ليبيا والمبادرات الإقليمية

تابعنا على:   10:02 2017-02-27

د. جبريل العبيدي

المبادرة الثلاثية بين الجزائر ومصر وتونس، التي أعلن على أنها تهدف أساساً لتسهيل الحوار بين الأطراف الليبية بشأن العملية السياسية، هل هي مبادرة لتسهيل حل أم تبادل أدوار مع الوساطة الدولية؟ خصوصاً أنها متزامنة مع تغريد كوبلر بأن «البعثة الأممية ستدعم إضافة أي تعديلات على الاتفاق السياسي، متى حصل إجماع بين الأطراف الليبية على ذلك»، رغم أنه غير مدعو كوسيط ضمن المبادرة الثلاثية، وهذا مستغرب أيضاً في كون المبادرة يروج لها على أنها «بديل» للوساطة الدولية، أم أنها محاولة تبادل أدوار وانتقال الملف الليبي بعد تدويله في محاولة لإعادته لمحيطه الإقليمي، في حين وجه نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف انتقادات للبعثة الأممية في ليبيا ورئيسها مارتن كوبلر، لـ«تفضيله أطرافاً معينة على حساب أخرى في ليبيا»، مضيفاً أن سياسة كوبلر في دعم الأطراف المسيطرة في طرابلس و«سلطة» الأمر الواقع على حساب شرعية مجلس النواب المنتخب من قبل جميع الليبيين، مما يعني استمرار تعثر التسوية السياسية، وتحول المبعوث الأممي إلى جزء من المشكلة وطرف في الأزمة.
المبادرة الثلاثية ستشكل حكومة يكون رئيسها مستقلاً، ووزراؤها ليس لديهم أي انتماءات حزبية، فيما تكون القيادة العليا للجيش لرئيس البرلمان، ولكنّ هناك أطرافاً تتخوف من أن يتحول الجهد التونسي، خصوصاً أن هناك تساهلا مع ميليشيات فجر ليبيا، مما شكل تخوفاً بأن المبادرة في الأصل تونسية و«غنوشية» بامتياز، لمجرد محاولة لإعادة تدوير جماعة تنظيم البنا وقطب، وخصوصاً أن الأطراف الليبية رفضت تدخل زعيم حزب النهضة في الشأن الليبي، بعدما أظهر انحيازه التام لصالح جماعة الإسلام السياسي الليبية، حيث زار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الجزائر والتقى بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكان الملف الليبي من أبرز محاور اللقاء بينهما، وسفر الغنوشي ولقاؤه بوتفليقة في الجزائر، يؤكد حجم الدور الذي يلعبه الغنوشي والتكهنات والشكوك حول مساره الحقيقي، فلا يمكن للمرء الاختباء خلف أصبعه، حتى إن ظن ذلك.
المبادرة لا تزال تراوح في محلها ولا تقدم يذكر فيها، وخصوصاً أن المبادرة يبدو أنها تستند إلى تفاهمات وتوافقات لا تزال بعيدة المنال حتى على مستوى جلوس الفرقاء والأطراف والتفاهم، كما أنها أيضا تستند إلى أن جسم «المجلس الرئاسي» طرف من الأطراف في حين هو مجرد مخرج لاتفاق الصخيرات، الذي فشل في التبلور في شكل اتفاق قابل للتطبيق، وهذا خلط كبير وخطأ قد يتسبب في فشل المبادرة الثلاثية، لأنها أشركت كيانات لم تكن موجودة عندما جلس الفرقاء في الصخيرات للتحاور برعاية الأمم المتحدة، وإن كان التأثير الدولي واضحاً من خلال تدخلات السفيرة الأميركية ديبورا جونس في حينها، مما تسبب في خلط للأوراق وبعثرتها وفرض جماعة الإسلام السياسي بشكل ملحوظ في لجنة الحوار أثناء فترة حكم أوباما - كلينتون الراعية لتنظيمات الإسلام السياسي وإعادة تدويرها كمشروع حكم في الشرق الأوسط، رغم الرفض الشعبي والمجتمعي لها، وخصوصاً جماعة تنظيم إخوان البنا وقطب.
المبادرة الثلاثية قد تكون فرصة حل، وإن كان منقوصاً لعدم نضج نقاط التوافق فيها، وتوفير أرضية مشتركة، لأنها تتعاطى مع «سلطة الأمر الواقع» كطرف مساوٍ للطرف الشرعي، مما يتسبب في حالة نكسة مجتمعية قبل أن تكون عثرة أمام نجاح المبادرة الثلاثية، بسبب جعل الميليشيات طرفاً وجزءاً من الحل، فلا يمكن القبول بالديمقراطية من قبل مغتصبيها، ولأن في ذلك إهانة لإرادة الليبيين.

عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار