مصر والسعودية ...وأزلية العلاقة

تابعنا على:   17:26 2017-03-21

حسام الكحلوت

وصل الاختلاف السعودي المصري إلي حالة من الجفاء الشديد وتمثلت ذروته في منع شركة ارامكو السعودية من تصدير شحنات النفط و مشتقاته لمصر خلافا لما تم الالتزام عليه - بحسب اتفاق تقدر قيمته بـ23 مليار دولار - إلى أجل غير مسمى.؛ وذلك بعد تباين بالآراء ووجهات النظر في معالجة الملف السوري واليمني وتباين التصويت السعودي المصري بمجلس الأمن ،وذلك عندما صوتت مصر لصالح مشروع قرار روسي حول سوريا في مجلس الأمن، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وإجمالا فهي ليست المرة الأولي التي يحدث ها تباين وجهات النظر في معالجة ملفات أزمات المنطقة العربية ففي ستينات القرن الماضي أيدت مصر بقيادة خالد الذكر جمال عبد الناصر ثورة اليمن التي اندلعت بالعام 1962 بل وأرسلت قواتها المسلحة إلي اليمن لمساندة الثورة اليمنية بقيادة المشير السلال ضد قوات الإمام احمد حاكم اليمن في حينه والتي ساندته المملكة العربية السعودية بدورها بالمال والعتاد ، فالأنظمة الملكية تميل للاصطفاف معاً وتستشعر خطراً إذا ما انزاح نظام ملكي ولو في طرف المعمورة النأي فما بالك إذا كانت هذه الإزاحة بالحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية فضلاً عن تشابه نظام الحكم باليمن والسعودية آنذاك المصبوغ بهالة دينية للحاكم ؛ ومما زاد الطن بله بذلك الوقت استشعار السعودية بالخطر بعد لجوء بعض أمراء آل سعود إلي مصر(الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود ) وإطلاق الصحف المصرية عليهم لقب الأمراء الأحرار علي غرار الضباط الأحرار التي قامت بثورة مصر عام 1952 ضد الملكية المصرية .

وقد حاولت السعودية جاهدةً وهي التي استشعرت الخطر الداهم الإيراني متلبساً زي الإصلاحيين الحوثييين يطرق حدودها الجنوبية بعنف مع الجارة اليمن والتي تبلغ حدودها حوالي الألفين من الكيلو مترات أن تستبدل الحماية المصرية باعتبارها درع وسيف للأمة العربية _فلا حرب ولا سلم بدون مصر _ بمظلة باكستانية باعتبار الأخيرة قوة نووية إسلامية والسعودية هي التي موّلت تلك القنبلة ووسائل إطلاقها ؛ غير أن ذلك اصطدم برفض برلماني باكستاني بأبريل 2015،لإرسال قوات باكستانية بالتحالف العربي (عاصفة الحزم ) والتي تقوده السعودية ؛ وذلك بسبب التركيبة السكانية الداخلية لباكستان إذ أن الشيعة يمثلون ربع سكان باكستان البالغ إجمالي عدد سكانها 190 مليون نسمة ، ولم تفلح محاولات رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف (وهو الذي أطلق سراحه بالعام 1999بعد وساطة خليجية قادتها السعودية اثر قيام القائد العسكري برويز مشرف بانقلاب أطاح بحكمه متهمًا إياه بمحاولة إسقاط الطائرة التي كان يستقلُّها مشرف من سريلانكا(بالالتفاف علي قرار البرلمان الباكستاني وأقصي ما استطاع فعله أن أرسل ألفين جندي إلي داخل المملكة العربية السعودية ، لتقديم المشورة وتدريب جنود المملكة كما قيل حول مهام تلك القوة الصغيرة، بعدما طلبت الرياض نشر اكبر عدد من الجنود الباكستانيين في العام 2015.

وقد قامت السعودية أيضا بتعيين القائد السابق للجيش الباكستاني راحيل شريف، كقائد لقوات التحالف العربي العسكري، في محاولة لاستمالة باكستان وتأكيد دورها ولو من الناحية الرمزية ، غير ان ذلك كله لم يفلح بسد الفجوة الكبيرة بمحاولة استبدال الدور المصري بأخر باكستاني وذلك بسبب التركية السكانية الطائفية كما أسلفنا للمجتمع الباكستاني وتخوف باكستاني من قيام إيران بعمل تحالف استراتيجي مع جارتها وعدوها اللدود الهند وأفغانستان وتناور باكستان بتروي وتحاول أن تبتعد عن الانخراط في صراعات المنطقة دون أن تغضب السعودية أو أن تستفز إيران فهي في علاقة مد وجزر مع قطبي السلطة الإسلامية، السنية والشيعية، نظرًا لأنها تقع شرقي كل من إيران والمملكة العربية السعودية، بل و تحاول باكستان الحفاظ على سمة الحياد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالرياض وطهران وهي معادلة لا ترضي السعوديين وقد رفضت باكستان المشاركة في التدخل العسكري في اليمن، ووافقت فقط علي الاشتراك بتحالف يحارب الإرهاب لا النفوذ الشيعي الإيراني بالمنطقة ! وإصرت إسلام أباد على ضم إيران إلى ذلك التحالف المزعوم !!.

وكتمت مصر غيظها كعادتها بالالتزام بشرف الخصومة ، وهي تري وكالة الأناضول التركية تنشر وتعلن خبر زيارة مستشار ملك السعودية لسد النهضة الإثيوبي المثير للجدل، إذ رأى البعض أن هذا الأمر بمثابة تقديم رسالة دعم لأديس أبابا لبناء السد الذي تخشى مصر أن يؤثر على حصصها من مياه النيل.

وتردد أيضا نبأ اعتراض الرياض الغير معلن لمشاركة مصر، ممثلة في شيخ الأزهر أحمد الطيب، وغياب السعودية، في مؤتمر ديني عالمي بمدينة غروزني. لمناقشة مفهوم "أهل السنة والجماعة". وكان من ضمن توصيات المؤتمر، عدم إدراج السلفيين والحركة الوهابية في السعودية ضمن تعريف هوية "أهل السنة والجماعة".

*وبدأت أول بشائر تلطيف للأجواء المشحونة بين القاهرة والرياض بالوصول أخيراً إذ انتهز الملك السعودي فرصة انعقاد مهرجان التراث والثقافة بالحناديرية31 بجدة و مشاركة جمهورية مصر العربية كضيفة شرف بالمهرجان وزار الجناح المصري وتفقد معروضاته وأبدى إعجابه بعناصر العرض، وتجلت صيحات الإعجاب بالجناح المصري من الملك حين شاهد حجم المشاركة المصرية، قائلا: مصر قامت مرة أخرى، مصر عادت من جديد .

كما لم تسمح السعودية بان يتمادي احد مسئوليها وهو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إياد مدني أن يسئ إلي قيادة مصر ورمزها، وقد أقالته فوراً لترسل رسالة إلي الداخل السعودي والخارج العربي أن الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية وان مصر هي السند التي يركن إليها الأشقاء وقت الحاجة والعوز وما أزمة التصويت الا سحابة صيف عابرة لابد وأن تزول .

* ومن ثم كانت التفاتة وعودة السعودية السريعة لمصر واستئناف ضخ النفط ومشتقاته لقاهرة المعز بعد أن تيقنت أن لا بديل عن مصر وثقلها الهائل بالمنطقة والإقليم وبعد أن تفّهمت طبيعة الموقف المصري وتوازناته الدقيقة إزاء ملفات المنطقة الملتهبة وبعد أن اشتدت أيضا هجمات الحوثيين وضرب العمق السعودي بصواريخ إيرانية الصنع من طراز بركان وزلزال ، وبعد أن استيقنت نفوس السعوديين أن مصر لن تخضع أو تلّين بسبب الأزمة الاقتصادية ولاسيما أن تلك العبارة وردت على لسان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حين ألقى كلمته أمام الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، التي عُقدت احتفالًا بالذكرى الثالثة والأربعين لنصر أكتوبر المجيد ، حيث شدد على أن «مصر تركع لله فقط، وتتعامل بقيم شريفة في وقت عزّ فيه الشرف».

وسوف تشهد قادم الأيام بأذن الله تتويج تلك العودة بلقاء قمة بين الملك سليمان والرئيس السيسي بالقمة العربية المرتقبة بعمان بالتاسع والعشرين من مارس لتنقية الأجواء ، فما يعود على المملكة من دعمها لمصر في الجانب الاقتصادي يفوق ما تقدمه من دعم مالي والرئيس السيسي يعتبر أنَّ أمن الخليج خط أحمر وبذلك فان ما يجمع الطرفان اكبر بكثير من الاختلافات العابرة بسماء المنطقة ، ويبقي قدر مصر ان تكون حائط الصد ونقطة الارتكاز للأشقاء العرب وهي مهمة لم تستنكف عنها يوماً من الأيام ، ولم تنكص للذود عن أمتها العربية وقت الحاجة ، فالقيادة والزعامة مسؤولية تمارس وواجباً يحقّق كما قال الراحل جمال حمدان بكتابه الشهير شخصية مصر .

اخر الأخبار