اغتيال "مازن فقها" .... بين الحقيقة وتعزيز الأسطورة

تابعنا على:   13:29 2017-03-30

حسن محمد لافي

إن سياسة الصمت وعدم تحمل المسئولية من قبل المستفيد الأول والأخير من وراء عملية اغتيال الفقها دولة الاحتلال "إسرائيل" , وما واكبه من أسلوب الإعلام الإسرائيلي المعتاد في مثل هذه العمليات, حيث تغطية الحدث تبدأ بناءً على تقارير أجنبية أو مصادر فلسطينية, تتحدث أن إسرائيل تقف وراء هذه العملية دون تأكيد ذلك, ولكن دون النفي أيضاً وهو الأهم, لكي يصل التشويق المرافق للاغتيال ذروته ,وبذلك تكتمل الهالة "الجيمس بوندية" المحيطة بأجهزة الأمن الإسرائيلية ,لكي يضاف هدف جديد لعملية الاغتيال, ألا وهو تكريس قوة الردع النفسية لدى الفلسطينيين بشكل عام ,ولدى المقاومة بشكل خاص .

ومن ثم تنتقل وسائل الاعلام الاسرائيلية إلى مرحلة التحليلات, بالحديث عن لماذا يجب أن يقتل مازن فقها ؟ من خلال سرد لسيرته النضالية, وأنه يقف وراء مقتل عشرة صهاينة في عملية صفد عام 2002م, وأنه أحد قادة كتائب القسام المسؤولين عن قيادة القسام في الضفة من خلال مكتب الضفة الغربية, والمخطط لعشرات العمليات في عيد الفصح القادم حسب تصريحات رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك".

هذا الحديث رغم صحة الكثير منه ,إلا أنه يأتي في سياق تضخيم قوة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ,والتأكيد على سياسة اليد الطولى القادرة على تصفية الحسابات مع أي شخص يمس أمن إسرائيل, مهما طال الزمان, وفي أي مكان جغرافي , وخاصة في غزة التي هي عنوان فشل لهذه الأجهزة ,حيث على مدار فترة اختطاف الجندي الإسرائيلي "جلعاد شليط " أذاقتهم مرارة العجز الاستخباراتي , والذي أرغمهم على صفقة وفاء الأحرار, والتي تكللت بتلك الصورة للشهيد "أحمد الجعبري", وهو يُمسك بشليط من كتفه ,ويقوده صاغراً ,ليُسلمه للوسيط المصري ,هذه اللقطة التلفزيونية ,التي وقف عندها الكثير من المحللين الإسرائيليين, واعتبروها ضربة قوية لهيبة الأمن الاسرائيلي ,وكسر لكبريائه الاستخباراتي ,هذه الصورة التي زعزعت الروح المعنوية لدى المجتمع الصهيوني ,وبنفس الوقت زادت من قناعة الفلسطينيين و العرب, أن نظرية "البطل الخارق", التي تدعيها أجهزة الأمن الاسرائيلي, ما هي إلا اسطورة إلى حد بعيد.

وعند البحث عن جذور هذا الأسلوب الإعلامي المواكب لعمليات الاغتيال , أو حتى العمليات الخاصة سواء للأجهزة الأمنية الإسرائيلية ,أو حتى لجيش الاحتلال الصهيوني, نجده مرتبط بمفهوم قوة الردع النفسية ,التي تبنتها إسرائيل كعقيدة أمنية في مواجهة المحيط العربي منذ أن تكلم عنها "زئيف جابوتينسكي" بنظريته الجدار الحديدي, الهادفة إلى ايصال العرب لقناعة مفادها, أنهم لا يملكون القدرة على مواجهة الكيان الصهيوني ,ولا مفر من التسليم بوجوده , ككيان طبيعي على هذه البقعة من الأرض , ولكن الخطورة في تلك النظرية تكمن أن جدار جابوتينسكي الحديدي هو جدار افتراضي نفسي يجب بنائه داخل الوعي والقناعات العربية, وليس جداراً حقيقياً ملموساً على أرض الحقيقة و الواقع.

هذه النظرية التي حولها "ديفيد بنغريون "لمثلث العقيدة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي, التي أضلاعه التهديد والردع والحسم ,وحتى مع تطور هذه العقيدة مع مرور الزمان واختلاف الأحداث ,احتفظت العوامل النفسية بأهميتها , حيث أٌضيف لمفهوم الردع مفهوم المنع المسبق "الضربة الاستباقية" , وبهاذين المفهومين تتكامل منظومة الجدار الحديدي, فمن خلال المنع الاستباقي يُولد الردع , وعندما يتحقق الردع يصبح المنع الاستباقي علاجا كافيا بدون الحاجة لتوسيع ساحة المواجهة, وخصوصاً مع اختلال ميزان الكم ضد الكيان الصهيوني مقابل العرب.

 

إن قراءة عملية اغتيال الشهيد مازن فقها من زاوية عقيدة الردع النفسية الاسرائيلية , تحمل بطياتها عدة رسائل مهمة:

الرسالة الأولى ,هي لكل قادة المقاومة وخصوصاً في غزة ,مفادها أن منظومتكم الأمنية غير قادرة على حمايتكم , وأنكم لستم آمنين في غزة , وهنا تسعى دولة الكيان لزعزعة ثقة الشعب بالقدرة الأمنية للمقاومة على حماية وضبط أمن المجتمع الفلسطيني ,رغم النجاحات التي حققتها تلك المنظومة.

أما الرسالة الأهم والموجهة لقيادة المقاومة , وخاصة لقيادة حركة حماس الجديدة ,والتي يقف على رأسها في غزة الأستاذ "يحي السنوار" , أن إسرائيل قادرة على تغيير معادلات الاشتباك, متى شاءت , وتحت أي ظروف ,وأنها مستعدة لكل السيناريوهات , حتى سيناريو الحرب لن يخيفهم ,وأن معادلة وقف الاغتيالات مقابل التهدئة ,التي فرضتها نتائج الحروب السابقة على غزة, لن تلتزم بها إسرائيل, مادام الحديث عن نقل للمقاومة العسكرية إلى ساحة الضفة الغربية , وأن المقاومة في غزة يجب ان تبقى ضمن حيزها الجغرافي , وأن أي شخص يحاول مد جسور المقاومة بين الضفة وغزة, لتصبح غزة موقع ارتكاز للمقاومة والضفة الغربية ساحة اشتباك مباشر, فإن الاغتيال هو المصير المحتوم .

ناهيك عن الرسالة الموجهة للداخل الصهيوني, والتي تسعى لترميم سمعة الجيش الصهيوني على ضوء الانتقادات التي تعرض لها في الآونة الاخيرة ,بالإضافة لطمئنة الشارع الصهيوني على امكانية المؤسسة العسكرية الصهيونية للوقوف امام التحديات الامنية المحدقة بالكيان وخاصة أمام تصاعد التوتر في الجبهة الشمالية .

ورغم أن هذه الرسائل تحمل صفة العملانية بطريقة ارسالها ,الا انه يبقي المجال مفتوحا أمام التشكيك بصدق هذه العملانية ,وهنا يبرز دور الجانب النفسي والإعلامي المرافق لعملية الاغتيال ليدعم محتوى الرسالة , رغم ما يعتريه من شكوك, وليرسخ مفهوم الجدار الحديدي رغم أسطوريته

اخر الأخبار