لو كنت مكان الرئيس!!

تابعنا على:   08:55 2017-01-12

شوقي السيد

■ من حق الرئيس أن يستعيد بعض المشاهد التى جرت خلال الفترة الماضية، ومن حقه أيضاً أن يعيد تقييمها.. ما لها وما عليها.. ومن حقه أيضاً أن يعود إلى أقوال وآراء الخبراء والمستشارين ممن حوله، من أصاب منهم ومن أخطأ.. وعن حالة الخطأ ودرجته.. ومن كان مصراً على خطئه فى ضوء نتائج الأعمال.. وحصادها.. من حيث الشكل والمضمون.. وعلى كافة الأصعدة..الداخلية والإقليمية والخارجية.

■ فمثلاً المشهد الجارى حول قضية «ترسيم الحدود البحرية» بين مصر والمملكة العربية السعودية، والمعروفة إعلامياً بجزيرتى «تيران وصنافير».. فبرغم ما قيل عن تشكيل اللجان منذ قديم وعن مدة عملها والتقارير التى أعدتها.. ولكن الناس وجدت نفسها فجأة أمام توقيع الاتفاقية والإعلان عنها منذ إبريل الماضى.. وأن الجزيرتين، وفقا لاتفاقية رسم الحدود، تقع ملك المملكة العربية السعودية وفى سيادتها.. ولأن مصر دولة أمينة وصادقة مع نفسها.. وحريصة على حقوق غيرها من الدول، وأولى وأشد حقوق أشقائها، وهى فى ذات الوقت لا تفرط فى شبر من أرضها، فلم يتشكك الرأى العام ولو لحظة واحدة، فى سلامة ما قيل وقتها.

■ لكن الفجائية فى الإعلان وما صاحبها من إخراج مفرط شديد المبالغة.. ما بين حفاوة الزيارة بمجلس النواب.. ومنح الدكتوراه الفخرية.. ومظاهر رسمية وحفاوة شعبية غير مسبوقة ثم تصريحات وغلو فى الأفعال والأقوال، كل ذلك أدى إلى فتح الباب نحو إطلاق الشائعات مصحوبة باللوم والتشكيك والمعارضة.. سواء كان ذلك بموضوعية أو كان تربصاً.

■ والأدهى من ذلك موقف الحكومة أمام ساحة القضاء.. وإصرارها على عدم تقديم أى مستندات، أو إبداء أى دفاع موضوعى أمام القضاء، حيث وقفت على باب القضاء دافعة بعدم الاختصاص بنظر الاتفاقية لتعلقها بالسيادة المصرية.. وبلغ هذا الحال زهواً وإصراراً واستقواء مفرطاً.. ما أدى إلى صدور حكم القضاء ضد الاتفاقية!! فازداد الأمر تعقيداً وتشكيكاً.. إذ أوقع الحكومة فى حرج أمام الرأى العام وأمام شقيقتها المملكة العربية السعودية.. وزاد الأمر غلظة.. لجوء الحكومة إلى أبواب خلفية صدرت فيها أحكام قضائية مغايرة ومتضادة، تأيدت استئنافياً.. ومازال الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا على الحكم الصادر ببطلان الاتفاقية، ولسوف تصدر حكمها بعد أيام وتحديداً يوم 16 يناير الجارى!! ولسوف يكون حكماً كاشفاً وجه الحق وعنواناً للحقيقة مهما كان.

■ بعدها استيقظت الحكومة فجأة وبعد نحو ثمانية أشهر ويزيد على توقيع الاتفاقية.. لتناقشها فى مجلس الوزراء يوم الخميس الماضى من العام الجارى 2 يناير.. وبعدها يصدر مجلس الوزراء قراراً بإحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب.. لمناقشتها.. والتصديق عليها.. ومازال مجلس النواب يجمع الخلاف بين مناقشتها أو المعارضة فى مناقشتها أو إرجائها بعد صدور الحكم على مدى سلامة الاتفاقية أو بطلانها!! فازداد الأمر تعقيداً وتشكيكاً!!

■ وصار المشهد على هذا النحو مرتبكاً فى أمر من الأمور المتعلقة بالسيادة المصرية وترسيم الحدود بينها وبين شقيقتها المملكة العربية السعودية، وأصبح الموضوع الواحد على أهميته القصوى من الناحية الدستورية والسياسية بالنسبة لحدود الدولة.. أو علاقتها بغيرها من الأشقاء، أصبح دمه متفرقاً بين سلطات الدولة «القضائية.. والتنفيذية.. والتشريعية» وفى حالة من التصادم بينها.. والرأى العام يترقب منذهشاً مما جرى.. ومما سوف يجرى بعدها.

■ ومن المؤكد أن صورة هذا المشهد الغريب لم تأت فجأة بين يوم وليلة.. كما أنها لم تحدث تحت شعار «أمرنا بما آت».. وإنما كانت هناك الآراء.. والنصائح.. والاقتراحات.. بين الخبراء والمتطوعين وغيرهم.. وفى الخفاء والعلن.. لكن النتائج صارت ظاهرة والأخطاء كانت متلاحقة.. وقد أتت بما لا تشتهى السفن.. فمن كان مع من أو ضد من.. ومن كان وراء هذا المشهد المرتبك والذى ساهم فى تصاعد التصادم والإرباكات.. فى كل خطوة جرت وأطلت على الرأى العام.

■ ومن المؤكد أيضاً.. أن مثل هذا الموضوع لا يقبل بطبيعته خلافاً أو اجتهاداً. لأنه بطبيعته يستند إلى مراجع وأساسيات علمية تجمع بين علوم التاريخ.. والعلوم العسكرية.. والقوانين الدولية.. وما هو معروف عند رفع علم الدولة.. أما أن يكون ذلك إثباتاً للسيادة لصاحبة العلم.. فتكون الحدود ملكاً للدولة.. أو أن يكون رفع العلم للحماية، لحساب ونيابة عن دولة أخرى، عندئذ تكون الأرض على ملك الدولة التى طلبت الحماية، وهى كلها تحتاج إلى وثائق ومستندات لا تقبل الجدل أو الخلاف.. ومع ذلك دب الخلاف فى هذه القضية وهو خلاف أفسد الود وأشعل الفتن، سواء بين الدولتين الشقيقتين أو بين أبناء الوطن الواحد أو بين السلطات المتعددة فى الدولة الواحدة، وأصبح الأمر ظاهراً للعيان.. على مشهد أمام الجميع يبحث عن الفاعل أو حتى عن المفعول به لهذا المشهد الغريب.

■ ولو كنت مكان الرئيس.. لاستعدت وقائع المشهد منذ بدايته وراجعت كل ما قيل، ومن قال.. ومن دافع. ومن سكت.. وأين ذهب هؤلاء جميعاً.. فلم نسمع خبيراً مدافعاً.. ولم نسمع خبيراً شاهداً ومؤيداً.. بالعلم والخبرة والمعرفة.. وكانت النتيجة ما نحن فيه، بين موقف الحكومة وأحكام القضاء.. ومجلس النواب، الكل يتصادم وينتاقض، فمن أخطأ ومن أصاب.. فلا أحد فوق الحساب.. ويبقى للرئيس الحق فى مراجعة المشهد.. والإعلان عن الحقائق والأخطاء.. لأنه لا أحد فوق الحساب.. خاصة.. وأن ما يحدث هنا.. قد يحدث فى مشاهد أخرى ثانية.. أو ثالثة.. تسبب ذات الارتباك.. ويظل تقييم الأعمال بنتائجها.. حتى ولو كانت الأمور بمقاصدها.. لأن إدارة الدولة مسؤولية الجميع.. والنتائج متعدية تصيب الجميع.. وعلينا أن نعلم من أساء.. ومن أحسن.. وهو حق الرأى العام فى المعرفة.. لأن السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر كل السلطات، وقبل هذا وذلك يحمى الوطن من كل سوء!.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار