذهب!

5 منشورات عدّة في الأيّام الأخيرة بدأت تصدر منذ يوم 9 أيلول/سبتمبر2016 في قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس، على صفحات شبكات التواصل الاجتماعي، لأستاذ التاريخ في الجامعة الإسلاميّة في غزّة الأكاديميّ الفلسطينيّ المقرّب من حماس خالد الخالدي، طالب فيها بسنّ قانون الزندقة، أثارت ردود فعل عاصفة، بين مؤيّد ومعارض، حيث كانت صفحات شبكات التواصل هي المحطة الرئيسة لردود الفعل المختلفة، ويقول الخالدي إنّ "دعوته إلى سنّ قانون ضدّ الزندقة جاءت عقب انتشار جملة أفكار هدّامة بين المسلمين في فلسطين، كإنكار عذاب القبر، وعدم الإيمان بكتب الأحاديث النبويّة"، ويضيف أن من يعتبرهم الزنادقة يجب على المجلس التشريعي إقرار ذلك وأن يتمّ مناداتهم بكلمة زنديق، ويقاطعون من الفلسطينيّين، فلا يزوّجون، ولا يوظّفون ولا يكلّمون- لمراجعة موقع المونيتور، مقال بقلم عدنان أبوعامر تحت عنوان: قانون الزندقة... فرصة "حماس" لإثبات هويّتها الوسطيّة.

6فرانسوا ماري آروويه (François-Marie Arouet) و فولتير (بالفرنسية: Voltaire) اسم شهرته. (21 نوفمبر 1694 – 30 مايو 1778) كاتب وفيلسوف فرنسي عـاش في عصر التنوير. عُرف بنقده الساخر، وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة، والمساواة وكرامة الإنسان-عن الموسوعة الحرة.

7 التحالف الوطني للإصلاح (تحالف جماعة الإخوان) قدم نفسه كلاعب رئيس على الساحة الأردنية، تحت شعار « دولة مدنية»، بعيدا عن شعاره السابق "الإسلام هو الحل"، بل وقدم التحالف نفسه كاطار وطني جامع ضم مقاعد الكوتات «الشركس والشيشان والمسيحيين» وشخصيات مختلفة، واستخدم مظاهر وأدوات معلنة وكانت لافتة للنظر باعتبارها غير مسبوقة "إخوانيا" وتتعارض مع أفكارهم، ومنها أغاني وموسيقى خلال المهرجانات، وابراز سيدات دون حجاب في مقاطع الفيديو التي أصدرها تحالف الإخوان، باعتبار أنه يسعى إلى الدولة المدنية-عن موقع صحيفة الغد الأردنية يوم 22/9/2016

اخر الأخبار