هل انتهت «المؤامرة» على مصر؟

تابعنا على:   08:44 2017-01-13

نادين عبدالله

أكدت فى الأيام القليلة الماضية٬ عدد غير قليل من المجلات الاقتصادية العالمية المتخصصة أن مصر فى المسار الصحيح اقتصاديًا. فمثلا مجلة «الإكونوميست» البريطانية٬ التى كانت قد قدمت٬ فى بداية أغسطس الماضى٬ نقدًا لاذعًا للأوضاع الاقتصادية والسياسية٬ عادت لتؤكد٬ مؤخرًا٬ أن مصر أصبحت من أفضل اثنتى عشرة وجهة استثمارية فى العالم خلال عام 2017، كما توقعت تحسن أداء الجنيه المصرى خلال نفس العام. وفى الاتجاه نفسه، نشرت٬ مؤخرًا٬ مجلة «بلومبرج» الأمريكية تقريرًا أشارت فيه إلى أن عام 2017 هو العام المناسب لزيارة مصر سياحيًا٬ هذا مع العلم بأن نفس المجلة كانت قد نشرت مقالة فى منتصف أغسطس الماضى تنتقد٬ فيها أيضًا بقسوة بالغة٬ سياسات الحكومة المصرية. وبشكل مبالغ فيه٬ تحول الجدل حول هذه التقارير العالمية الناقدة إلى مناقشات موسعة حول نظريات «المؤامرة الكونية»! فأغلب وسائل الإعلام تنافست للحديِث عما سموه «مؤامرة دولية» تهدد مصر٬ وتعرقل إنجازاتها! وبدلا من أن تفكر الحكومة المصرية فى التعاطى العلمى مع ما جاء فى هذه التقارير (من دون التسليم بالضرورة بكل ما جاء فيها) تعاملت معه من منطلق تآمرى٬ فأراحت نفسها٬ واستراحت. فما الذى حدث اليوم إذن؟ هل انتهت المؤامرة المزعومة٬ واختفى المتآمرون؟

للأسف صياغة نقد المجلات العالمية للأداء الاقتصادى والسياسى فى مصر٬ بهذا الشكل٬ يعكس الكثير من الإفلاس السياسى والإعلامى. وعلى العكس٬ التسليم بمحتوى هذه التقارير٬ وكأن كاتبيها هم خبراء محايدون٬ يبغون خير الإنسانية فحسب٬ من دون أن تكون لهم توجهات اقتصادية أو سياسية٬ هو أمر ببساطة ساذج. فالحقيقة هى أن هذه المجلات المرتبطة بدوائر الاقتصاد والبيزنس العالمية حين تنتقد مصر٬ لا تعبر عن حالة تآمر دولى عليها٬ وهى حين تحييها٬ لا تعكس أى حالة محاباة عالمية لمصر. كل ما فى الأمر هو أن هذه التقارير تعبر من ناحية٬ عن مصالح رأس المالى العالمى ودوائر الاقتصاد العالمية الغربية٬ وهى تعكس من ناحية أخرى٬ الإطار الفكرى الحاكم لهذه الأخيرة٬ والذى ينطلق من رؤية حاكمة تربط بين الحريات السياسية والانفتاح الاقتصادى٬ وبين الإصلاحات البيروقراطية والقانونية والمالية وبين جذب الاستثمار (وربما السياحة). ومن ثم فإنه ليس غريبًا أن تنتقد هذه المجلات الدولية المتخصصة تباطؤ الحكومة المصرية فى إقرار ما تعتبره من جهة٬ إصلاحًا قائمًا٬ على مزيد من إجراءات التحرير الاقتصادى (تحرير الجنيه وتفكيك منظومة الدعم) ومرتكزًا من جهة أخرى٬ على مزيد من الإصلاحات البيروقراطية (قانون الخدمة المدنية كمثال). وعلى نفس المنوال٬ ليس مدهشًا على الإطلاق أن تمتدح هذه التقارير القرارات الحكومية بتفكيك منظومة الدعم٬ وترجع٬ بحماسة٬ ارتفاع جاذبية مصر الاستثمارية إلى قرار تحرير سعر الصرف.

وعلى كل٬ إذا كان هذا هو أمرها٬ وهذه هى الأجندة الحاكمة لتحليلاتها ومصالحها٬ فماذا علينا نحن؟ كيف اتخذت الدولة المصرية قراراتها فى ضوء هذه المعطيات الخارجية٬ وفى ضوء الأزمة الاقتصادية الداخلية٬ وما هى خطتها المستقبلية؟ ليس من المنطقى التحجج بالمؤامرة٬ ورفض التفاعل مع المنظومة الاقتصادية العالمية وكأنك فى زمن غير الزمن٬ كما أنه ليس من المطلوب قبول جميع «الروشتات» الآتية من المؤسسات الدولية الاقتصادية وكأنها أمر أو قدر. إنما وجب على الدولة فى مصر الإصرار على الاشتباك بشكل نقدى مع هذه المصالح العالمية٬ بحيث توظف المفيد منها لصالحها٬ وترفض ما تراه- لأسباب علمية ومدروسة- غير منطقى أو ضارا للمصريين.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار