سفيان يرتقي للخلود

تابعنا على:   22:04 2017-03-26

عمر حلمي الغول

كوكبة من الأصدقاء تعجلوا الرحيل هذا العام، ومازال في ربعه الأول. آخر المغادرون كان المناضل المقدام فتحي حسن شاهين (ابو حسن) أو المعروف بإسمه الحركي (سفيان)، رحل الشهيد المقاتل في العشرين من آذار/ مارس الحالي بعد صراع طويل مع مرض السرطان اللئيم، الذي فتك بجسده والآف وملايين من البشر. قاوم ابو حسن حتى أستنزفت طاقته وقدرته على المقاومة. حتى وهو يعاني من عذابات المرض الخبيث، تواطأت عليه وضده سلطات الإحتلال الإسرائيلي، عندما رفضت في كل مرة يتم تحويله لمستشفى المطلع في القدس مرافقة رفيقة دربه ام حسن او ابنته الوحيدة دينا. وقبل مغادرته رحاب الدنيا، رفضوا منحه تصريح لإخذ جرعة كيماوي. وهذا الأمر ليس مستغربا، بل انه جزء مكون لسياسات دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. فهي لا تقتل المواطنين المناضلين، بل تفتك بالأطفال والنساء والشيوخ في الميادين وتحت وابل قصفها الهمجي كما حصل في حروبها على قطاع غزة ومخيم جنين والجلزون والأمعري وقلنديا وغيرها من المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية.

الشهيد المناضل فتحي شاهين ابن قرية القبيبة المحتلة في العام 1948، يعود إمتداده لإسرة فقيرة في مخيم البريج وسط محافظات الجنوب، بعد هزيمة حزيران عام 1967، غادر القطاع إلى المملكة الأردنية والتحق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مقاتلا، وشارك في معارك الدفاع عن الثورة في الغور، وأصيب أصابات بليغة في إحدى المواجهات مما افقده عينه، وأصيب برجله. غير ان عزيمة سفيان بقيت قوية ومتأججة، وبعد شفائه واصل العطاء في صفوف الثورة من خلال الشعبية، وإنتقل في اعقاب ايلول 1970 وحزيران 1971 إلى لبنان، وعمل في فرع الساحة الأردنية في لبنان مع القائد ابو عيسى وابو العز وغيرهم، ثم تم فرزه للعمل في حقل الخدمات الإجتماعية وخاصة اسر الجرحى والشهداء، وكان عمل في مكتب الأمين العام للجبهة الشعبية، الشهيد الرمز جورج حبش، ورغم انه سفيان كان فاقد إحدى عينيه والعين الثانية تعاني من الضعف، إلآ انه كان يرافق الحكيم في العديد من تنقلاته. وهو ما يعكس شجاعته المتميزة وذكاؤه القوي، فضلا عن طيبته وروعته وتواضعه وحبه للآخرين من رفاقه، ووفق برفيقة دربه المناضلة شادية، التي تميزت بالخصال الحميدة ذاتها. حيث شكلا اسرة رائعة، وكانت تمثل للرفاق الأصدقاء الحضن الجامع والدافء في كل المناسبات الوطنية والإجتماعية.

وبعد الرحيل إلى سوريا واصل سفيان الكفاح في فرع سوريا، وكان من الكوادر الاساسية في الفرع، ونتاج تواضعه وحبه للرفاق خلق معهم أمتن العلاقات وافضلها. ومع ذلك لم يكن سفيان يوما ما مداهنا او مرائيا، بل كان كالسيف في إعلان مواقفه الجرئية من هذا القائد او ذاك الكادر او تلك المجموعة او من اي خطأ كان، الشخص او الهيئة، التي تقف ورائه. وقام في العديد من المحطات بالتصدي للعديد من المثالب، وكشف عن اخطاء وخطايا العديد من الرفاق، وتحداهم دون خشية او تعلثم.

وعندما عاد للوطن حيث تقيم أسرته في غزة، إلتحق بوزارة الشؤون الإجتماعية وتسلم دائرة الشهداء، حيث كان عونا وسندا حقيقيا لكل ذوي الشهداء والجرحى، ولم يكن يترفع عن اي مهمة او مساعدة اي مواطن مهما كان، إن كان يعرفه او لا يعرفه، كان همه الدائم كيف يدخل الفرح والأمل في نفوس مراجعيه. وكان علما متميزا في الوزارة، وبإمكان الأخت ام جهاد، وزيرة الشؤون الإجتماعية ومسؤولة الهيئة لاحقا ان تنصفه، لإنها خبرته في ميدان العمل، ووثقت به، ودعمته، لإنه اهل لذلك. مع انه لم يأخذ حقه الوظيفي كما يجب.

ابو حسن تميز بفيض من الحنان داخل اسرته، فكان ابا وأخا وصديقا كبيرا لإبنائه حسن ودينا ومجد. كان قريبا منهم جدا، يلاحق همومهم وتفاصيل حياته، ويحرص على ان يؤمن لهم افضل وسائل العيش الكريم ضمن إمكانياته وقدراته. ولم يبخل على إخوته ولا على والديه قبل رحيلهما إلى دار البقاء الأخيرة، وفي جوار الرفيق الأعلى. ومن الصعب ان يجد المرء إنسانا ما كان على تماس مع سفيان ولم يحبه ويحترمه ويتعامل معه بإيجابية وثقة. لإنه اهل لذلك، حيث إتسم بخصال الود والإحترام للاخر والمثابرة في العطاء، ومد يد العون لكل محتاج، وأخا وصديقا وفيا لكل اصدقائه، لم يخذل احد منهم، لا بل كان يغفر لهم هناتهم واخطائهم، ويعلو على الجراح.

هذا السفيان البهي الجميل حلق أخيرا نحو الفضاء البعيد، إرتقى إلى مجد الخلود، ونام نومته الأبديه. لكنه بخصاله وسماته وقيمه، التي تركها طيلة تجربة حياته على مدار ال66 عاما سيبقى خالدا في سجل الثورة والجبهة والشعب والأصدقاء . رحم الله الصديق سفيان والبقاء لرفيقة دربه ام حسن وللإحبة ابنائه حسن ودينا ومجد ولرفاقه ومحبيه.

اخر الأخبار