الموقف الروسي في الوضع السوري

تابعنا على:   07:18 2017-03-20

فايز سارة

ثمة تحول كبير في الموقف الأميركي من القضية السورية، ولئن كان هذا التحول لم يظهر بعد بصورته الكاملة، فإن بعض مؤشراته باتت واضحة ومعلنة، ومن بين تلك المؤشرات، الإعلان الأميركي عن إقامة ثلاث مناطق آمنة في شمال سوريا وغربها وجنوبها، وتغيير مسؤول الملف السوري في الخارجية الأميركية. لكن الأهم في هذه المؤشرات هو زيادة عدد العسكريين الأميركيين في سوريا، وتغيير وظيفة هؤلاء من «خبراء ومدربين» إلى وحدات مسلحة مناط بها دور في الحرب على «داعش» مع احتمال بدء معركة الرقة، وبين مهمات هؤلاء المعلنة منع حصول أي اشتباكات في مناطق الشمال ولا سيما في منبج وحولها، حيث تتحشد وحدات عسكرية وتنظيمات مسلحة من مختلفة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع السوري وحول سوريا.
أهمية التحول الأميركي ومؤشراته في وجه من وجوهه الرئيسية، يخص روسيا، لأسباب من بينها، أن الروس هم القوة الأكبر والأكثر تأثيراً في الواقع السوري اليوم، وبين تلك الأسباب، أن موسكو جهدت في الفترة السابقة لتبرز بوصفها القوة الرئيسية في الحل السوري سواء كان حلاً عسكرياً على نحو ما بدا في التدخل الروسي أواخر العام 2015، أو حلاً سياسيا وفق ما تحاول روسيا الإيحاء بالعمل عليه في ضوء تقاربها مع تركيا، وما قامت به من خطوات في آستانة وأنقرة وجنيف4 في ظل شبه غياب أميركي أوروبي وعربي، بدا وكأنه آخر فرصة لتفويض موسكو بـ«الحل السوري»، وهو أمر من الواضح، أن روسيا عجزت عن القيام به سواء بسبب عجزها عن القيام بذلك أو بسبب سياستها المراوغة، التي تسعى ليكون الحل في النهاية لصالح استمرار نظام الأسد في سوريا، وإعادة تسويقه لدى المجتمع الدولي في إطار «الحرب على الإرهاب» من بوابة الحرب على «داعش» وأخواتها من جماعات التطرف والإرهاب.
وواقع السياسة الروسية في سوريا أكد موقفها إلى جانب نظام الأسد ودعمه على مدار السنوات الست الماضية، حيث إن موسكو لم تكتف بتقديم كل أشكال الدعم السياسي والعسكري بالأسلحة والعتاد والخبراء، بل ذهبت إلى التدخل المباشر بقواتها أواخر عام 2015، عندما شعرت أنه على وشك السقوط، كما قال الروس، وأحدثت بتدخلها فروقاً نوعية في الواقع الميداني والسياسي، لكنها أثبتت عدم قدرتها على حسم الصراع، فقامت بالمزاوجة بين العمل العسكري والعمل السياسي، ليشمل تحركها لتوسيع إطار المصالحات، وتنمية اتجاهات، وقوى يمكن أن تتقارب مع فكرة الحل الروسي في سوريا، وهو توجه كسابقه أثبت عجزاً، دفع موسكو لتصعيد حديثها عن الحل السياسي عبر جنيف4 من خلال جلب ممثلين عن تشكيلات المعارضة المسلحة طالما وصفتهم بالإرهاب، ليكونوا في عماد وفد المعارضة في جنيف أو جزءاً منه في أقل الحدود، وكان لها ما أرادت، لكن النتائج في هذا المسعى لم تكن أفضل من سابقاتها، ذلك أن الهدف الروسي لم يتبدل، ولم تستطع موسكو، التي هي طرف رئيسي في الصراع السوري وحول سوريا، الانتقال إلى دور المحايد الهادف إلى حل سوري، لا تكون طرفاً فيه، بحيث تمارس ضغطاً متوازياً على أطراف الصراع، وليس على بعضها، وقد عجزت روسيا في الضغط على نظام الأسد وإيران، وسعت إلى توظيف مصالحتها مع تركيا لتكثيف الضغط على المعارضة وخاصة المسلحة لجلبها إلى طاولة المفاوضات دون نتائج ملموسة على صعيد الهدف الروسي.
وسط هذا المحتوى من السياسة الروسية، يمكن فهم التحول الأميركي الذي أنهى تفويضاً أميركياً غير معلن لموسكو في معالجة الوضع، وانتقاله إلى وضع جديد يقوم على الشراكة بينهما في المرحلة الراهنة، التي تكرس فيها وجوداً أميركياً ملموساً، لا يخفف منه أنه أقل في ظاهره من الوجود الروسي، لأنه بمجرد وجوده يعيد ترتيب علاقات القوى وموازين الصراع في سوريا وحولها. ولئن استمرت روسيا في عجزها ومراوغتها، فإنها تفتح باب التحول الأميركي لسياسة مستقلة عن روسيا، وقد تكون في مواجهتها أيضا، خاصة إذا أصرت روسيا على نقاط في مقدمتها، استمرار تحالفها مع إيران وميليشياتها في سوريا، وتأكيدها التمسك بوجود الأسد في مستقبل سوريا، وضعف المشاركة الروسية في الحرب على «داعش» وأخواتها، واستمرار حربها على السوريين، بمن فيهم المدنيون، بهدف إخضاعهم لسيطرة النظام، بدل الذهاب إلى حل سياسي للقضية السورية.
لقد آن أوان الوضوح الروسي في الوضع السوري. فالعجز والمراوغة، لا يمكن أن يستمرا إلى ما لا نهاية، وهو بين دوافع واشنطن في تحولات رؤيتها السورية، التي وإن كانت لا تتوافق بصورة كلية مع رؤية وأهداف السوريين، فإنها لا تتوافق أيضا مع سياسة موسكو في سوريا وحولها.
عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار