تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة2014

تابعنا على:   15:00 2017-03-01

جمال أبو لاشين

تدور هذه الأيام تصريحات عدة للقادة العسكريين الإسرائيليين عن مسئوليات الحرب في غزة بعد تقرير مراقب الدولة يوسف شابيرا الذي اتهم فيه المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل بأنهما لم يكونا على مستوى التحدي الاستراتيجي الذي طرحته الحرب على غزة صيف 2014 واتهم صراحة نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع موشيه يعلون بإخفاء معلومات عن أعضاء الحكومة المصغرة(الكابينيت) وقت الحرب.

الامر الذي نفاه نتنياهو، ورغم ذلك هوجم بقوة من المعارضة والوزراء في الكابينيت وقتها وعلى رأسهم نفتالى بينيت الذي أكد ما جاء في التقرير. يعلون بدوره أثنى على نتنياهو ووصف الكابينيت وقت الحرب على غزة بأنه من أسوأ ما مر عليه لحد وصفهم بالتلاميذ.

الكاتب في صحيفة إسرائيل اليوم (تسفيكا فوغل) كتب يقول إسرائيل منذ العام 1967 لم تذق طعم النصر، ولم نشاهد عدواً يخضع، وعلينا ان ننتبه انه في تاريخ إسرائيل القصير لا يوجد مراقب واحد او لجنة للدولة انتصرت في الحرب واخضعت العدو فعملية غزة ليست من النوع الذي يجب ان تدرس في مدارسنا العسكرية نحن بحاجة لهيئة اركان جديدة لا تكتفى بالتفوق التكنولوجي بل يمكنها ان تقود جيش جاهز للانقضاض في منطقة مفتوحة والمطاردة في الانفاق.

هذا الحراك في اسرائي دعاني لاقتطاع جزء من دراسة كبيرة اعددتها ابان الحرب والتي تبحث في الخسائر من الجانبين، مع الإشارة ان إسرائيل ارتبكت اثناء الحرب وظهرت قيادتها السياسية والعسكرية في حالة ضعف بسبب حجم الضغوط الداخلية التي تعرضوا لها وعدم إمكانية تنفيذهم وعودهم لجمهورهم الذي بات لا يصدقهم.

لقد أدى عدوان إسرائيل على قطاع غزة لمدة 51 يوماً إلى دمار لا يمكن وصفه والى ارتفاع هائل في أعداد الشهداء والجرحى خصوصاً من المدنيين، وذلك بعد أن استخدم في عدوانه سياسة الأرض المحروقة التي هجر على أثرها قرابة نصف مليون مواطن من شمال وشرق قطاع غزة، هذه السياسة العدوانية أنتجت خسائر في الطرفين ولكن بفارق أن خسائر القطاع كانت كبيرة جدًا، والمؤشرات التالية تظهر حجم الخسائر في الجانبين، حيث لا تقارن الخسائر الفلسطينية بمثيلتها من الخسائر الإسرائيلية.

أولاً الخسائر الفلسطينية

مع وقف إطلاق النار يوم 26/8/2014 كانت الإحصاءات تتوالى للوقوف على حجم الخسائر الفلسطينية والتي قسمت كالتالي:

1-      الشهداء والجرحى / أكدت وزارة الصحة في غزة أن حصيلة العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة بلغت 2152 شهيداً، في حين أصدر المرصد الاورو متوسطي لحقوق الإنسان بالتعاون مع وكالة الصحافة الفلسطينية تقريراً عن الحرب وثقت فيها استشهاد 2147 مواطناً بينهم 530 طفلاً، و302 امرأة منهن 40 مسنة، أما نسبة الشهداء من المدنيين فقد بلغت 81% من إجمالي الشهداء.

أما الجرحى فقد بلغ عددهم 10870 جريحاً من بينهم ما نسبته 28% من الأطفال وعددهم 3303 جريح، هذا في حين أن ما يقارب الألف طفل سيعانون إعاقات دائمة بسبب الإصابة، بينما الجرحى من النساء فقد قدرت نسبتهم ب 19.3% من مجموع الجرحى بعدد يصل إلى 2101 امرأة.

هذا وقد استخدم الجيش الإسرائيلي ما مجموعه 8210 قذائف صاروخية من الجو، و18736 قذيفة بحرية من خلال القوات البحرية المرابضة على شواطئ غزة، و36718 قذيفة مدفعية من الدبابات الإسرائيلية المنتشرة على الحدود شرقي قطاع غزة.

وقد كان من بين الشهداء عدد من العاملين في قطاعات الخدمات والإعلام أثناء الحرب والعدوان على القطاع حيث استشهد 23 من موظفي الطواقم الطبية، و11 شهيد من موظفي وكالة الغوث، و10 من موظفي الاوقاف و16 صحفياً كانوا يغطون أحداث العدوان.

2-      المنشآت السكنية / تعمدت إسرائيل تدمير أحياء سكنية على الحدود الشرقية الشمالية من قطاع غزة والمحاذية للخط الأخضر، لتدفع سكان شرق غزة وكذلك شمالها لمنطقة غرب غزة حيث قدرت وكالة الغوث عدد النازحين في مراكز الإيواء، ولدى أقاربهم بحوالي نصف مليون نازح، وقد تركز التدمير في حي الشجاعية شرق غزة وغالبية المناطق المحاذية للخط الأخضر شرق القطاع وشمال وشرق بيت حانون، وفي بلدة خزاعة والزنة شرق خانيونس هذا بالإضافة لتدميرها أبراج سكنية في قطاع غزة وشردت سكانها.

مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السيد (راجي الصوراني) في مؤتمر صحفي يوم 25/8/2014 وصف ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي بسياسة قديمة جديدة عندما قصف منازل المواطنين ودمرها على رؤوس ساكنيها، وعندما دمر أحياء كاملة وشرد ما يقارب 540 ألفا ليصبحوا لاجئين في أكبر ظاهرة تهجير منذ العام 1948، ولفت إلى أن استهداف برج الظافر 4 بغزة ويقطنه 400 مواطن أصبحوا خلال دقائق بلا مأوى، وقصف عمارة زعرب بخانيونس يوم 23/8 وتدمير برج قصر الباشا، ومن ثم المجمع الايطالي بغزة فجر اليوم يعطي مؤشر أن الاحتلال سيتبع سياسة ونهج لتخويف المدنيين بعد عجزه عن قصف المقاومة.

أما أ. عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان فقد وصفه بالتطور النوعي للعمليات ضد المدنيين، والتي تعتبر بمثابة جرائم حرب، ويجب ملاحقة كل من أمر ومن نفذ هذه الجرائم، مشيرا أن الوقت الآن هو المناسب للتوقيع على ميثاق روما، وان أي تأخر بذلك غير مقبول وعلى الفلسطينيين أن يبدأوا الطريق بأنفسهم.

هذا وقد لجأت قوات الاحتلال إلى بث الإشاعات في صفوف سكان الأبراج الأخرى وأحياناً تحذيرهم لإحداث بلبلة وارتباك في الشارع، ولأن قطاع غزة لضيق مساحته يتوسع في العمران عموديا فهو مكتظ بالأبراج السكنية وهو ما استغله الإسرائيليون على غرار الضاحية الجنوبية، والتي تم تدمير غالبيتها في عدوان إسرائيل على لبنان 2006.

كان الاحتلال بضرب الأبراج لا يشرد المواطنين فحسب بل يضرب المكاتب الإدارية والإعلامية والإذاعية كما حدث في برج الباشا بغزة والمكون من 15 طابقاً باتت ركاماً على الأرض، وفي ذلك سحقت معدات صحفية باهظة الثمن، وبات العديد من الصحفيين بلا عمل.

وفي البرج الايطالي الذي يحوي عدا السكان العديد من المحال التجارية التي تضررت بالكامل بات عدد من التجار والعمال بلا عمل، لقد كان نهجاً متعدد الأبعاد يفقد فيه الإنسان في لحظة مسكنه، وعمله، وسنوات طويلة من عمره تذهب أدراج الرياح.

كانت التداعيات تشير إلى أنه لا مكان محصن في غزة ومن هرب من شرقها لغربها هرب مرة أخرى ليبحث عن ملاذ آمن لأسرته فالموت والدمار يلاحق المدنيين في مسافة 6كم هي عرض القطاع ولم يتبق إلا البحر أمامهم.

وقد أعلنت وزارة الأشغال عن تدمير 63000 وحدة سكنية منها 9800 دمرت بشكل كامل، و8000 بشكل جزئي بليغ، و46000 بشكل جزئي طفيف.

أما المرصد الأور ومتوسطي فقد تحدث عن 65632 منزلاً تم تدميرها منها 2465 تدميراً كاملاً، 14667 بشكل جزئي بليغ، 39500 بشكل جزئي.

ولكن مع اقتراب انتهاء الأمم المتحدة ومؤسسة الـ UNDP من حصر الأضرار فقد صرحت وكالة الغوث في 19/10/2014 أن عدد المنازل المدمرة بلغت 100000 منزل يقطنها حوالي 600 ألف مواطن، والأرقام لا زالت مرشحة للارتفاع أكثر مع قرب الانتهاء من عملية التقييم التي يقوم بها مهندسي الأونروا.

3-قطاع الصناعة والتجارة / أصدر الاتحاد العام للصناعات في غزة إحصاءات حول الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي بمختلف جوانبه، وفيه جاء أن عدد المنشآت المتضررة بلغت 560 منشأة صناعية هناك ما لا يقل عن 140 منها دمرت كلياً، والتي تتوزع كالتالي: 149 منشأة من قطاع الصناعات الإنشائية، و58 منشأة غذائية، و92 منشأة معدنية، و136 منشأة أخشاب، و22 منشأة كيماوية، و27 منشأة بلاستيكية، و29 منشأة ملابس ونسيج وجلود، و11 منشأة ورقية، و11منشأة تقليدية، و34منشأة ألمنيوم.

وقد أدى ذلك إلى تعطل 7812 عاملاً انضموا للبطالة المتزايدة في قطاع غزة، هذا فيما صرح اتحاد العمال في قطاع غزة أن عد العاطلين عن العمل ارتفع إلى 200 ألف عامل يعيلون 900 ألف نسمة، وأن العدوان الأخير لوحده رفع العاطلين عن العمل من 170 ألف عامل إلى 200 ألف عامل باتوا بلا مصدر للرزق.

4-القطاع الصحي / في تقدير للمجلس الاقتصادي للتنمية الإعمار (بكدار) فقد بلغ حجم خسائر القطاع الصحي أكثر من 90 مليون دولار أما ما تم تدميره حسب الناطق باسم وزارة الصحة فيوزع كالتالي: 36 سيارة إسعاف تم تدمير 4 منها كلياً والباقي جزئياً، 12 مستشفى أهلية وحكومية في قطاع غزة تم استهدافها بالقصف، و24 مركز للرعاية الأولية أيضاً استهدفت خلال العدوان هذا فيما حولت وزارة الصحة 530 مصاباً للعلاج في كل من مصر والضفة، وتركيا، وألمانيا، والأردن.

5-قطاع الزراعة والصيد / قصف الاحتلال ما يقارب 70% من الأراضي المزروعة بحجة وجود أنفاق أو منصات للصواريخ مما أدى لخسائر في القطاع الزراعي جراء تضرر مساحات كثيرة مزروعة، وعدد كبير من الأشجار إلى جانب البنية التحتية لعدد كبير من المزارع.

فيما قدر مكتب وزارة الزراعة في غزة إجمالي خسائر الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، والمصانع التي تستخدم المحاصيل الزراعية كمواد في التصنيع إلى نحو 780 مليون دولار، وقد منى الصيادين بخسائر فادحة لحقت بهم جراء توقفهم عن العمل، بعد تدمير ما يقارب 50 غرفة لهم، و55 قارباً بأحجام مختلفة.

6-قطاع التعليم / طال الدمار 142 مدرسة حكومية منها 23 تضررت بشكل بالغ ولم تعد صالحة للاستخدام خلال العام الدراسي 2014-2015، كما أن 76 من مدارس الأونروا تضررت أيضاً، مضافاً لهم 5مدارس خاصة، هذا فيما استهدفت ست جامعات في قطاع غزة وهي جامعة الأزهر وتضرر 3 مباني لها أحدها بشكل كامل، والجامعة الإسلامية وتضرر فيها مبنيين، والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية التي دمر بها بعض القاعات والمختبرات العلمية، والمكتبة المركزية، ومركز الحاسوب وقد قدرت بكدار خسائر التعليم بما يتجاوز 22 مليون دولار.

7- قطاع الطاقة / وقدرت خسائره بحوالي 54 مليون دولار موزعة بين شركة توزيع الكهرباء بخسارة قدرها 39 مليون دولار، ومحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع بخسارة 15 مليون دولار، وقد جاءت تلك الخسارة نتيجة لتدمير شبكات البنية التحتية، وتدمير مخازن الشركة بكل معداتها، وتدمير خزانات الوقود الرئيسية في محطة التوليد، وتدمير شبكة الوقود مما أدى لتقليص فترة الكهرباء الواصلة للسكان إلى 6 ساعات فقط في اليوم.

8- قطاع النقل والمواصلات/ وبلغت حوالي 30 مليون دولار موزعة كالتالي: تدمير 3550 مركبة للمواطنين في غزة، و160 مركبة حكومية 38 سيارة إسعاف ما بين تدمير كلى وجزئي ، هذا بالإضافة لبعض المرافق الحكومية.

9-قطاع الاتصالات/ حيث طالت الأضرار شركتي الاتصالات، وجوال، و10 شركات تزود خدمات الانترنتـ وقد تضررت 57 محطة لشركة جوال فيها 27 بشكل كامل، وقد قدرت خسائر الاتصالات حسب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بـ 35 مليون دولار.

10-قطاع السياحة والآثار/ فقد استهدفت 106 منشأة سياحية منها ما تعرض للتدمير الكامل مثل مدينة بيسان الترفيهية ومنتجع النورس، في حين تعرضت مساجد أثرية للقصف، كما تضرر 74 منزلاً أثرياً منها 4 دمرت بشكل كلى، و11 بشكل جزئي، و59 بأضرار جزئية وهذه المواقع والبيوت الأثرية منها ما يعود للعهد البيزنطي مثل الكنيسة البيزنطية بجباليا، وكنيسة أصلان في بيت لاهيا.

10-قطاع الأوقاف / أعلنت وزارة الأوقاف عن أن العدوان على غزة دمر 73 مسجداً بشكل كلي، و197 مسجداً بشكل جزئي، فيما استشهد 10 من موظفي الأوقاف. كما دمر الاحتلال 6 مقرات للجان الزكاة، واستهدف 13 مقبرة، وتدمير وتضرر 36 عقاراً وقفياً، وحافلتين للمدارس الشرعية، هذا وقد قدرت الأوقاف الخسائر بما يقارب 50مليون دولار.

كل هذا الدمار الذي ألحقه العدوان الإسرائيلي مهما قدرنا تكلفته فلا يمكن أن ترقى لحجم ما تعرض له قطاع غزة من عدوان، وما تعرض له السكان من خسارة بشرية ومادية، فقد بينت معطيات الجيش الإسرائيلي أنه أطلق على القطاع ألف قذيفة يومياً أي بمعدل 42 قذيفة كل ساعة، وهو ما يعادل أربعة أضعاف القوة المستخدمة ضد قطاع غزة في عدوانها عام 2008-2009 والتي أطلق عليها (الرصاص المصبوب)، مما نتج عنه إبادة 100 عائلة بالكامل، وفقدان آلاف الأطفال إحدى والديهم، وفي كثير من الأحيان الاثنين معاً ففي تصريح لسنان فلفل عضو مجلس إدارة (معهد الأيتام) الوحيد في قطاع غزة ، وهو غير حكومي أن المعهد الذي طاقته الاستيعابية 120 يتيماً بات يحتضن أكثر من 700 يتيم هذا في حين حذرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من مستقبل قاتم ينتظر 400 ألف طفل في غزة أصيبوا بصدمة جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

أما رامي عبده رئيس (المرصد الأور ومتوسطي لحقوق الإنسان) ومركزه جنيف صرح أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلفت آلاف الأيتام منهم 1800 يتيم جديد جراء الحرب الأخيرة انضموا إلى قائمة الأيتام في قطاع غزة وهذه ليست أرقام إنما آلاف من الأوجاع والجراح التي لا تشفى أبداً.

وفي حين أن الجانب الإنساني والنفسي في الحرب لا يمكن تقديره أو تعويضه إلا أن الإعمار بات حاجة ملحة يجب القيام بها للتخفيف من آثار الحرب العدوانية على قطاع غزة، وقد قدر اقتصاديون أن تكلفة الإعمار لوحدها تزيد عن الأربعة مليار، وهو رقم يقترب مما طرحته الحكومة الفلسطينية في مؤتمر إعادة الإعمار وهو 4.6 مليار وهذا كله يبقى أرقام تقريبية أمام حجم الدمار الذي يكتشف كل يوم في قطاع غزة.

ثانياً:/ الخسائر الإسرائيلية

المعلق العسكري في صحيفة هآرتس (امير أرون) وصف نتيجة الحرب بأنها انهيار، وقال: إن شعار نتنياهو الهدوء مقابل الهدوء هو هدوء مقابل الكذب متوقعاً حرباً أخرى، وأن حرب الخمسين يوماً تسببت بهزة لعقيدة الحرب الإسرائيلية لهذا طالب بإجراء فحص معمق لتلك العقيدة من اجل إنعاشها وترجمتها لخطوات سياسية، وأعمال عسكرية، وأضاف أن بنيامين نتنياهو سيحاول بذل الجهود الهائلة لتسويق نتيجة الحرب كنجاح لذلك أدعو لمحاسبته حول الحرب وحول الجنون المتعلق بإيران الذي بدد المليارات.

هذا فيما عبر عدد من رؤساء المستوطنات والمجالس الإقليمية في المنطقة الجنوبية ومستوطنات غلاف غزة عن خيبة أملهم من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مساء الثلاثاء في ظل تواصل سقوط صواريخ المقاومة على المدن والمستوطنات الإسرائيلية، وقالوا:" ليس من أجل هذا قضينا شهرين في الملاجئ".

رئيس بلدية عسقلان (ايتمار شمعوني) تحدث لصحيفة معاريف الإسرائيلية قائلاً: " التنازل لحماس والمقاومة هو استسلام، وسكان الجنوب أرادوا حسم في هذه الحرب، لكن يبدو أن ذلك لن يحصل، لقد أردنا رؤية المقاومة مهزومة لكننا رأينا إسرائيل تجري إلى طاولة المفاوضات في كل فرصة متاحة.

مضيفاً "ليس من أجل إنجاز كهذا فقدنا 64 مقاتلاً و4 مواطنين وليس من أجل إنجاز كهذا قضينا شهرين في الملاجئ، وتعرضنا لضربة اقتصادية، وانهارت مصالحنا التجارية فقد توقعنا إنجاز أكبر بكثير.

من جانبه قال رئيس المجلس الإقليمي حوف اشكلون (يائير فرجون): بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار لم يتوقف إطلاق الصواريخ، لا ينبغي أن نطمئن وعلينا البقاء متأهبين على الأقل في الأيام القريبة، على الحكومة أن تقوم بواجبها وعدم تمكين تنظيم إرهابي من تحقيق انجاز ذي معنى.

أما رئيس بلدية أسدود فقال:" إذا ما تواصل إطلاق النار لن نفتح السنة الدراسية فالأول من سبتمبر ليس تاريخاً مقدساً ويمكن فتح المدارس في موعد آخر".

هذا فيما صرح عدد من سكان الجنوب أنهم لن يعودوا لبيوتهم وسيواصلون في الوقت الراهن متابعة المستجدات، وقد نقل عن سكان كيبوتس نيريم قولهم : " خرجنا منذ أربعة أسابيع وجلنا البلاد وتلك أكثر صورة مرعبة نريها لأبنائنا، وننتظر تعليمات قيادة الكيبوتس، لكن في الوقت الراهن لا نرى سبباً للعودة.

أما الكاتب (نعوم تشومسكي) في مقاله المنشور على صفحات نيويورك تايمز بعنوان كابوس في قطاع غزة فقد قال: " وسط الأهداف كافة التي برزت خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يبدو هدف إسرائيل بسيط التهدئة مقابل التهدئة، وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، في حين المجرى الطبيعي للأمور في الضفة الغربية هو استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات بصورة غير شرعية لضم كل ما له قيمة لإسرائيل ، واحتجاز الفلسطينيين في كانتونات لإخضاعهم للقمع والعنف.

ويكمل أن قانون الولايات المتحدة الأمريكية ينص على أنه " لا يمكن تقديم مساعدة أمنية إلى أي بلد تقوم حكومته بخرق حقوق الإنسان المعترف بها دولياً بشكل مستمر، ولا شك أن إسرائيل مدمنة على انتهاج هذا النمط متسائلاً هل من الممكن أن تتغير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية؟ ويجيب أن هذا ليس مستحيلا فقد تغير الرأي العام بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولا سيما في صفوف الشباب.

موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي في معرض رده على موضوع الحسم العسكري يقول: إن مسألة الحسم العسكري تثير الاهتمام وتقتضي فحصها، فالحسم العسكري هو القدرة على تأدية الطرف الآخر إلى هدنة بحسب شروطك وهكذا رأينا المعادلة قبل العملية وبعدها، فقد أجبرنا حماس على هدنة بعكس طموحاتها وهذا انجاز دون شك، ويوجد حسم عسكري على الأرض بسبب الثمن الباهظ الذي دفعه القطاع، لدرجة أنهم سيفكرون مرتين قبل الاتجاه للتصعيد العسكري مرة أخرى، والأيام ستنبئنا بالردع الذي أحرزناه بعد العملية."

من جانب آخر أجرت القناة الثانية الإسرائيلية استطلاعاً للرأي بعد أسبوع من وقف إطلاق النار كانت نتيجته أن 30% من الإسرائيليين ينوون الهجرة من إسرائيل حال أتيحت لهم الفرصة، وأنه لم يعد ترك إسرائيل خيانة وطنية كما كان يوصف سابقاً بل فرصة أخرى للحياة بحيث أن 64% غيروا نظرتهم للهجرة.وقد أجرت القناة لقاءات مع إسرائيليين هاجروا إلى دول أوروبية أعربوا فيها عن سعادتهم بهجرتهم من إسرائيل.

فيما تطرقت القناة لأغنية عبرية جديدة بعنوان (برلين) تدعو للهجرة من إسرائيل إلى برلين بدلا من الهجرة اليهودية التي شهدتها برلين إبان الحرب العالمية الثانية فيما أفاد موقع (والا) الإخباري الإسرائيلي أن سبعة عائلات تستوطن في كيبوتس ناحل عوز المحاذي لقطاع غزة قررت بشكل نهائي مغادرة المنطقة بلا رجعة والانتقال للعيش في مناطق أكثر بعداً عن تهديد صواريخ المقاومة الفلسطينية.

أما رئيس الأركان (بيني غانتس) فقد وجه تعليماته للطواقم التي شكلت للتحقيق في العدوان على غزة بإنهاء عملها في غضون ثلاثة أشهر والتي ستتناول الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية كاستخدام القوات البرية لذخيرة أكثر مما هو متوقع، ودخول القوات ضمن مناطق مدى قذائف الهاون، واستخدام بعض المعدات القديمة في الجيش وخلافه داعيا لإنهاء التحقيقات بسرعة حيث سينهي رئيس الأركان مهام منصبه وهذا يعنى أن يخلف وراءه سجلاً نظيفاً

لا يمكن أن يكون هناك عدوان بدون خسارة للطرفين، لكن الخسارة الفلسطينية كطرف معتدي عليه نالت من كل أوجه حياته كما سبق وأسلفنا في رصد الخسائر، في حين أن الخسائر الإسرائيلية بغالبيتها ناتجة عن الضغط على اقتصادها طوال الحرب من ناحية الإنفاق العسكري، وزيادة الرواتب للجنود الاحتياط، وانخفاض مستوى الإنتاج، وتراجع الموسم السياحي، وتضرر في البنية التحتية لكنه لا يذكر مقارنة بالفلسطينيين، فإسرائيل تنفق 17% من موازنتها على الجيش، وهذا يمثل 7.7% من إجمالي الناتج القومي لديها وهي بذلك تتجاوز الإنفاق العسكري العالمي المقدر بحوالي 2.3% ، كما أن التجنيد لديها يتجاوز دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا بأضعاف مضاعفة حتى في ظل الحرب الباردة وهذا ما يسمى (بالكولونيالية الاقتصادية للكيان الصهيوني)، وهو مؤشر على أن إسرائيل بكل مكوناتها ليست في موقف يدفع لإنهاء الصراع بل كل هذا التسلح يظهر نيتها في مواصلة العدوان، وهو ما كبدها خسائر قدرها جهاز الأمن الداخلي لدى إسرائيل بحوالي تسعة مليار شيكل في كافة القطاعات والمنشآت والتي نوجزها بالتالي:

1- خسائر بشرية / حيث قتل 70 إسرائيلياً منهم 64 جندي ، و6 مدنيين أي بنسبة 91% إلى 9% على التوالي، وقد توزع الجنود حسب جنسياتهم إلى 57 جندي إسرائيلي، و2 جنود إسرائيليين أمريكيين ، وجنديين إسرائيليين بلجيكيين ، وجندي إسرائيلي فرنسي ، وجنديين غير معروفين إضافة إلى 720 جريح إسرائيلي.

2-قطاع الإسكان / وقد قدرت كأضرار لحقت بالسكان الذين أصيبت منازلهم بسقوط الصواريخ حيث تحدث رئيس اتحاد مقاولي الترميم (عيران سيب) عن 20 إصابة مباشرة للمباني في بئر السبع، وفي أسدود، وفي بلدات غلاف غزة وفي سديروت، وفي تل أبيب، كما أصيب 480 مبنى جراء الشظايا إصابات طفيفة، يضاف لذلك التأخير في تسليم الشقق السكنية لأن الحرب أفرغت مواقع البناء وبالتالي كل من لم يستلم شقته تم استئجار بيت له حتى تنتهي الحرب وبالمحصلة قدرت الأضرار بحوالي 60 مليون شيكل أي قرابة 17 مليون دولار.

3-قطاع السياحة / فكل موسم السياحة الوافدة والخارجة تضرر نتيجة إلغاء الحجوزات الحالية والمستقبلية، وهذا أدى لتراجع هذا القطاع بنسبة 27% من مساهمته في الناتج المحلي والذي يشكل 7% منه، وقد قدر الضرر بفرع السياحة بحوالي 2 مليار شيكل أى حوالي 540 مليون دولار.

4-القطاع الاقتصادي التجاري/ فحسب يوئيل نفيه كبير الاقتصاديين في وزارة المالية بإسرائيل أن الضرر الذي لحق بالإنتاج جراء الحرب على غزة تخطى 4.5 مليار شيكل أي أكثر من مليار ومائتي مليون دولار فقد أدى انخفاض مؤشرات البيع لكل السلع والخدمات مما دفع محافظ البنك المركزي الإسرائيلي (كارنيت فلوج) لخفض معدل الفائدة على الشيكل لمستويات ربع بالمائة وهو الأدنى منذ 12 عاماً.

5- القطاع العسكري / حيث قدرت خسائره أكثر من 11 مليار شيكل فتكلفة القبة الحديدية بلغت 3 مليارات شيكل ، وتكلفة الحرب 8 مليارات شيكل أي ما يساوي 3 مليار دولار إضافة إلى 300 مليون دولار رواتب لجنود الاحتياط الذين تم استدعائهم، وهو ما صرح به الأمن الداخلي الإسرائيلي وطالب بكل شيكل أنفقه في الحرب من وزارة المالية التي ردت أن كلفة الحرب على غزة من ناحيتها هي 4-5 مليار شيكل (الكلفة العسكرية) فقد استخدم الجيش في الحرب قنابل انتهى مفعولها، وجنود الاحتياط الذين جندوا كان يفترض أن يجندوا على أي حال ، إضافة إلى أن الميزانية المعتمدة للجيش تم إخراجها من كلفة الحرب وبات الجيش يطالب بها وبذلك هو يريد صرفها مرتين.

6-القطاع الزراعي/ وتتضمن أضرار بفعل الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية التي أفسدت الأرض في طريقها لقطاع غزة، وكذلك أضرار بفعل التعطل لنحو شهرين، وهو ما سيترك أثاراً في الشهور القادمة حيث لم يستطيعوا البذر أو الشتل أو السقاية حتى في الحالات التي تم فيها البذر أو الشتل وبذلك كانت الأضرار المباشرة والغير مباشرة حسب تقدير رئيس اتحاد الفلاحين (دوبي أميتاي) جراء العدوان على غزة ما بين 150 إلى 200 مليون شيكل أي حوالي 50 مليون دولار.

7-قطاع الإعلام والدعاية / حيث أدت الحرب لتقلص حجم الدعاية بنسبة 30% في بدايتها ولكن مع العدوان البري توقفت الحملات الدعائية تماماً عن العمل وبذلك سجلت خسائر جراء العدوان تقدر ب 150 مليون شيكل أي ما يوازي 40 مليون دولار.

لقد أدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الى خسارة بكل قطاعات العمل والإنتاج ، وقد جاء ذلك على خلفية رد المقاومة الفلسطينية على العدوان الإسرائيلي، ونزوح غالبية سكان غلاف القطاع إلى شماله وتراجع السياحة والصناعة والكثير من فروع الاقتصاد، وبذلك أمكن لنا أن نؤلمهم كما آلمونا

وحتى نكون منصفين أكثر لا بد من الإشارة إلى أن المقاومة الشعبية والنشاط السياسي للقيادة الفلسطينية تتوجا بما يعرف ب (حملة المقاطعة الشعبية الأوروبية) التي سبقت الحرب حيث انخفضت قيمة الصادرات الإسرائيلية لأوروبا بنسبة 11% فأوروبا وحدها كانت تستورد 37% من الإنتاج الإسرائيلي، وانخفض هذا الرقم لحوالي 26% لامتناع دول أوروبا خلال ثلاثة أعوام من الحملة من شراء منتجات مناطق الأغوار المحتلة، ومنتجات المستوطنات الإسرائيلية وبذلك خسرت إسرائيل قرابة 10 مليار دولار من مجموع صادراتها البالغة 40 مليار دولار لأوروبا.

لقد أدت تلك الخسائر أن يطالب الجيش بزيادة موازنته لهذا العام بقرابة 11 مليار شيكل ، بينما لبيد وزير المالية وافق على زيادة 2.5 مليار شيكل وانه بالإمكان أن يتم التوافق على ستة مليار شيكل مما أدى لخلاف أخذ مساحة في الإعلام ما بين لبيد، ونتنياهو مما فسره البعض أن الاثنين احتاجا تلك المعركة لترميم شخصية كل منهما، وما تآكل من شعبيتهما، الأول لأن الحرب غيبته عن ساحة الإعلام كوزير مالية ، والثاني ليمحو التخبط الذي عاشه على مدى 51 يوماً من عمر العدوان على القطاع، وبالتالي كان لابد للاثنين من استرداد زعامتهما المتآكلة.

العدوان على غزة والوحدة الفلسطينية

أعاد العدوان الإسرائيلي على غزة لأذهان الجميع أنه لا يمكن لنا العبور نحو الحرية إلا بالوحدة الوطنية، وأن تلك الحرب لم تكن تستهدف فصيلاً بعينه بقدر ما هي تستهدف إرادة الشعب الفلسطيني، وصموده وبالتالي تجسيده لدولته الفلسطينية، لذلك أجمع الكل الفلسطيني على برنامج سياسي واضح يخوضون به مرحلة ما بعد العدوان برنامج يعيد للقضية الفلسطينية عدالتها وأولويتها أمام المجتمعين العربي والدولي. وفيما كانت الفصائل تتقارب وتوجه بوصلتها نحو الصراع الأساسي مع المحتل، كان هناك من يعقد مؤتمرات خارج الوطن، تتحدث عن ضرب مشروع الإسلام السياسي، وعن عدم إمكانية إدارة القطاع بعقلية رام الله التي تنسق مع الاحتلال وأنه لا مستقبل للقطاع بعقلية أوسلو كما جاء على لسان د. محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة للدراسات في حلقة نقاش عقدت أثناء الحرب لبحث العدوان على غزة وانعكاساته المستقبلية.

وفي نفس حلقة النقاش تحدث محمد أكرم العدلوني (مدير عام مؤسسة الأفق بلبنان) على أن المستهدف هو رأس الإسلام السياسي، ورغم ذلك يقول إن الاحتلال فشل في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني والنيل من المصالحة.

وهو بذلك يتفق مع د. محسن صالح في موضوع الإسلام السياسي ويختلف معه في وصفه للسلطة الوطنية الفلسطينية.

أما أ. صقر أبو فخر الباحث والكاتب المتخصص بالشأن الفلسطيني فقد شدد على تمتين المصالحة وحكومة الوحدة وانه من دون الضفة والقطاع سنواجه صعوبة في الانجازات متحفظاً على كلام السابقين من المتحدثين بأن الإسلام السياسي المستهدف في هذه الحرب، فبرأيه أن (لا الأمريكيين، أو الأوروبيين) استهدفوا الإسلام السياسي، وإنما الإسلام السياسي هو الذي فشل.

أما د. حسين أبو النمل فقد رفض فكرة أن الهجوم كان محصوراً بالإسلاميين إذ صحبه هجوم على المسيحيين ورأى أنه يجب عدم تدنيس الثقافة وترويج مفاهيم مغالطة فالعدو يدير معركة خبيثة.

كما تحدث أن الوحدة الفلسطينية لا علاقة لها بالانتصار فلسنا أمام عملية عابرة وان الحرب انتهت قبل أن تبدأ لأن مسرح العمليات يعد قبل الحرب من خلال خرق البيئة السياسية.

هذا فيما أكد أ. جابر سليمان أن الوحدة الوطنية هي الأساس الذي سيبنى عليه للتحضير للمرحلة القادمة فهذه جولة وليست حرباً، مؤكداً على أننا في مرحلة انتقالية فلنستغلها.

كما أكد أ. رفعت شناعة على أهمية نجاح واستمرار المصالحة الوطنية، وأننا في المرحلة السابقة دفعنا ثمن الانقسام واليوم نقول أنجزنا المصالحة قد تعجب البعض، وقد لا تعجب البعض الآخر إلا أن المصالحة انتهت وطوت الانقسام الفلسطيني وفي هذه المرحلة نجحنا في كيفية التعاطي ( عسكرياً وسياسيا ً) وختم حديثه بأنه يراهن على الوحدة الوطنية الفلسطينية في وضع الاستراتيجيات والتطورات الاستراتيجية.

أما أ. صلاح صلاح فتحدث عن ضغوط سنتعرض لها في المراحل اللاحقة ولذلك يجب الحرص على الوحدة الوطنية، محذراً من الاستمرار في الحديث عن إدارتين الأمر الذي يكرس الانقسام.

أما أ. سهيل الناطور فقد تحدث عن هدنة وطنية لا وحدة وطنية فلا يوجد برنامج حقيقي للوحدة حالياً الموجود هو شكل وحدة يجب أن تعزز.

لقد أوردت ما سبق ذكره من نقاش وعصف فكري في المؤتمر باعتباره وثيقة تمتع المتحدثين فيها برؤية كل حسب توجهه، وثقافته السياسية، وخبراته المتراكمة، وقد كان الهدف الاطلاع على الحالة التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة الانقسام في المواقف العربية، بحيث بات التركيز على شكل من أشكال المقاومة دون غيرها في ظل الواقع العربي والدولي ضرباً من الهرطقة الفكرية أنتجتها مصالح حزبية وبذلك لن يستقيم الواقع السياسي الفلسطيني بالشكل الذي نلمسه وبالتأثيرات الخارجية التي سبق ورأيناها في تعدد المبادرات أثناء العدوان ، وبعوامل الشد الإقليمي التي أضعفت الموقف الفلسطيني، فالخلاف جائز ، بل و مطلوب في مسيرة العمل الوطني ، وهو ما يصب في النهاية للصالح العام أما الحديث عن مشروعين وطنيين، وعن إسلام سياسي فشل أو لم يفشل كله تغريد خارج السياق الهدف منه توسيع الفجوة بين فصائل العمل الوطني فإذا كنا اتفقنا منذ وثيقة الأسرى في العام 2006 على كل بنود العمل السياسي، وقررنا سوية مطلبنا بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 فأين بالتالي يصب المشروعان الوطنيان الذي يكثر الحديث عنهما ما داما حددا وبقية الفصائل الهدف الفلسطيني واتفقنا على تحقيقه، لذلك لا يوجد خلاف على الهدف إنما على الوسيلة وهذا أيضا تم الاتفاق بشأنه إذا لم الخلاف؟

باعتقادي أن مشروعنا السياسي برمته في أزمة، وسببها الواضح الافتقاد للعمل الجماعي، وروح الشراكة السياسية الأمر الذي أدى لفكر جديد على ساحتنا الفلسطينية وعملنا النضالي سخرت فيه الأقلام والصحف والإذاعات والفضائيات لحرب الأفكار والعقول وهذه الحرب وإن بدت ظاهرياً مواقف سياسية إلا أنها في العمق تخلق تناقضات رئيسية تقلل من الآخر وانجازاته وتاريخه، والأهم أنها تسعى لإزاحته، وهذا قمة الانكسار لمشروعنا السياسي، لذلك المحاولات المستمرة للعمل بنهج إلغاء الآخر أثبتت عقمها ونالت من الجميع بلا استثناء ، فليس هناك مقاومة بلا مفاوضات سياسية تحقق الأهداف وليس هناك مفاوضات سياسية للأبد، ودون الارتكاز على وسائل مقاومة .

لقد أثبتت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل معنية باستمرار

الانقسام، وليس استمراره فحسب بل والأخطر من ذلك يكمن في توظيفه، وتوظيف ما يحدث في عالمنا العربي، لذلك كان هناك عدة سيناريوهات محتملة للمصالحة ما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لها علاقة بما لمسه الجميع من انتعاش في مسار المصالحة والوحدة الوطنية بتشكيل وفد القاهرة المفاوض وهذه السيناريوهات تخضع لعلاقات الشد والتجاذب بين أكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية وهما حركتي فتح على اعتبار أن رئيسها هو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وحركة حماس على اعتبار سيطرتها على قطاع غزة والسيناريوهات تتمثل في التالي:

1-تفعيل مسار المصالحة والشراكة الوطنية والعمل على بناء حالة من التكامل بين طرفي الانقسام أو بين النهجين الوطنيين.

2-العودة إلى مرحلة الكيدية السياسية الفصائلية الضيقة باستثمار تداعيات العدوان على القطاع من الحاجة للإعمار، واستحقاقات المصالحة حيث لم تمكن حكومة الوفاق من العمل بحرية، وأزمة رواتب قطاع غزة كملفات ستثير على الأغلب أفخاخ في طريق الوحدة.

3-تزايد حالة الإحباط لدى قيادة السلطة والمنظمة من مسار التسوية، ومن ازدواجية رأس الهرم الفلسطيني بشكل يؤسس لواقع جديد قائم على تحميل الاحتلال لمسئولياته، وتركيز الفلسطينيين على النموذج المقاوم كوسيلة لحل الصراع.

ضمن تلك السيناريوهات لا زلنا نتأرجح من واحدة لأخرى ولنا نصيب من كل حالة فيها ، ورغم أن المطلوب والمأمول هو السير نحو السيناريو الأول إلا أن الطريق نحو تحقيقه يتطلب منا شجاعة أكبر ليس في مهاجمة بعضنا البعض إنما في التنازل الممكن والمطلوب لتفعيل مسار المصالحة والشراكة السياسية، وإذا كانت المقاومة الفلسطينية قد حققت انتصاراً محدوداً في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فهذا أدعى لها بأن تحوله عبر قيادتها السياسية إلى حالة تستثمر دولياً وهو ما لن يتم دون قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية الجهتان الشرعيتان اللتان تخاطبان العالم عبر علاقتهما الممتدة والمتشابكة مع العالم العربي، والمجتمع الدولي، وهو ما يعيدنا لوثيقة الأسرى والاتفاق على أن يكون قطاع غزة رافعة للعمل السياسي، والمقاوم وهذا يشمل باقي الفصائل وقوى العمل الوطني والتي جرى كثيراً تغييب دورها في الإعلام وطمس دورها المقاوم .

الخلاصـة

أثبت العدوان الهمجي والبربري على قطاع غزة لمدة 51 يوماً والمبيت أساساً من إسرائيل أنها ذهبت لأبعد مدى مستغلة نافذة الفرص الممكنة نتيجة دراستها للوضع الإقليمي وردود الفعل المحتملة، و كان هدفها المعلن تعطيل المصالحة وحكومة الوفاق الوطني، بينما هي تدخل الحرب وهي تضع تصوراتها لنتائجها مسبقاً ودليل ذلك ما رشح من دراسات عملت عليها مؤسسات الأمن القومي الإسرائيلي التي حذرت فيها من دمار غير مسبوق في قطاع غزة.

كما عبر العدوان عن مجتمع إسرائيلي مشحون بالعنف المتراكم حسب الفيلسوف (رينيه جيرارد) الذي يرى في تصدير العنف أمر حيوي من أجل المحافظة على الوحدة الداخلية والهوية وهو ما يُعطي هذا العنف الطهارة والشرعية الداخلية كونه موجه نحو ضحايا لا أسف على موتهم.

وهذا ما لمسناه من إسرائيل حكومة وشعباً طوال فترة العدوان، ومن تكراره ثلاث مرات في ستة سنوات، وهو إشارة لتحول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من صراع على الأرض إلى صراع عنصري تقوم فيه إسرائيل بانتهاك صريح وواضح لكل الأعراف الدولية، وقوانين حقوق الإنسان، ونتائج العدوان أثبتت بالقطع محو عائلات بأكملها من السجلات المدنية، وقتل للأطفال والنساء والشيوخ بلا أي مبرر.

لقد أدى التطرف اليميني المتصاعد في إسرائيل، وتأثيره القوي على النظام والمؤسسة العسكرية في إسرائيل بمنح الشرعية للحلول العسكرية، وبذلك وقعنا كفلسطينيين ضحية ممارسة إسرائيل للسياسة بطريق الحرب، وهذا يعني أن عملية السلام برمتها انهارت أمام تغول إسرائيل التي باتت تتصرف بلا شريك ومن طرف واحد، وبحكومة يمينية متطرفة عبرت عن مجتمع أكثر تطرفاً.

كما أن الأدهى والأمر في 51 يوماً من العدوان أن البيئة العربية المحيطة باتت أكثر تشرذماً وانقساماً بسبب ما تشهده من نزاعات داخلية ما أفقدنا بيئتنا الحاضنة وباتت مصطلحات الدول المعتدلة والممانعة من التاريخ لذلك وجدنا أن عنصر التأثير انتقل من البيئة العربية إلى البيئة غير العربية والممثلة في (إيران، وتركيا) ورغم أنه لم يعد تأثيراً طاغياً كما في السابق إلا أنه أثر على وجود مبادرات خصوصاً من قطر التي تعمل على شد العرب نحو تركيا النموذج القديم للدولة الإسلامية بعيداً عن قلب العروبة مصر وهنا وضع (النموذج القومي الحقيقي في صراع مع النموذج الإسلامي الذي يجرى صناعته) وهو رغم عدم تعارضه في العمق إلا أن التجاذبات حولت العلاقة بينهما إلى صراع تناحري وبالتالي اهتز الإقليم ككل وباتت الصراعات تزيده انقساماً كل يوم خصوصاً وأن النموذج الإسلامي بات له كثير من الممثلين فقطر وتركيا تدعمان الإخوان المسلمين، ومصر والسعودية تقفان على نقيض من النموذج الإسلامي الممثل في تركيا، بينما إيران تقف على نقيض من الجميع وتقترب وتبتعد منهما حسب مصالحها، لذلك يجب إدراك أنه لا يوجد نموذج إسلامي وان كان هو اليافطة التي رفعت وإنما صراع على قيادة الإقليم، وهو ما ندفع ثمنه كفلسطينيين، ودفعناه خلال الحرب من تغييرات في الحاضنة الطبيعية لقطاع غزة، والممثلة في مصر مما أطال مدة العدوان علينا وكان الثمن آلاف من الشهداء والجرحى والمنازل المدمرة.

وختاماً كان تجلي الوحدة الوطنية، والصمود الشعبي في أكثر صوره خلال الحرب مما أعطى إحساساً بالأمن للمواطنين رغم العدوان المتصاعد، وبعد انتهاء العدوان عادت الصورة القاتمة بالظهور من جديد ولم يعد المواطن المنكوب يلقى بالاً إذا ما اجتمع وفد فتح مع حركة حماس أو صرح المسئول فلان أو علان حول الوحدة وتعزيز المصالحة، وهذا مرجعه بالأساس إلى أن العدوان الخارجي أحدث تقارب جدي لبعض الوقت، وتوقف العدوان ، مع المشكلات الضخمة التي تركها خلفه أعادت عقارب الساعة للوراء، وعادت الأصوات المتشنجة تتعالى من جديد أمام كل مشكلة مهما كانت صغيرة وعادت صراعات الأفكار والأيديولوجيات تفعل فعلها من جديد، خصوصاً وأن الخارج بالذات البعيد عن واقعنا لا يزال يصر على الحديث عن برنامجين، وعن إسلام سياسي، وعن محاور إقليمية وهو ما أثر بنا سابقاً وسيبقى فعله مستمراً طالما أن هناك ممولين لسياسة المحاور والأجندات السياسية، وهو ما يؤكد لنا بالمطلق أن نظامنا السياسي في خطر، وأن وحدتنا في خطر، وهذا ما تريده إسرائيل بالضبط.

لذلك علينا تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بناءها لتبقى هي الحارس دوماً على مصالح شعبنا وتمثيله، وهذا يتطلب انضواء الفصائل التي خارجها تحت مظلتها، وتبقى الانتخابات المستحقة والمتوقع إجراءها هي الضامن الوحيد لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بعيداً عن المغردين خارج سربه، وإلا هي النهاية لكل البرامج السياسية التي تصطدم دوماً ببعضها البعض، فليبقى قرار الحرب والسلم قراراً وحدوياً كما يجب إعادة صياغة تحركنا السياسي عربياً ودولياً على قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) التي غابت عن حياتنا السياسية، ولتخضع كل مؤسساتنا الوطنية للمركزية الديمقراطية حيث تلتزم الأقلية بقرار الأغلبية، وتغليب ما هو وطني على ما هو حزبي وفصائلي كي نتمكن من مواجهة إسرائيل اليمينية العنصرية المتطرفة.

اخر الأخبار