العرب وترامب

تابعنا على:   09:46 2017-03-03

نبيل فهمي

منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا جديدا للولايات المتحدة والساحة السياسية الرسمية وغير الرسمية مليئة بالتقييمات السريعة لما هو قادم.

هناك ترحيب مبرر ومنطقي من الكثيرين من موقف ترامب الصريح ضد الإرهاب، خاصة مصر التي طالما حذرت من مخالب الإرهاب وطالبت بجهد دولي للقضاء عليه، ويجب أن يقلق من اعتبره داعما للإرهاب مثل إيران. ومن الطبيعي أن ينزعج كل من خصه ترامب بموقف سلبي، وهم كثيرون بما فيهم عدد من العرب والمؤسسات الأوروبية.

ويستند البعض في تقديراتهم المتفائلة جدا الي تصريحات ترامب الانتخابية، وهم في ذلك يتجاهلون ان المرشح الانتخابي أعلن الكثير من المواقف والنقيض منها خلال تلك الحملة وهو نفس ما فعله خلال الشهر الأول من إدارته، منها علي سبيل المثال عدم موافقته ثم موافقته علي سياسة الصين الواحدة. ويغفل هؤلاء أيضا أن شخصية الرئيس الأمريكي عنصر هام وإنما عنصر واحد فقط من منظومة اتخاذ القرار السياسي الأمريكي، والتي يؤثر فيها مستشارو الرئيس بالبيت الأبيض ووزارات وأجهزة أمريكية عديدة، مثل وزارتى الدفاع والخارجية والاستخبارات الأمريكية، فضلا عن الكونجرس الأمريكي.

ويدفع البعض الآخر في تشاؤمهم المفرط ان تصريحات ترامب الانتخابية وخلال أسابيعه الاولي تعكس تراجعا صارخا من السياسات والالتزامات الأمريكية، من الحلف الاطلنطي والاتحاد الاوروبي علي سبيل المثال. ويغفل هؤلاء مثل المجموعة الاولي ان الرئيس الامريكي وهو عنصر مهم وانما مجرد جزء من منظومة متكاملة لتحديد وتشكيل و تنفيذ السياسات الخارجية.ولقد رأينا وزير الدفاع الامريكي في جولة أسيوية لطمأنة اليابان علي الغطاء الامني الامريكي، واستمعنا لتصريحات وزير الدفاع حول أوروبا للتأكيد علي أهمية الحلف الاطلنطي، بما يختلف عن موقف المرشح الانتخابي دونالد ترامب. لكل هذه الاعتبارات، ونظرا لما نراه من اضطراب وتخبط في تشكيل الفريق السياسي للادارة الامريكية،من السابق لاوانه الانتهاء الي مواقف ترامب التفصيلية من القضايا المختلفة، او التسرع في الانتهاء الي خلاصات متفائلة او متشائمة لما هو قادم.

من المسلمات ان دونالد ترامب شخصية غير تقليدية، واعتقد انه لايمكن المبالغة في ذلك، فالاختلافات جوهرية، لقد أعلن الرئيس الأمريكى نفسه انه «مغير» أو «هادم للثوابت» Disruptive، وكان واضحا من خطابه يوم تنصيبه انه عاقد العزم علي إحداث تغيير سياسي في الولايات المتحدة، حينما أعلن انه سيعيد واشنطن - بمعني مؤسسات الدولة - الي الشعب الامريكي، ولم يفرق في هذا بين حزب المعارضة الديمقراطي أو حزبه الجمهوري صاحب الاغلبية في الكونجرس، وكان موقفا يتناقض تماما مع نهج كل الرؤساء الأمريكيين السابقين في تلك المناسبة، المفترض انها فرصة توظف للم الشمل بعد الانتخابات الرئيسية التي تمتد لأكثر من عامين وتشهد الكثير من النقد والتجريح.

من المفارقات و المستجدات ايضا تبني ترامب بقوة منظور «امريكا اولا»، وهو لا يتردد في تكرار الافصاح عن ذلك، علي خلاف رؤساء سابقين، الذين وضعوا المصالح الامريكية في اولي أولوياتهم، وانما في سياق«العالم وامريكا»، أو «امريكا كدولة رائدة في العالم». سنشهد تغييرا في عدد من السياسات الأمريكية، وسيضطر العالم التأقلم علي رئيس امريكي لا يتعامل مع نظرائه وفقا للممارسات السياسية النمطية، وما تم مع رئيس وزراء استراليا وإفصاح ترامب للاعلام عن تعنيفه لحليفه مثال صارخ لممارسات الرئيس الامريكي الجديد. من الواضح ايضا ان ترامب غير معني كثيرا بما يسمي بالصداقات التاريخية، أو يسعي للتوافق الايديولوجي بين الدول، وما يعنيه في الأساس هو التعامل مع الأطراف المؤثرة سلبيا او ايجابيا علي الاحداث ومن ثم علي المصلحة الامريكية. وستتعامل الولايات المتحدة مع الأطراف الفاعلة وستدفع بضرورة تحمل الحلفاء والأصدقاء المزيد من المسئولية الأمنية والمالية في مواجهة المشاكل والاضطرابات في المناطق المجاورة لها. أتابع تصريحات العالم العربي و للأسف أجدها مليئة بالمبالغات في التفاؤل و التشاؤم أيضا. يجب ان يشعر عرب الخليج ببعض القلق، لان ترامب ليس مقتنعا بقوة بأهمية العلاقات الأمريكية الخليجية علي غرار رؤساء سابقين منذ الرئيس روزفلت، مع هذا لا داعي للمبالغة في التشاؤم فلن ينسحب ترامب من الخليج العربي، وما يمكن توقعه هو تحميل الاشقاء بالخليج المزيد من المسؤلية والعبء المالي والعسكري والامني.

ومن حق العرب عامة و خاصة فلسطين الشعور بالقلق لان تصريحات ترامب تعكس انه غير ملتزم باسس مسار مفاوضات السلام الفلسطيني الاسرائيلي ، فالمساواة بين حل الدولتين واي حلول يتفق عليها هو في حد ذاته تراجعا، و تمييع الموقف الامريكي الضعيف اصلا من عدم مشروعيه التوسع الاستيطاني الاسرائيلي، يفتح الباب لجنوح اسرائيلي سريع لتغيير الوضع علي الارض، و هو ما شهدناه بالفعل منذ انتخاب ترامب، بما سيجعل من المستحيل اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة. ومن حق العرب الشعور «بالقلق والتطلع» في نفس الوقت من البرجماتية السياسية لترامب، وسعيه للتحاور مع روسيا حول سوريا، ما يقلقني غياب المشاركة العربية، فلم تحضر سوي الأردن وبصفة مراقب الجولة الثانية من اجتماعات أستانا حول سوريا.

من حق العرب الشعور «بالقلق والتطلع» مما طرحه ترامب حول تشكيل حلف عسكري شرق أوسطي، اذا كان حلفا يدخل أطراف ومصالح غير عربية في تحديد مستقبل العالم العربي بما فيها تركيا وإسرائيل، حتي تحت غطاء مكافحة الارهاب.

في نفس الوقت من حقنا التطلع الي مستقبل أفضل اذا كان ما يقصده ترامب دعم القدرات العسكرية العربية والتعاون فيما بينهما لمواجهة الإرهاب والمخاطر علي المصالح العربية.

من حق العرب والمسلمين الشعور بالتطلع والقلق مما طرحه ترامب حول دعم و مكافحة الارهاب، فتلك قضية محورية ووجودية، فالإرهاب سرطان في العالم العربي وعابر للقارات، لا يمكن التصدي له أو التعامل معه فقط من منظور وطني أو حتي اقليمي، وتوافق ودعم المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة واجب و ضرورة، لتوفير فرص النجاح،و توجه ترامب في هذا سليم وإن كان غير واضح حتي الآن الدور الأمريكي بالتحديد، ومدي وضعه مسئولية التصدي المباشر علي الأصدقاء في الشرق الأوسط وخاصة مصر والأردن. في نفس الوقت من الطبيعي أن يشعر المسلمون والعرب بالقلق من تجاوز الخطاب السياسي الامريكي أو الغربي حدود الإرهاب، وتغذيته لتيار الاسلاموفوبيا المنتشر في العالم الغربي بما في ذلك أوروبا علي وجه الخصوص. ومن الطبيعي ان تشعر عدد من الدول الخليجية العربية خاصة السعودية بالرضي وان تتطلع لموقف أمريكي قوي وإجراءات محددة في مواجهة ايه تجاوزات سياسية وأمنية من قبل ايران، حتى تتزن العلاقات الخليجية بين العرب وايران .

وفي سياق مواقف ترامب في التصدي للارهاب وإيران، ينتظر دعم الولايات المتحدة لاستقرار الأمور في كل من ليبيا و اليمن، وأن كان من السابق لأوانه وضع تصور لحجم و طبيعة الدعم الامريكي، والذي أرجح ان يكون داعما للجهد الاقليمي، وليس كطرف مبادر بشكل مباشر.

اعتقد أن أفضل وسيلة لمخاطبة او التعامل مع ترامب هي بدء بمراجعة الذات و مخاطبة الاشقاء بالعالم العربي، لايجاد افضل وأسرع سبل لدعم القدرة الذاتية والتعاون لاثبات ان العالم العربي علي طريق استعادة دوره و فاعليته في تحديد مستقبل المنطقة. فاذا لم يكن للعرب رؤية و دور فيما يخص عالمنا العربي و الشرق الاوسط، فلن تراعي الدول الكبري مصالحنا او تعتمد علينا الولايات المتحدة كانت او روسيا، خاصة في ظل ترامب و بوتين، اللذين يتبنيان ويمارسان سياسة السياسة الواقعية Real Politics. والذهاب الي ترامب بمطالب عربية مبنية علي صداقات قديمة او حقوق قانونية و تاريخية فقط لا جدوي او فائدة منه، رغم صحة الموقف العربي و مشروعيته. ويتطلع الكثير من العالم العربي لخروج القمه العربية القادمة بمواقف تتسق مع حجم التحديات بالمنطقة، وانما لا يتوقعون ذلك، نتيجة الانقسامات العربية، و خروج قمم سابقة بتصريحات كثيرة لم تترجم الي افعال.

شخصيا لست متفائلا كثيرا تجاه نتائج القمة، رغم ثقتي في الرغبة الأردنية الصادقة لانجاح الاجتماع، وتقديري انها فرصة مواتية لمصارحة النفس وتصحيح المسيرة العربية، فضلا عن مناسبة للبدء في رأب الصدع بين الأشقاء الكبار في الساحة العربية، واعني بذلك مصر والسعودية تحديدا، وبما يتجاوز لقاءات المجاملة.

وبكل صراحة اعتقد ان القمة يجب ان تتجاوز مسالة كيفية مخاطبة ترامب، و تركز علي المطلوب و سريعا لحماية الدول الوطنية العربية و من ثم الدور العربي الاقليمي، قبل أن يعاد تخطيط الشرق الأوسط وعالمنا العربي أمام أعيننا و نحن نقف مكتوفي الايدي، وهو ما أراه يجري في سياق ما يدور في الشرق، وتحديدا بالنسبة للأزمة السورية والساحة العراقية.

وأثق أن القمة العربية ستؤكد التمسك بحل الدولتين الفلسطينية الاسرائيلية، واعتقد انها مناسبة للتاكيد علي مبادرة السلام العربية كرسالة سلام عربية جامعة ولمصلحة الكل بما فيها اسرائيل، وهو هدف وطني وتطلع سليم.وانما المطلوب مؤكدين في نفس الوقت علي ان اقامة الدولة الفلسطينية و انهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي السورية بالجولان هو طريق السلام الشامل العربي الاسرائيلي والعلاقات الطبيعية بين العرب واسرائيل وفقا لمبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت في 2002 و ليس العكس.

ويجب ان تعطي القمة الاهتمام اللازم للوضع في ليبيا، لارتباطه بالامن القومي للدول المجاورة مصر وتونس والجزائر، فضلا عن تأثيره المباشر علي قضية الارهاب في العالم العربي عامة وشمال افريقيا وسيناء تحديدا، وسينتظر ترامب من القمة أو القادة العرب توضيحا لتصوراته من الحل ولاسهام دول عربية في ذلك، خاصة الدول المجاورة لكل نزاع اقليمي، وعلي رأسهم مصر والجزائر و تونس بالنسبة للساحة الليبية.

وأود ان اثني علي دور اللجنة المصرية المشتركة المعنية بالقضية الليبية، و كذلك المبادرة المصرية و الجزائرية و التونسية للم الشمل الليبي، و محاولاتها التوفيق بين الاطراف الليبية، واقترح استكمال مواقفنا بدعوة المجتمع الدولي الي تشكيل قوات دولية/ عربية/ افريقية لتأمين الحدود الليبية ضد المرور غير المشروع للافراد او الاسلحة وغير ذلك، بالتنسيق مع قوات مصرية تونسية جزائرية داخل حدوددول الجوار العربي، علي أن يرفع الحظر علي تسليح الجيش الليبي النظامي بالتوازي مع هذا، ويتم الاسراع في تدريب الكوادر الشرطية والأمنية لتمكين السلطات الليبية من فرض سيطرتها علي اللأراضي الليبية.

و ختاما اكرر تفرض علينا تحديات منطقتنا العربية وضع رؤية عربية والاتفاق علي اجراءات فيما بيننا لتقويم الامور و التصدي الي التحديات، و تفعيل دور العالم العربي هو الاساس قبل النظر الي الخارج، فضلا انه يدعم مركزنا و قيمتنا لدي الاطراف الشرق اوسطية و الدولية، بما فيهم الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب.

عن الاهرام

 

 

 

اخر الأخبار