"الموضوع الفلسطيني"..!

تابعنا على:   08:16 2017-03-26

علاء الدين أبو زينة

أصبح الفلسطينيون يتشاءمون كلما سمعوا في الأخبار عن اجتماعات من أي نوع، تريد أن تبحث "الموضوع الفلسطيني". ومع كل التنازلات المبدئية التي قدمتها القيادة الفلسطينية الحالية، ما يزال الجميع، من الأهل والغرباء، يضغطون بشدة على هذه القيادة لانتزاع مزيد من التنازلات، وكأن مطالب الفلسطينيين متعصبة عنصرية وعنيفة وغير معقولة، ولذلك يجب التراجع عنها.
ما المطلوب أن يفعل الفلسطينيون الرسميون أكثر من القبول بأقل من ربع مساحة وطنهم التاريخي؟ ماذا يفعلون أكثر من ممارسة دور الشرطي على أنفسهم، ويستهدفون ما تبقى فيها من رغبة المقاومة والصمود؟ ولماذا لم تعد تخفى نظرة العرب الرسميين إلى الفلسطينيين على أنهم مشكلة، بل والمشكلة كلها، ثم يراد من الفلسطينيين الثقة بأن هناك أحداً يمكن أن يعمل لمصلحتهم بإخلاص في أي بحث لـ"الموضوع الفلسطيني"؟
بالنسبة للفلسطينيين، لا يتعلق "الموضوع الفلسطيني" بإقامة دويلة مجردة من السلاح والإرادة والإمكانيات، إلى جانب دولة الكيان الوحشية المتغولة. لكنه يبدو أن ذلك هو أفضل ما يقترحه بحث "الموضوع الفلسطيني" في اللقاءات المختلفة. الأمر بالنسبة للفلسطينيين يتعلق بحق الشعب الفلسطيني، بملايينه في أي مكان على وجه الكرة الأرضية، في العيش داخل وطنهم التاريخي بحرية وكرامة، مثل أي شعب آخر. ويعني ذلك أن جهود بحث "الموضوع الفلسطيني" تتجنب الموضوع الأساسي بالتحديد: حق اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم وأحفادهم بالعودة غير المشروطة إلى ديارهم، مع التمتع بالحقوق الإنسانية المشروعة المنصوص عليها في المواثيق الدولية والأخلاقية والقانونية.
إذا حدث وأن فُرض "حل" يتجنّى على هذا المطلب الفلسطيني الأساسي، فإنه لن يكون حلاً إلا بقدر ما يعني الحكم بالإعدام على الشخصية الفلسطينية، ممثلة بملايين الفلسطينيين الأحياء، والمشاركة في ارتكاب ظلم وحشي غير بشري على الإطلاق بهذا الشعب. وإذا كان هناك مَن يتصور أي أخلاقية أو تعاطف في قطع الصلة بين معظم الفلسطينيين وجذورهم التاريخية إلى الأبد، ويسوق ذلك على أنه حل لمشكلة الفلسطينيين وشراء السلام لهم، فإنه يخدع نفسه ويخون كل مبدأ وحقيقة تاريخية.
من المؤلم أن تكون الكيفيات الراهنة لـ"الموضوع الفلسطيني"، المنسوب بالتعريف إلى الفلسطينيين، لا يتصل مطلقاً بفهم الفلسطينيين أنفسهم لموضوعهم. فمهما تكن "الحقائق على الأرض" ووحشية القوى التي استهدفت الفلسطينيين على مدى قرن (أعلنت بريطانيا أنها ستحتفل مع أصدقائها الصهاينة بمئوية وعد بلفور هذا العام)، فإن ذلك لا يمكن أن يعيد تعريف "الموضوع الفلسطيني" بالنسبة للفلسطينيين. ولو تغير ذلك الموضوع، كـ"حقيقة على الأرض"، لما كان هناك، أصلاً، موضوع فلسطيني اليوم من الأساس. ولكان الشعب الفلسطيني، أفراداً وقضية، قد ذهبوا إلى غياهب النسيان وسكت صوتهم أصلاً. لكن ذلك لم يحدث ولم تتحقق غايات إنهاء الوجود الفلسطيني في العالم مرة وإلى الأبد.
أوضحت خبرة الكفاح الفلسطيني المرير من أجل الروح والهوية على مدار عقود، أن الحديث عن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، أو الحديث عن فلسطين على 22 في المائة من فلسطين التاريخية، لم يُحدثا أي فرق في العالم الطبيعي بالنسبة للفلسطينيين. ولم يجلب الاختزال المستمر لتعريف فلسطين سوى اعتقاد أفضل المخلصين لنصرة الفلسطينيين بأن المطلوب في أحسن الأحوال هو إقامة كيان صغير يلغي حق معظم أهل فلسطين في العودة إلى قراهم وبيوتهم وإرثهم التاريخي. ولا يمكن أن يفضي التضييق المتواصل لمفهوم فلسطين والفلسطينيين و"الموضوع الفلسطيني" إلا إلى ملامسة حاصل الصفر، كما يوحي تأمل المسارات والقياس على الوجهات.
الآن، أصبح الفلسطينيون المتألمون على مدى أجيال هم آخر من يحدد ماهية "الموضوع الفلسطيني". وليس هناك يتيم له مثل هذا العدد الكبير من الأوصياء العاكفين على غمط حقه وكتم صوته مما للفلسطينيين من أوصياء لا يسترشدون إلا بالمصلحة الذاتية والولاء للغرباء. وما من موضوع يتطيّرُ منه الفلسطينيون الذين يُحشرون باطراد في أضيق الزوايا، أكثر من بحث "الموضوع الفلسطيني" كما هو اليوم في الخطاب السائد!

عن الغد الأردنية

اخر الأخبار