حول مهارات القيادة

تابعنا على:   12:24 2017-03-27

سوزان كين

تفرط مدارس النخبة الراقية لدينا في التأكيد على مهارات القيادة، وبصورة جزئية، بسبب أنها تجهز الطلاب لعالم المال والأعمال، وتفترض الكليات والجامعات أن هذا بالتحديد ما تحتاجه سوق العمل المعاصرة. ولكن هناك تخصص في علم النفس التنظيمي يحمل اسم «المتابعة»، بدأ في اكتساب بعض الشعبية في الآونة الأخيرة. ولقد عرّف البروفسور روبرت كيلي، أستاذ الإدارة وعلم النفس التنظيمي، ذلك المصطلح في عام 1988 في مقالة نشرت عبر دورية المال والأعمال لجامعة هارفارد، وأدرج في المقالة صفات المتابع الجيد، ومن بينها قدرته على الالتزام بـ«الهدف، والمبدأ، أو الشخصية الأخرى»، وتحليه بالشجاعة والأمانة والمصداقية. إنها الفكرة التي عكفت المؤسسة العسكرية على تدريسها ولفترة طويلة من الزمن.
وفي الآونة الأخيرة، تولى بعض مفكري الأعمال الآخرين هذا الزمام. حيث ركز بعضهم على نظرية «رومانسية القيادة»، والتي تدفعنا على نحو خاطئ إلى إلحاق نجاح أو فشل المؤسسة بأكملها إلى قائدها فحسب، وتتجاهل في الوقت ذاته جحافل التابعين له داخل المؤسسة نفسها. يقول آدم غرانت، الذي ألف الكثير من الكتب حول دوافع النجاح لدى الناس، إن السؤال الأكثر شيوعاً لدى القراء يدور حول كيفية المساهمة عندما لا يكونون في موضع المسؤولية، ولكن لديهم اقتراح ما ويريدون من أحد أن يستمع إليهم: «لا يسأل القادة مثل هذه الأسئلة، إنها أسئلة أساسية تتعلق بالتابعين وليس بالزعماء».
في عام 1934، كانت هناك امرأة شابة تدعى سارة بولارد، تقدمت للالتحاق بكلية «فاسار». وفي تلك الأيام، كان يُطلب من الوالدين ملء استبيان، ولقد وصف والد سارة كريمته بقوله: إنها بصدق: «تابعة أكثر منها زعيمة».
ولقد قبلت أوراق سارة في الكلية، وفسرت ذلك بأنها لديها ما يكفي من القادة.
من الصعب تصور حدوث ذلك اليوم. فليس هناك أب ذو عقل صحيح (إذا ما حدث وتحدث معه مكتب القبول!) سوف يُقر بأن كريمته أو نجله هو تابع طبيعي، ذلك أن القليل من الكليات سوف تتقبله بذراعين مفتوحين. فإننا اليوم نقدر مهارات القيادة ونفضلها على أي شيء آخر. وكما أخبرتني بيني باخ إيفينز، مديرة مدرسة سانت بول للفتيات، وهي المدرسة المستقلة في ولاية ماريلاند: «يبدو كما لو أن التعليم العالي يبحث عن الزعماء، ولكن المدربين والمفكرين في مدرستنا ليسوا دائماً في المقدمة والريادة».
تقول جامعة «هارفارد» للطلاب المتقدمين إن رسالتها هي: «تعليم الطلاب وتثقيفهم ليكونوا مواطنين وقادة لمجتمعاتهم». وينصح موقع جامعة «ييل» الطلاب المتقدمين بأن الجامعة تبحث عن «زعماء وقادة الجيل». ويقول موقع جامعة «برنستون»: «أنشطة القيادة هي الأولى بين مختلف الأنشطة المدرجة على قائمة من الخصائص، التي يجب على الطلاب المتقدمين إبرازها والتعبير عنها». حتى جامعة «ويسليان»، المعروفة بثقافتها الفنية المتفتحة، خلصت إحدى الدراسات الأخيرة إلى أنها تقيّم الطلاب المتقدمين للالتحاق بها، على أساس إمكانات القيادة المتوفرة في شخصياتهم.
إن أظهرت لنا مكاتب القبول في الكليات والجامعات من نحن وما نمثله من قيم، فإننا قد نعتقد أن المجتمع المثالي يتألف من أصحاب الدرجات الدراسية المتقدمة. وقد يكون هذا من الأمور غير المفاجئة، حتى وإن كانت هذه الأمثلة تأتي من مؤسسات ذات قدرات تنافسية عالية. وإنه جزء من التكوين الجيني الأميركي أن يتم الاحتفاء بأولئك الذين يتميزون عن الآخرين. وفي العقود الأخيرة، كان المسار السريع للغاية نحو القيادة بين جموع الشباب - وسكان المدن الجامعية، من ستيف جوبز وحتى مارك زوكربيرغ، جعل من وضعية «ملك التلال المرتفعة» من الممكنات لكل من بلغ عمره 19 عاماً. لذلك لدينا الآن طلاب في التعليم الثانوي يتنافسون فيما بينهم لأن يكونوا رؤساء أكبر عدد ممكن من النوادي. ولم يعد يكفي أن تكون مجرد عضو في اتحاد أو مجلس الطلاب، بل صار عليك أن تقود المدرسة بأسرها.
ومع ذلك، فإن الهيئة الطلابية التي تعمل بشكل جيد - ناهيكم عن ذكر السياسة - فإنها في حاجة أيضاً إلى الأتباع. وهي في حاجة إلى اللاعبين. كما تحتاج إلى أولئك الذين يتحركون وفق طريقتهم الخاصة. وتحتاج كذلك إلى القادة الذين يهتمون بالخدمات بدلاً من الاهتمام بالمناصب.
سوف يخبرك مسؤولو القبول بالكليات والجامعات أن مسعاهم الحقيقي لقادة الغد يعتمد بالأساس على رغبتهم في إحداث التأثيرات الإيجابية، ولأن يجعلوا العالم مكاناً أفضل. وأعتقد أنهم يدركون ما يقولون.
ولكن الكثير من الطلاب الذين تحدثت معهم ينظرون إلى «المهارات القيادية» من زاوية قواعد السلطة والهيمنة، ويُعرفون القادة بأنهم أولئك الذين «يستطيعون توجيه الأوامر لكل الأشخاص من حولهم». ووفقاً لمقولة أحد كبار الأساتذة في تكتل «إيفي» الجامعي، فإن أولئك الطلاب ليسوا على خطأ، إذ إن القيادة، وفق تعريفها لدى عملية القبول بالكليات والجامعات، وفي غالب الأمر، تبدو أنها تقتصر على السلطات التجارية أو السياسية. وهي تقول إن مسؤولي القبول في الجامعات يفشلون في تعريف القيادة بأنها «إحراز التقدم في حل المشكلات الرياضية»، أو «أن تكون أفضل الشعراء في القرن الحالي».
وبصرف النظر تماماً عن نيات الكليات والجامعات، فإن الضغوط الخاصة بالقيادة اليوم تُعرف وتحد من فترة المراهقة لدى أطفالنا. ولقد أخبرتني إحدى الشابات عن فترة طفولتها التي كانت طفولة سعيدة مفعمة بالقراءة والحماس، حيث كانت طالبة وعازفة لآلة التشيللو - وذلك حتى السنة الأولى من الدراسة الثانوية عندما لاحت أوراق التقدم للكليات في الأفق، وعلى نحو مفاجئ، تحولت كل أنشطتها وصارت موجهة نحو هدف «القيادة» السامي، كما تتذكر. وأضافت تقول: «كان الجميع يعرفون، أن الأمر لا يتعلق بالأشخاص الأذكياء، ولا المبدعين منهم، ولا المفكرين من بينهم، أو حتى الأشخاص ذوي الأخلاق الدمثة، الذين يسجلون أعلى النتائج في الاختبارات ويحصلون على المنح الدراسية الراقية، وإنما القادة منهم فقط. وبدا الأمر أنه ما من نشاط أو إنجاز يعني أي شيء في الواقع ما لم يكن متصلاً بطريقة أو بأخرى بمهارات القيادة».
حاولت هذه المرأة الشابة الإصلاح من شخصيتها حتى يتم اختيارها في أحد الأدوار القيادية المرموقة في منصب «الطالبة المعلمة». ولقد حققت هذا الهدف، ولكن سرعان ما تم تجاوزها في وقت لاحق من البرنامج بسبب أنها لم تكن شخصية اجتماعية وتقدمية على النحو الكافي. وفي ذلك الوقت، أصيبت بخيبة أمل شديدة. ولكن اتضح فيما بعد أنه قد سنحت لها الفرصة لكي تتحرر وتبدأ فعلياً في اكتشاف ذاتها ومهارتها الحقيقية، وكانت في مجال العلوم. وشرعت في العمل بعد المدرسة مع معلمها في مادة الوراثة، وكان من المدرسين القابعين خلف الكواليس. ثم تمكنت من نشر أول دراسة علمية باسمها وهي في سن الـ18 عاماً، وحازت أفضل المنح الدراسية في جامعتها، وتخصصت في مجال الهندسة الطبية الحيوية وعزف التشيللو.
نشرت الدكتورة هيلين فيندلر، أستاذة اللغة الإنجليزية في جامعة «هارفارد»، مقالاً شجعت فيه الجامعة على جذب المزيد من الفنانين، من غير أن تنتظر منهم أن يصبحوا «قادة وزعماء». وبعض من هؤلاء الطلاب سوف يتحولون إلى قادة في مختلف الفنون، كما قالت في مقالها - قد يقود أحدهم أوركسترا، أو يعمل على إعادة تجديد الفنون في المدارس - «ولكن لا يمكن لأحدنا أن يتصور الشاعر والناقد الفني الفرنسي شارل بودلير وهو يمتهن أعمال الخدمة العامة».
ربما أن أكبر ضرر يلحقه التمجيد الهائل لمهارات القيادة هو في ممارسة القيادة ذاتها - لأنه جردها من فحواها وحولها إلى مهارات جوفاء. ويجتذب هذا التمجيد الأجوف أولئك الذين يندفعون وراء الأضواء بدلاً من الأفكار والناس الذين يخدمونهم. وهو يلقن الطلاب السعي وراء القيادة من أجل التولي المجرد للمسؤولية فحسب، بدلاً من أن يكون ذلك لخدمة هدف من الأهداف أو قضية من القضايا أو ربما فكرة من الأفكار التي يؤمنون بها في أعماق أنفسهم. والفارق الحقيقي بين هاتين الحالتين الذهنيتين كبير وعميق. فإن الحالة الأخيرة، التي تتعلق بالفكرة أو القضية، تميز القادة القادرين على التحول وتغيير الآخرين مثل الدكتور مارتن لوثر كينغ، والمهاتما غاندي، وتُعزى الحالة الذهنية الأولى إلى - حسنا، لقد رأينا ولا نزال هذا النوع من القيادة الجوفاء الفارغة في مناحي الحياة كافة في الآونة الأخيرة.
وإن كان هذا الأمر يبدو مثالياً، فلا بد من النظر في الوضع الراهن: الطلاب الذين يتنافسون وراء المناصب القيادية بكل شغف ونهم ممكن. وكما أخبرني أحد مستشاري هيئة التدريس في مدرسة بولاية نيوجيرسي: «يريدون جميعاً أن يكونوا رؤساء النوادي الخمسين في الولاية. وإنهم لا يعلمون ما يريدون فعلا».
لا ينبغي أن يكون الأمر على هذا النحو.
ماذا لو أخبرنا الطلاب المتقدمين للكليات والجامعات أن المهارات التي نبحث عنها لا تتعلق بمهارات القيادة، ولكن بالامتياز، والعاطفة، والرغبة في المساهمة وإنكار الذات؟
وماذا لو كنا أمناء وصادقين مع أنفسنا حول ما نثمنه ونقدره؟ إذا ما نظرنا إلى الطلاب والمواطنين الذين سوف يحققون الثروة والسلطة على الأرجح، فدعونا نعترف بذلك. ثم يمكننا إجراء نقاش صريح حول ما إذا كانت هذه الفكرة جيدة من عدمها.
ولكن إن كنا نسعى بدلاً من ذلك وراء مجتمع مفعم بالرعاية، والإبداع، والالتزام من قبل الناس، ومن جانب القادة الذين يشعرون بأحقية بذل الخدمات بدلاً من الاندفاع وراء المناصب، فإننا في حاجة لأن نبذل المزيد من الجهود لتوضيح هذا الأمر المهم للجميع.

*خدمة: "نيويورك تايمز"

عن الشرق الأوسط

اخر الأخبار