لهذا يدافعون عن "الإخوان"

تابعنا على:   08:09 2017-03-14

حلمي النمنم

ليس من الصعب تبيّن وجود تيار سياسى، ليس هيناً فى عدد من بلاد الغرب، الولايات المتحدة وبريطانيا على الأخص، أن يساندوا بقوة جماعة الإخوان «الإرهابية»، ويجد هذا التيار مساندة فكرية وإعلامية فى عدد من الصحف الغربية، وفى مصر أفراد ومجموعات موازية، تتبع ذلك التيار، وتحذوه تماماً، وضغط هؤلاء بقوة، وتمثل ذلك فى إدارة «أوباما» للدفع بالجماعة إلى صدارة المشهد، وتولى حكم مصر، بعد ثورة 25 يناير، وها هم الآن يضغطون للحيلولة دون تحقيق ما ينادى به الرئيس ترامب باعتبار الإخوان «جماعة إرهابية»، أما عندنا فإن أتباعهم يستعملون حيلاً أخرى، أبرزها «أنا مش إخوانى، ولكن من حقهم أن يحكمونا..».

والحق أن الأمر لا يتعلق بالإدارة الأمريكية السابقة فقط، وإن كانت هى الأكثر فجاجة فى مساندة الجماعة، لكن إدارات أخرى كثيرة ساندت الإخوان، لنتذكر جيداً أن الرئيس الأمريكى، سنة 1953، استقبل فى المكتب البيضاوى، سعيد رمضان، القيادى بالجماعة وزوج ابنة حسن البنا، بينما لم يدع رئيس مصر وقتها، اللواء محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية، لزيارة الولايات المتحدة، ولا حتى فكر أن يتحدث معه ولو تليفونياً، هناك كذلك إدارة الرئيس جيمى كارتر، التى قدّمت الكثير لجماعة الإخوان وللإسلام السياسى فى المنطقة كلها، وليس فى مصر وحدها.

وفى ما يتعلق ببريطانيا، فالأمر جد مختلف، ذلك أن جماعة الإخوان فى الأصل صناعة شركة قناة السويس بالإسماعيلية، سنة 1929، حين كانت بريطانيا تسيطر عليها، وتسيطر على مصر كلها، وقدّمت إلى حسن البنا مبلغ خمسمائة جنيه، أسس بها جماعته، ولم تنقطع العلاقة أبداً، بين الطرفين؛ الوثائق البريطانية ذاتها تكشف ذلك.

وهنا يكون التساؤل منطقياً.. لماذا هذه المساندة عابرة الأجيال والحكومات؟ وكيف نفهم موقف ذلك التيار فى السياسة الغربية تجاه تلك الجماعة، منذ مؤسسها الإرهابى الأول «حسن البنا»، وحتى أشبالهم فى يومنا هذا..؟!

تاريخياً، انزعجت بريطانيا العظمى من ثورة الشعب المصرى سنة 1919، المطالبة بالجلاء والاستقلال التام، ولنتذكر مبادرة الرئيس الأمريكى ويلسون بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، سنة 1918، عن حق الشعوب التى وقعت تحت الاستعمار فى الاستقلال، ولما هب المصريون للمطالبة بالاستقلال، تراجع بوضوح تام وساند بريطانيا ضد المصريين؛ كان أقصى ما يمكن أن تقدمه بريطانيا لمصر، هو استقلال منقوص، على طريقة تصريح 28 فبراير 1922، أو كما أطلق عليه أحد الباحثين «الاحتلال الناعم»، لكن الاستقلال التام مرفوض، ولا بد من القول إن «الاحتلال الناعم» أو «السيادة المنقوصة» مبدأ ظل مطروحاً طوال الوقت، وعاد إلى الظهور مجدّداً بعد 11 سبتمبر 2001، وتمت تجربته فى العراق سنة 2003، ويجرى العمل على تجربته فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

انزعجت بريطانيا من الحركة الوطنية المصرية، ومن حزب الوفد، لذا تم اختراع جماعة الإخوان والإسلام السياسى، لتكون شوكة فى ظهر الحركة الوطنية والقومية، وهذا واضح فى الفكر الذى قامت عليه الجماعة.

كان موقف الحركة الوطنية المصرية، منذ الزعيم مصطفى كامل، وكذلك الحركات الوطنية العربية أن مشكلاتنا سببها الاستعمار والاحتلال الأجنبى، وأن حل هذه المشكلات يبدأ، بالضرورة، بزوال الاحتلال وتحقيق الاستقلال التام، وتأسيس حكم وطنى - دستورى - مدنى، وإذا بحسن البنا وجماعته، يقولون بشىء آخر، وهو أن مشكلاتنا سببها أننا ابتعدنا عن الله وعن دينه، وأننا نسينا الله فأنسانا أنفسنا، وأن الحل لكل مشكلاتنا أن نعود إلى الله سبحانه وتعالى، لاحظ أن هذا الكلام قيل فى مجتمع أغلبيته من المسلمين، ويُصنّف ضمن المجتمعات المتدينة، وكان معنى هذه الدعوة هو تبرئة الاستعمار والاحتلال من المسئولية عما لحق بنا، كان المشروع الوطنى - النهضوى المصرى، يسير فى تقدم، زمن الخديو إسماعيل، ثم أجهض هذا المشروع تماماً بفعل التدخل الأوروبى، الذى انتهى باحتلال مصر سنة 1882.

ما كان يقول به حسن البنا، ضمنياً، عبّر عنه مهندس جزائرى، كان يكتب بالفرنسية فى الإسلاميات، هو «مالك بن نبى».. «مالك» جاء إلى مصر، وتحلق حول جماعة حسن البنا، ذهب «مالك» إلى أن مشكلاتنا ليست فى الاستعمار والمستعمر، لكن فى أننا «شعوب قابلة للاستعمار»، وهكذا كان طبيعياً أن توظف بريطانيا تلك الجماعة، وتعتبرها بعض الدوائر البريطانية إلى اليوم أحد أجنحتها، قدمت الجماعة إلى بريطانيا الكثير من الأدوار والخدمات.. هل هى مصادفة، أنه بعد توقيع معاهدة الجلاء سنة 1954، ترى بريطانيا ضرورة التخلص من «عبدالناصر»، وحاولت معه أكثر من مرة، ثم نجد الجماعة -نفسها- تقوم فى الفترة نفسها، بمحاولة اغتياله فى ميدان المنشية بالإسكندرية..؟!!

وليس مصادفة، كذلك، أن بريطانيا حاولت أثناء ثورة 1919، اللعب بالملف الطائفى، ورد عليها المصريون بشعار «يحيا الهلال مع الصليب»، ولما فشل البريطانيون فى هذا الملف، تولته عنهم جماعة الإخوان، حيث قام التنظيم الخاص للجماعة بإحراق كنيسة فى السويس، وأخرى فى الزقازيق، فضلاً عن كتابة عبارات مسيئة على أبواب بيوت المواطنين «الأقباط»، فى حى شبرا، ومن يقرأ رسالة حسن البنا إلى أعضاء التنظيم الخاص، يجدها مليئة بالتحريض على «النصارى»، ويطلب من إخوانه عدم الذهاب إلى طبيب أو صيدلى أو بقال «نصرانى».

وليست مصادفة -أيضاً- أن الاحتلال البريطانى، ناصب الجيش المصرى والبوليس العداء، وهناك الكثير من الدراسات وثّقت ذلك، ثم نجد حسن البنا وجماعته إلى اليوم يعلنون الحرب على الشرطة وعلى الجيش، لا أظن هذه كلها مصادفات، ولا هى خبط عشوائى، لكنه تنسيق وتكامل فى الأداء والأدوار.

ولما انتهت فترة الاستعمار وبدأت الحرب الباردة، كانت للجماعة لدى عدد من الدول الغربية أهمية أكبر وأشد، وتلك قصة أخرى.

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار