«حماس» وأزمة القضية الفلسطينية (٢)

تابعنا على:   14:16 2017-01-22

د.عماد جاد

نجحت الانتفاضة الأولى، التى انطلقت فى ٨ ديسمبر ١٩٨٧، فى تغيير قواعد اللعبة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وأصبحت إسرائيل أكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع، وكانت نتيجة توقيع اتفاقية أوسلو فى سبتمبر ١٩٩٣ أن انسحبت إسرائيل بموجبها من قطاع غزة ومدينة أريحا فى مرحلة أولى تليها مراحل انسحابات متتالية. هنا بدأت حركة «حماس» تنفذ عمليات انتحارية فى قلب إسرائيل فى محاولة لوقف مسار التسوية السياسية، وكانت كلما تقدمت المفاوضات، تقدم على عمليات انتحارية لوقف التقدم، كانت تقول إن التسوية السياسية تنازل وانهزامية، كانت تقول إن فلسطين من البحر إلى النهر أرض وقف إسلامى لا يجوز التفريط فى شبر منها، رفضت مسار التسوية ومسيرة أوسلو، رفضت المشاركة فى الانتخابات البرلمانية التى جرت عام ١٩٩٦ فى الأراضى الفلسطينية، ومن بينها القدس الشرقية، بحجة أن الانتخابات تأتى وفق مسار أوسلو الذى ترفضه الحركة وتعتبره استسلاماً. هاجمت الحركة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، واعتبرته خائناً. ثم فجأة قررت الحركة دخول الانتخابات المحلية التى جرت فى الأراضى الفلسطينية عام ٢٠٠٥، مؤكدة أنه لا يعد اعترافاً بأوسلو عكس التشريعية، وأنها خاضت الانتخابات المحلية من أجل خدمة الشعب الفلسطينى، وفى ٢٠٠٦ قررت الحركة خوض الانتخابات التشريعية التى كانت ترفضها وتقول إنها مبنية على اتفاق أوسلو، ومن ثم فهى خيانة، خاضت الانتخابات التشريعية وحصلت على الأغلبية وقبلت الدخول فى حكومة وحدة وطنية مع حركة «فتح»، ثم قررت الانفراد بقطاع غزة فأقدمت على طرد عناصر السلطة الوطنية من القطاع وقررت إقامة إمارة إسلامية هناك كمقدمة للسيطرة على باقى أرض فلسطين. نكّلت عناصر «حماس» المسلحة بممثلى السلطة الوطنية وبأهل القطاع من غير أعضاء الحركة.

حاولت اختبار إسرائيل فى ديسمبر ٢٠٠٨، فشنت الأخيرة عدواناً شاملاً على القطاع دمّرت من خلاله البنية التحتية وقتلت المئات من المدنيين إلى أن تم التوصل إلى تهدئة فى يناير ٢٠٠٩، وهى عبارة عن تعهد متبادل بعدم استخدام السلاح. وفى يوليو ٢٠٠٩ أعلن رئيس المكتب السياسى للحركة، خالد مشعل، من دمشق، قبوله بدولة فلسطينية على حدود ما قبل الخامس من يونيو ١٩٦٧، أى قبوله بأساس اتفاق أوسلو الذى سبق وخرّبته الحركة عشرات المرات.

انفردت الحركة بقطاع غزة ومارست أبشع أساليب التعذيب والترويع، حوّلت القطاع إلى مصيدة لأهله، فقد كانت تجر إسرائيل لشن عدوان على القطاع لحسابات تتعلق بالضغط على مصر لفتح معبر رفح أو للحصول على اعتراف دولى بالحركة، وكانت قيادات الحركة تنزل تحت الأرض، وكان أهل القطاع يتعرضون للعدوان الإسرائيلى فتهدّم منازلهم ويقتل أبناؤهم، جرى ذلك فى نوفمبر ٢٠١٢ وتم تجديد التهدئة، وتكرر المشهد مرة ثالثة فى يوليو ٢٠١٤.

وعندما فازت جماعة الإخوان المسلمين (الجماعة الأم) بأكثرية مقاعد البرلمان المصرى، وفاز «مرسى» فى الانتخابات الرئاسية، أوقفت الحركة، بتعليمات مباشرة من مكتب الإرشاد، كافة أشكال المقاومة وتفرّغت لحصد ثمار النصر السياسى للجماعة. وما إن بدأت بوادر ثورة الثلاثين من يونيو حتى استعانت الجماعة بمسلحى «حماس» للقيام بكل ما هو مطلوب لردع المصريين، أتوا بمسلحى «حماس» إلى اعتصامى رابعة والنهضة، ومع الإطاحة بحكم المرشد والجماعة فى مصر أعلنت الحركة عداءها للنظام المصرى الجديد، وسيّرت قواتها على الحدود مع مصر واستعرضت قواها وباتت جزءاً من حلف معادٍ لمصر يضم تركيا وقطر.

خلاصة القول إن حركة «حماس»، وهى فرع لجماعة الإخوان، أضرّت كثيراً بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطينى وعطّلت تسوية سياسية بعد أوسلو ١٩٩٣ عبر القيام بعمليات انتحارية، ولأنها الفرع الفلسطينى للجماعة، فهى تؤمن بفكر الجماعة القائل بأن الوطن ما هو إلا حفنة من التراب العفن، وأن مصلحة التنظيم والجماعة تتقدم على مصالح الوطن، ومن ثم فهذه الحركة تعد مسئولاً رئيسياً عن أزمة القضية الفلسطينية وعن مأساة الشعب الفلسطينى بصفة عامة وأهل القطاع بصفة خاصة.

فلأسباب تتعلق بفكر جماعة الإخوان ومخططها، عرقلت الحركة عملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية وحوّلت قطاع غزة إلى سجن كبير محاصر، وأهله رهائن لديها يدفعون ثمن حسابات الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان.

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار