سعيد..سأفتقدك يا رجل!

تابعنا على:   10:08 2017-03-26

كتب حسن عصفور/ أعترف أنني لم أكتب كثيرا عند فقدان إنسان له عندي "مكانة خاصة"، وأكثر أنني لم أكتب ما يستحق أن يكتب عند وفاة "اعز الناس" في حياتي ومن كان له فضلا لا فضل بعده في تكوين شخصي، ما بها وعليها، أمي صفية، حاولت أن اقول لها كم كنت أحبها، وأنني لها أدين في كل ما به كنت، حاولت أن أعتذر لها عن عدم قيامي بوداعها الوداع الأخير، رغم أنني لم أكن بعيدا جغرافيا عن بلدتي عبسان الصغيرة بخانيونس، عندما كنت في طابا المصرية مع وفد فلسطين نتفاوض من أجل "صناعة مستقبل" جديد، لم يقبل الفاشيون الاسرائيليون له ان يكون، كما ان الأمريكان لم يروا انه آن الآوان!

ولكن، مع سعيد كمال كان حدثا خارجا عن قدرتي التقليدية، وصلت القاهرة وبعد ساعات وصباح يوم السبت 25 مارس (آذار) إتصل بي الصديق العزيز مروان كنفاني، زميل مرحلة سياسية حيوية جدا في "الزمن العرفاتي" الأكثر إشراقا في تاريخ الشعب الفلسطيني، معتقدا أنه اتصال ردا على اتصال لي به، لنحدد لنا مكانا نلتقي، كما جرت العادة في كل زيارة للمحروسة، لكن الصوت لم يكن ذات صوته الفرح بوصولي، بعيدا عن مداعبة لا تتركه عند الحديث مرحبا بإسلوبه أني أصبحت في القاهرة..

قالها، يا حسن سعيد كمال مات..كلمات أعترف أنها أحدثت "ضجة إنسانية" هزت جسدي، وكأن "حريق شب بداخله"..إنتفضت بلا تصديق ما أسمع..حاولت أن اتأكد أحقا ما نطق، لكنني فقدت القدرة على محاولة التأكد، قالها هو وكأنه سمع ما بي، اليوم فجرا مات سعيد، واتفقنا أن نلتقي هناك في منزله حيث كان لي زيارته ومروان يوم أن هاجمه مرض لعين، نال من "طاقة بشرية" أقر أنها من الصعب أن تعيد إنتاجها..

في منزله كانت اللحظة الأصعب، هل تريد أن ترى سعيد، سألني مروان، بلا تفكير قلت له نعم بالتأكيد، مشينا بهدوء الى حيث كان يقضي لحظاته الأخيرة..ورأيتك يا سعيد للمرة الأخيرة، كم كنت تود القول انك رحلت بهدوء شديد رغم ألمك الجسدي والإنساني من بعض من "خذلك من أولي الأمر في بلادي"..لم تسمع أم زياد صوتك راحلا..رأيتك وشعرت أن فقدانك فاق ما اعتقدته قبل فقدانك..أعترف أن ما أصابني من هذا الرحيل والوداع تجاوز كثيرا قدرتي المعهودة في وداع الأقربون والأصدقاء..

خلال تردادي الدائم على المحروسة كنت أحد معالمها، لا أشعر بقيمة وجودي بها دون أن اراك أو اسمع صوتك، كنت ود.قدري حفني جزءاً من منظومة محبة خاصة، ومعنا مروان..كما أيضا د.رفعت السعيد له من العمر المزيد، استاذا لي ولأجيال كاملة..ركنا في الثقافة والفكر والسياسة.

سعيد كمال رحل..هكذا هي الحياة، رحل من كان غيابه يثير ضجيجا يفوق حضوره أحيانا، نعم، سعيد كمال ظاهرة سياسية خاصة، إن لم تكن نادرة، إمتلك شجاعة افتقدها كثيرون مدافعا عن مواقفه، خاصة تلك التي لا تتوافق مع الرأي السائد، كان مقاتلا ليقول ما يعتقد انه الصواب، لم يأبه يوما لأي كلام نال من شخصه السياسي..

رحل سعيد كمال، بهدوء نقيض كلي لحضوره، كان ضجيجا غاضبا، صوتا مميزا نبرة وتعبيرا..

سعيد كمال السياسي حالة تستحق أن تسجل بعيدا عن الحب والكراهية، الاتفاق أو الإختلاف، سعيد كمال ظاهرة فلسطينية اختار مصر مقرا في الحياة ومستقرا ما بعد الحياة..

يا سعيد، كم ستكون زيارة القاهرة بدونك مرة ومريرة، سأفتقدك يا صديقي، سنفتقدك من كنا نجلس سويا، د.قدري ومروان ونبيل درويش..سأفتقدك يا سعيد..

وليت من أدار الظهر لك في حياتك يأخذ بما طالب القيادي الفتحاوي البارز صخر بسيسو ويمنحك وساما لن يضف الكثير لك، لكنه رسالة الى جيل المستقبل ان فلسطين لا تنسى من أعطى لها..

أتسمح لي بوداعك الآن يا سعيد، سلاما يا صديق..سلاما يا سعيد!

بلا ملاحظة ولا تنويه خاص أختم حديثي معك يا رجل!

اخر الأخبار