ما لم يُقل بشأن مواقفنا الأخيرة

تابعنا على:   12:53 2016-12-27

طارق حسن

قلنا شيئاً واحداً فى مواقفنا الأخيرة من المسألة السورية وقرار مجلس الأمن الأخير ضد الاستيطان الإسرائيلى: إننا نعطى أولوية فى هذه المرحلة لقوة المصالح مع القوى الدولية الكبرى أكثر من قوى الإقليم، ومن بينها الدول العربية، وإننا نفضل الارتباط بمعادلات تحالفات ما هو قادم، وما هو قابل للبقاء والاستمرار، بعيداً عما هو قابل للخسارة والانزواء.

منذ عقود والسياسة الحاكمة عندنا تتلخص فى عنصرين لا ثالث لهما: قوة الحكم فى الداخل، وقوة المصالح مع القوى الدولية الكبرى. والمشكلة العتيدة المتعلقة بهذا النوع من السياسة أنها ظلت تحمل باستمرار مضاعفات فى علاقات مصر داخل الإقليم. على مر المراحل كانت لنا خصومة مع هذا الطرف أو ذاك أو هذه الدولة أو تلك، مع عبدالناصر، خاصمنا السعودية وأغلب الخليج، وحاربنا فى اليمن، وفى لحظات تصادم الفلسطينيون معنا واختلفنا مع العراقيين وانفصلنا عن سوريا بعد وحدة.

ومع السادات افترق العرب عنا وافترقنا، ولم تجمعنا بهم مؤسسة، بل ودخلنا بقواتنا إلى ليبيا، أما مع مبارك، فوقفنا بقواتنا فى مواجهة العراق لإخراجه من الكويت، وبقينا فى خصومة مع سوريا وبعض المنظمات الفلسطينية واللبنانية.

مع إيران عرفنا الخصومة والوئام، ومع تركيا عشنا فترات تشاجر وفترات من الاتفاق، حتى إسرائيل التى حاربتنا وحاربناها، اتفقنا معها على السلام.

فى كل الأحوال بقيت قوة المصالح مع القوى الدولية الكبرى. الاتحاد السوفيتى السابق فى مرحلة عبدالناصر، وأمريكا والغرب عامة منذ مرحلة السادات، وحتى مرحلة مبارك.

لا إخوة ولا صداقة دائمة هنا، ولا عداء دائم أيضاً. إنما مصالح دائمة. والمصلحة أصل المعيار باستمرار. لنا كما الآخرين، وعندنا كما عندهم. إنما المشكلة الأخطر، التى تفرزها سياسة قوة الحكم فى الداخل وقوة المصالح مع القوى الدولية الكبرى، ظلت وتظل أنها لم تجعل مصر ولا مرة وعلى مر المراحل والعقود دولة عصرية متقدمة، ولا متفوقة حتى بين أقرانها فى العالم. وعلى العكس من ذلك سبقتها إلى العصر دول، وقتما شرعت فى النهوض بعد احتلال وتقطيع وتدمير، كانت مصر فى وضع أفضل منها بكثير، مثلما هى الهند وألمانيا واليابان.

أضف إلى هذا وجهاً آخر لخطورة تداعيات سياسة قوة الحكم فى الداخل وقوة المصالح مع القوى الدولية الكبرى حيث أثبت زلزال يناير المصرى، والزلازل التى مازالت تضرب أرجاء المنطقة أنها ذات أثر تدميرى أشبه بالقنبلة الارتدادية التى تضرب فى أجساد الدول والمجتمعات، من يومها قلنا ونقول الكثير عن التورط الأجنبى الدولى والإقليمى والعربى بأذرع محلية وغير محلية فى إحداث الفوضى والإرهاب فى مصر والمنطقة، لكننا وإن صدقنا، إلا أننا لم نقر بعد بنتيجة التقاء التقاطعات بين مضاعفات إعمال مبدأ قوة الحكم فى الداخل، التى وصلت إلى حد الانفجار، ومضاعفات الشق الثانى فى انقلاب الخارج عليك إما لافتراق أو تغير المصالح أو من جانب أطراف أخرى تنتهز الفرصة فى الانقضاض من موقع مضاد.

ونحن والعياذ بالله نعيش الآن فى عالم لا يكف عن إلقاء قنابل تدمير ارتدادية من كل لون وحدب. عالم فيه عدو الصباح بشحمه ولحمه صديق المساء. وإلا ماذا تسمى التقاء روسيا وتركيا وإيران برضا أمريكى ودعوة العرب كمالة عدد فى لقاء جديد لهم فى أستانا بكازاخستان؟

عالم يشير كل ما فيه إلى حروب ربما تكون ممتدة من بلد إلى بلد، ومن إقليم إلى إقليم، ومن قارة إلى قارة، ومن المنطقة العربية إلى أقصى الشرق الآسيوى حيث الصين.

ترامب يُغضب بكين الآن، ومجلة التايم الأمريكية كتبت هذه الأيام: القوات المسلحة الأمريكية أقوى فى المجالات كافة من القوات الصينية. بيد أن المعارك فى مياه الصين الإقليمية ستكون دموية ولن يكون بالإمكان كسبها.

وأنت اليوم قد تعرف من تكسب أو من تصادق، لكنك حتما لست معه كما لن يكون معك غداً، وأنت فى كل الأحوال إن ارتبطت بطرف خسرت طرفاً أو اكتسبت عداوة طرف، ولوجدت كل مكسب مقروناً بخسارة.

وصحيح أن لكل سياسة ضحاياها. إنما سياسة قوة الحكم فى الداخل وقوة المصالح مع القوى الكبرى ضحاياها الأوطان، وإلا فيما نبكى من حولنا ومن هم من أهلنا العرب؟ وما الذى ألم بِنَا من قبل ومازلنا نعانى من نتائجه؟

الشاهد أن مصر فى هذه المرحلة، ولفترة ليست بالقليلة مقبلة، تظل تعيش فى بيئة دولية وإقليمية ضاغطة وشديدة التقلب لدرجة الأنواء، مما يستدعى لزوما أن تكون الأولوية لعمليات بناء الداخل المصرى، والذات المصرية، بتجديد الدولة المصرية، والأخذ بنظم وقيم وثقافة التعددية الحرة فى إدارة شؤون السياسة والمجتمع، والانطلاق فى تكثيف إرساء وترسيخ أسس وقواعد الدولة العصرية ذات الإمكانات المتعددة والقدرات الشاملة. مع بناء السياسة الدفاعية والخارجية على أساس حماية الدولة والمجتمع المصرى من إفرازات ما حوله، وأن تكون الأولوية لتعاملنا مع العالم فيما يمكننا من امتلاك أدوات العصر لكى تعيش مصر فى العصر الذى تستحق.

لم يعد صالحاً أصلاً أن تكون أولوية السياسة اكتساب المصلحة بالتعامل مع الأزمات الخارجية ومهارة المرور والتنقل بين المعسكرات الإقليمية والدولية، أو إعطاء أولوية لمعسكر على آخر.

المشكلة الضخمة القائمة فى كل البيئة الخارجية ليست فيمن ينتصر وفيمن ينهزم، إنما فى أن الضحية هذه المرة كبيرة وعريضة، إنهم العرب السنة. أهل المنطقة وأغلبيتها، الذين يمتد نسبهم بأواصر متعددة إلى 50 دولة ذات أغلبية سنية مطلقة. 80% من المسلمين فى العالم الذين يبلغ تعدادهم حوالى المليار ونصف المليار هم من السنّة. القنبلة السنية معبأة بكل عوامل الانفجار الجنونى فى وجه الجميع.

نسأل الله السلامة.

اخر الأخبار