الّْسّكَرة و الِّفكْرة

تابعنا على:   03:08 2017-03-27

د. جمال عبدالناصر ابو نحل

من المؤسف حقاً أن يكون بعض زُعماء العالم العربي والاسلامي في غفلة، أو في سكرتِهم يّعمهُون وقد شغلتهم الحياة الدنيا، فلم ينزلوا الناس منازلهم ولم يقدروا للناس قدرهم، فقُدم الجهُلاء من القوم، وتراجع دور العلماء، وضُيعت الأمانة، حينما وسِّدّ الأمرُ لغير أهله، وأصبح الكثير من سفهاء القوم يتكلمون بأمر عامة الناس؛ ومن المصائب التي مُنيت بها الأُمة العربية في هذا الزمان مصيبة من أعظم المصائب؛ حيثُ يكون بين ظهرانهم وفيهم ومنهم القائد الفذ صاحب الرؤية الثاقبة والسيرة والسريرة الرائعة الجميلة، والسجل الوطني النضالي المُشرف، والصفات الحميدة من حسن الخُلق إلي غير ذلك، ويكون الناس عن هذا البطل غافلون ساهون، أو له متجاهلون، وغير مُقدرون، وربما يدعون عليه من كُثر سفاهة أحلامهم وفقر عقولهم كما يقول المثل الشعبي:""" "دعوتُ علي عمرٍ! فمات عمرٌ! فّْسّرنيِ ذلك... فّعاشرتُ أقوامًا فّبكيتُ علي عمرُ"""، فكثير من الناس في وطننا العربي الكبير يكون بينهم الخبراء والفقهاء الأتقياء الأنقياء، والأدباء، والعلماء، والفصحاء، والمبدعون، والمخترعون، والمفكرون، والمناضلون، والمجاهدون، والوطنيون المخلصون الفدائيون، و يا أسفاه، و يا حُزناه، و يا مُصّيِبتاهْ !!!!! لسوء ما صنعنا بأنفسنا، حيث نقوم بالضغط علي الْعاّلِم حتي يهرُب لبلاد الله الواسعة، ويقدم انجازاته وابداعاته وابتكاراته لدول أوروبا، والغرب والذين ينزلونه منزلهً كبيرة يرفعون قدرهُ ويعظمونهُ ويحترمونهُ، ويجلونهُ، وعلي سبيل المثال ألمانيا يوجد فيها تقريباً 200 طبيب عربي ومسلم من أفضل أطباء العالم، وفي وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، يوجد أكبر عالمة فلسطينية الجنسية؛ وقِّسْ علي ذلك الكثير من العلماء والعظماء العرب في كل بقاع الأرض، وهم من ابتكروا العلوم النافعة للبشرية وعمروا الأرض، في بلاد الغرب أكثر مما عمروها في بلدانهم التي وجدوا فيها التجاهل والظلم والقهر، والذل، والتراخي وعدم الاحترام لهم!؛ فنحن العرب كثيراً ما نضغط علي الناجح حتي يفشل، والغرب يعملون علي دعم الفاشل حتي ينجح عكسنا تمامًا!!؛ مع أننا نجد في ديننا يُنادي بأن النظافة من الإيمان، ودين الإسلام دين التسامح والرحمة والطُهر، ورغم ذلك تجد شوارعنا العربية مملوءة بالقاذورات والقمامة في الشوارع، وفي بلاد الغرب التي نقول عنها بلاد الكفر! نجد الشوارع نظيفة جداً وكأنهم هم المسلمون ونحن الكافرون!!؛ وكذلك لو نظرنا لهم في اتقان الصناعات، والأمانة في المواعيد والاخلاص في العمل أكثر من القول لوجدنا ذلك عند أوروبا والغرب!، ونحن العرب نجد القول ولا نجد الفعل، وما أشطرنا بالكلام دون التطبيق!؛ ومما أثار حفيظتي الأن لأكتب مقالي أيضًا إحساسي بعدم الوفاء والاخلاص للشهداء الأحياء، وعدم المحافظة علي القادة المجاهدين المناضلين في حياتهم؛ فلقد اغتال الموساد الصهيوني وبمعاونة العملاء الخونة، الكثير من الشهداء القادة الكبار، وكان الناس لا يقدرون لأولئك الأبطال قّدرْهُم ولا ينزلونهم منازلهم، والأدهى من ذلك والأّمّرْ أن يكون قائد كبير في فصيل وجناح عسكري فلسطيني مقاوم بحجم الشهيد المبحوح رحمه الله، وبحجم القائد الشهيد البطل مازن فقهاء رحمه الله يتم اغتيالهم بدمٍ بارد من قبل العُملاء الخونة الخنازير التابعين للموساد والشين بيت الصهيوني، ولا حراسات أمنية ولا حماية لأولئك القادة الشهداء، بينما العكس صحيح تجد بعض القادة السياسيين الذين ليسوا في دائرة الاستهداف المركزي للعدو، تجري معهم ولهم ولحمايتهم مواكب أمنية من الحراسات والمرافقين الخ!!!، والمبكي المحزن المفُزع تري الناس سكاري وما هم بسكاري!! بعدما يتم اغتيال الشهيد القائد من أي فصيلٍ كان؛ تجد الجموع والالوف المؤلفة من الجماهير تبكي الشهيد وتنعي الشهيد وتجد مئات المسلحين المدججين بالسلاح يحمون جثمان الشهيد كأنهم يحرسونه الأن بعد موته وقبل دفنهِ، وبعدما انقضي أجلهُ؛ ويقومون باستعراض عسكري مهيب، وخطب رنانة مُزلزلة؛ ويتفّنن المتكلمون أمام الفضائيات وشاشات التلفاز والشعارات ترفع بالانتقام الخ...!! ولا باس في ذلك من تكريم الشهداء وهو أقل الواجبٌ علي الجميع وفاءً لدمهم الطاهر، ولكن أين كنتم قبل ذلك لتحموا الشهيد قبل اغتيالهِ؟ ألم يكن الأجدر أن تكون تلك الجموع من المسلحين يحمون ويحرسون ذلك القائد في حال حياته؟؟ ألم يكن الأجدر بتوفير حماية كبيرة للشهيد مازن فقهاء رحمهُ الله وخاصة أنه تعرض علناً للتهديد، وأدرج الاحتلال الصهيوني اسمهُ ضمن قائمة الاغتيالات!؛ فهل يُعقل أن يترك الشهيد القائد مازن وليس لديه أي مرافقين أو حماية أمنية؟؟؟ شيء يكاد يطيش العقل من شده ما نحن فيه من غباء!!! فيا قومنا اتقوا الله، في أنفسكم، وفي أبطال المقاومة، فبعدما يرتقي الشهيد وتصعد روحهُ للعلياء نعرف وقتها أنه كان بطلاً مغواراً مقدامًا وقائداً كبيراً!! وتغني بسيرته ومسيرته العظيمة الكبيرة العطرة؛ فأين كنتم عنه غافلون قبل ذلك!! إنها الدنيا الملعونة!؛ يرحل الشرفاء بصمت،،، ويقتل الأذكياء، والأبرياء والاتقياء، والأنقياء والصالحون، والمناضلون العظماء، ويقتل من يعرفون كل شيء، وبعدما يرحلون تجد الباكين عليهم والناعون لهم والمقدمون العزاء وما أكثرهم،، آلْآنَ... وقد تركتموه وحيداً من قبل!، فلا تلموني في مقالي هذا ولوموا أنفسكم، حتي لا تتكرر الكرة مرةً أخري، فهل تعملنا الدرس، وهل يجب أن يموت ويستشهد العظماء حتي نجد الهاتفين لهم بأنهم هُم القادة وهم العظماء والكرماء والشرفاء "وهم كذلك صحيح"، ولكن ما يجب علينا قولهُ هو أن نحافظ عليهم وهم أحياء ولا أن ننعي حضنا ونبكيهم وهم أموات، يومها لا ينفع الندم، رحم الله الشهيد القائد مازن، ورحم الله القائد الكبير الشهيد صلاح خلف أبو إياد الذي أيضاً طالتهُ يد الغدر والخيانة قبل عشرات السنين ليرتقي شهيدًا القائل:" أخشي ما أخشاهُ أن تصبح الخيانة وجهة نظر"، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار الحرية لسرانا البواسل، والخزي والعار للخونة والعملاء وللاحتلال، فيا ليث قومي يعلمون ويتعلمون ويقدرون الابطال قدرهم قبل رحيلهم! فلتذهب السكرة ولتبقي الفكرة والذكري..

        بقلم الكاتب الصحفي والمفكر العربي والإسلامي

    الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

    مدير المركز القومي للبحوث العلمية – فلسطين

     عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية

اخر الأخبار