تقرير خاص : أطفال ونساء يمتهنون التسول في غزة رغم تجريمه قانوناً

تابعنا على:   14:57 2017-01-12

أمد/ غزة- أنسام القطاع : ينتشرون في الأماكن العامة التي تعرف اكتظاظًا بالمواطنين وفي الأسواق الشعبية وأمام المحال التجارية والبنوك وفي مفترقات الطرق، فلا تكاد تخلو الشوارع  منهم ، يستعطفونك ويتوسلون إليك بمختلف الطرق لتعطيهم بعض النقود .

بعضهم قد يستحق الصدقة والبعض الأخر قد يأخذها مهنة من أجل الاسترزاق وليس حاجة حتى أصبحت حرفة لديهم يتقونها بمهارة   .

ويعتبر التسول ظاهرة اجتماعية خطيرة تفشت في المجتمع الغزي بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ، في وقت يعيش القطاع  فقرا مدقعا جراء الحصار  الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي عليه منذ أكثر من عشرة سنوات، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية  و زيادة عدد الخرجين وقلة فرص العمل المتاحة .

تدهور الأوضاع

أحمد (11عاما)  متسول يجلس بالقرب من أحد المحلات التجارية في منطقة الرمال، يؤكد أن أوضاعه المعيشية الصعبة هي التي دفعته إلى التسول ومد يده إلى الناس ، فوالده مقعد  على كرسي متحرك لا يستطيع أن يعيل أسرته وهو الابن البكر، ولم يتسنى لـ (أمد)التأكد من صدق المعلومات التي ادلى بها أحمد .

أما سميرة (اسم مستعار)  تجلس على كرسي متحرك تأتي من المنطقة الوسطى خصيصًا للتسول تقول لـ (أمد) :" أن حاجتها لشراء الدواء والعلاج هي التي دفعتها للتسول فالشؤون الاجتماعية لا تكفي لسد احتياجاتها ، والأوضاع المادية لأبنائها سيئة جدًا ، ولا تريد أن تحملهم عبئها .

وبالبحث والتحري عنها تبين انها تعود لـ (النور ) الذين يقطنون في منطقة عباد الرحمن شمال مدينة غزة .ويتخذون من التسول مهنة لهم  .

وبالقرب من البنك العربي في منطقة الرمال بغزة ، اعتادت أمل طفلة لم تتجاوز الحادية عشر من عمرها ، ملاحقة المارة من الشارع خاصة من مرتادي البنك ، أمل التي ترتدي عباءة طويلة وغطاء رأس تلح في طلب المال من المارة سواء كانوا رجالا او نساء ، في محاولة لجمع أكبر قدر من المال  لتعود به الى اسرتها نهاية اليوم .

يقول صاحب سوبر ماركت بالقرب من المكان لـ( أمد ) ان الطفلة تحضر للمكان بشكل يومي ، مع والدتها التي تتركها في المكان وتؤكد عليها الا تعود الى المنزل قبل ان تجمع مئتي شيكل . مؤكدا ان مثل هذه المرأة تتاجر بطفولة ابنتها .

الحرمان من الطفولة

تقول سمر قويدر الأخصائية النفسية  في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات لـ(أمد): " التسول من المظاهر الاجتماعية التي أصبحت تزداد يومًا بعد يوم نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية ،خاصة بين الأطفال والنساء يتجولون في الشوارع وعلى الأرصفة فمنهم من يطلب المال ومنهم من يحمل بعض الحلوى والمناديل ليبيعها ويلح عليك بالشراء فهذا نوع أخر من أنواع  التسول المقنع ".

تكمل قويدر " لتلك الظاهرة آثار نفسية واجتماعية وصحية سلبية على الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية والحماية، وتؤدي في المستقبل إلى شعور الطفل بالدونية فهو يتلقى الإهانة من قبل الأشخاص الأخرين ، إضافة إلى اكتساب السلوك العدواني وحرمانه من حقه الطبيعي في اللعب والتعليم ومشاركة الأطفال الأخرين الأنشطة المحببة لهم والتي تساعد في نموهم العقلي  والانفعالي ".

تنوه قويدر إلى أن الطفل يكون ضحية وعرضة  للتحرش الجنسي واستغلاله في تجارة المخدرات وغيرها من المخاطر التي يتعرض لها المتسول، فيضيع مستقبله ويحرم من طفلته الطبيعية.

كسب غير مشروع

من جهتها زكية كريم المحامية لدى نقابة المحامين  تقول "  جرم قانون العقوبات الفلسطيني التسول، حيث اعتبر التسول شكلاً من أشكال الكسب غير المشروع، حيث جاء في الفقرة (ب) من المادة (193) من استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعاً إلى ذلك بعرض جروحه أو عاهة فيه أو بأية وسيلة أخرى، سواء أكان متجولاً أم جالساً في محل عام، أو وجد يقود ولداً دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك، كما وحدد لها عقوبة متدنية وغير رادعة وهي الحبس لمدة شهر في المرة الأولى، وفي حالات تكرار السلوك، يحكم عليه بالسجن لمدة سنة".

وتكمل كريم لـ(أمد) :" ترجح معظم الدراسات أسباب تزايد ظاهرة التسول في مجتمعنا إلى مجموعة من الأسباب منها تزايد معدلات الفقر والبطالة وتدني مستوى دخل الفرد، إضافة إلى الكسل والخمول وعدم حب العمل من قبل المتسولين خاصة الشباب منهم والقادرين جسمانياً على العمل، وغياب التوجيه والإرشاد الأسري والعناية والرعاية من قبل الأسرة ،والقصور في تطبيق النص القانوني وغياب دور الدولة في متابعة ورعاية هذه الفئة مما أدى إلى تزايد أعدادهم وإيجاد مصدر رزق بديل لهم".

وبدوره أكد رئيس قسم مراقبة السلوك والقائم بأعمال مدير دائرة الدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية في غزة معتز دغمش خلال ورشة عمل نظمتها نقابة المحامين ضمن أنشطة حملتها لمكافحة ظاهرة التسول على  أهمية دور مؤسسات الدولة في مساعدة فئة المتسولين ومعالجة الظاهرة ، موضحًا أن وزارتهم قامت سابقاً بحملة لمكافحة ظاهرة التسول.

 وأطلع دغمش الحاضرين على  من يستفسد من رواتب ومعاشات وزارة الشؤون الاجتماعية وكان عددهم يزيد عن 80 % ، منوهًا أن الكثير منهم يتخذ من التسول مهنة له لا حاجة ، والوزارة  بصدد إطلاق حملة أخرى في بداية العام الجديد.

حملة توعوية

هذا وتنفذ نقابة المحامين الفلسطينيين بغزة  حملة توعوية لمكافحة التسول  "معاً لمكافحة التسول" ضمن مشروع محامون من أجل العدالة والإصلاح القانوني، وتأتي هذه الحملة انطلاقاً من الدور المحوري للنقابة حيث تقوم بدور ريادي في التصدي لكل الظواهر السلبية والخطيرة التي تشوه صورة مجتمعنا .

 حيث أخذت على عاتقها توعية وتثقيف المجتمع بمخاطر الظاهرة خاصة على الأطفال سواء الذكور أو الإناث منهم وعدم المساهمة في دعمهم وذلك للحد من انتشار هذه الظاهرة على اعتبار أنها غير حضارية وتسيء إلى المجتمع وأفراده ، إضافة إلى تسليط الضوء على هذه الفئة للفت نظر الدولة ومؤسساتها إليهم والقيام بدورها.

اخر الأخبار