عن الحياة التى تفيض فى منازل الأمس

تابعنا على:   09:22 2017-01-10

طارق حسن

فى رحم الأيام الكثير والكثير. وبعضنا يقول نادما: ضيعتنا الأيام، وآخر يقول ناصحا: لم تذهب الأيام بل نحن الذين ذهبنا.

ربما يكون هذا أو ذاك صحيحا جزئيا. إنما الصحيح بالمطلق أنه ما من يوم فات وعاد، وأن اليوم الذى يفوت يموت إلا من الذكرى التى تنفع المؤمنين. ونحن الآن فى أيام ذكرى لكنى أنصحك بداية ألا تسأل عن الذكرى. فهى قائمة وقادمة على أى حال. أولى بك أن تسأل عن المؤمنين. لا أقصد أولئك الذين يستقبلون الذكرى كما المجذوبين، إنما هؤلاء الذين يعتبرون بعبرة الأيام وتجاربها ودروسها. أين هم؟

لا شىء بعد ست سنوات من ٢٥ يناير يقول إننا أخذنا بعبرة الأيام والتجارب والدروس. لا شىء يقول بعد هذه السنوات الست إننا صغنا من عبرة الأيام عقلا جماعيا ناضجا بخبرة الدروس وعبرة التجارب. الحياة برمتها مازالت تفيض فى منازل الأمس، وربما ما قبل الأمس، مع أن الحياة بطبيعتها لا تفيض أبدا فى منازل الأمس، مصداقا لقول الذى نطق الشعر حكمة جبران خليل جبران.

من نحن الآن؟

دعك من الاصطفاف أو الوقوف فى هذه الضفة أو تلك. فكل الضفاف على أنواعها واحدة راكدة. خذ هذه الحقيقة: انهارت كل الأفكار الكبرى التى حكمت عقولنا وسياساتنا ومجتمعاتنا منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن. إلا نحن مازلنا أسرى هذه الأفكار مع أننا نعيش ونشهد الآن كبرى رذائلها المبيدة للحياة والدول والمجتمعات.

لا شأن لى أن تكون إخوانيا أو سلفيا أو ما شابه، إنما قل لى ماذا غيرت أو بدلت فيك عبرة الأيام والتجارب؟ لا شأن لى أن تكون قوميا أو ناصريا أو شيوعيا، إنما أجبنى عما سألت فيه الإخوانى. لا شأن لى ألبتة أن تحكم مثلما كان الحكم عتيا بنظم وسياسات البيروقراطية العتيقة إنما أجبنى: ألم تضع مثل هذه الطريقة البلد برمته فى دائرة الفوضى؟

قل لى بربك: كيف تكون حكومة أو دولة فقيرة وموظفوها أغنياء بهذا المستوى من الفحش لا يتسترون؟ أليست هذه حقيقة ما ظهر من قضايا الفساد الأخيرة؟ وماذا بشأن ما بطن، وهو أعظم؟ لا أقول إنك لا تحارب أو تطارد فسادا. إنما أقول إنك مثل كل إدارة جديدة تجرى وراء أفراد الفساد وتهمل البطن الذى يلد الفساد. خذ عندك كل أجزاء البيروقراطى من أسفله قبل قمته، تجد الحقيقة واضحة لا تحتاج إلى اكتشاف: موظف غنى وحكومة أو دولة فقيرة. وأنت تسأل فقط عن ضمير الأفراد، بينما الأولى أن تنظر للبطن الذى يلد الفساد. لا قضية فساد فى مصر أمس واليوم إلا من هذا المنبع البيروقراطى، أو ذى صلة به.

تريد القضاء على الفساد؟ حسناً. اتجه مباشرة إلى البطن الذى يلد. استأصل البيروقراطية. هل يكفيك هذا؟ أبدا. اهجر تماما كل ما مات من أفكار وسياسات ونظم. أنت الآن فى يوم جديد. واقع جديد. عالم جديد. دنيا ليست كما كانت الدنيا. اجهد نفسك أكثر ما تجهد فى أن نعيش الجديد بكل ما يقتضيه هذا الجديد.

ست سنوات مضت. اسمح لى، لن أسالك ما هو الجديد، إنما أجبنى من فضلك أين هو الجديد، وكل صنف يكرر نفسه وكأنه بارع فى استنساخ الأيام والأفكار والسياسات التى بارت سوقها وما نفعت حتى نفسها وشخوصها وهيئاتها وكياناتها؟

صحيح جدا أن ٢٥ يناير لم تبشرنا بأفكار كبرى تضعنا فى العالم الجديد، وهى إن دعت لشىء فقد كان لمُثل أو مبادئ أقرب إلى الضمير العام مثلما هو شعارها «عيش. حرية. عدالة اجتماعية»، لكن الصحيح أيضا أن أسوأ ما خلّفته فينا يناير أنها دارت صراعا وتناحرا داخل مخزن كراكيب الأفكار والمناهج والسياسات القديمة منتهية الصلاحية دون أن نعقل لمرة واحدة أن الحياة لا تفيض فى منازل الأمس، وأن الحياة ليست حياة إلا بالجديد.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار