قول غيرها يا كبير!

تابعنا على:   11:26 2017-04-14

د. محمود خليل

تمنيت أن أسمع كلاماً آخر من الأستاذ مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، غير الذى سمعته فى أول تصريحاته بعد تولى رئاسة المجلس الأعلى للإعلام، قال الرجل: «الصحيفة الورقية التى لن تحقق تكلفتها ستتحول إلى الإصدار الإلكترونى». قد يراها البعض مجرد جملة، لكن تقديرى أنها تعكس رؤية وفلسفة عمل «كبير الإعلام المصرى» خلال الأيام المقبلة، وتقديرى أنها لا تنصرف إلى الصحف القومية فقط، بل يصح أن تنطبق على القنوات التليفزيونية الأرضية والفضائية المملوكة للدولة. الملمح الأبرز للرؤية التى تحملها هذه الجملة أن البعد الاقتصادى هو البعد الأساسى الذى سيتم الاستناد إليه فى تقييم المشروعات الإعلامية الرسمية، وهو بعد ضرورى ولا شك، فلا أحد يرضى بالخسارة أو يقبلها، لكنه يغفل الأدوار الخاصة التى ظل يقوم بها الإعلام القومى أو إعلام الدولة (هكذا اسمه طبقاً للقانون) على مدار السنوات الماضية فى الدفاع عن الحكومة، سنين طويلة ظل فيها هذا الإعلام مغلوباً على أمره أمام كل سلطة حكمت هذا البلد. تبعية الإعلام القومى للسلطات المتعاقبة أفقدته الكثير من رصيده الجماهيرى فتعرى أمام الإعلام الخاص عندما ظهر وتمدد، وخسر كثيراً -بالتالى- على المستوى الاقتصادى.

الخسائر الاقتصادية داخل الصحف، وربما أيضاً داخل مبنى ماسبيرو، ليس مردها فقط سوء الأداء وما ترتب عليه من تراجع فى معدلات القراءة والمشاهدة، بل ثمة أسباب أخرى تراكمت فوق هذا السبب، أبرزها الفساد الذى ضرب بعضاً من هذه المؤسسات. لعلك تذكر الاتهام الذى وُجه إلى «مبارك» وأسرته فى قضية «هدايا الأهرام». والأستاذ مكرم يعلم أكثر منى عن أوضاع المؤسسات الصحفية القومية، خصوصاً أن له تجربة عمل بها فى عصر «مبارك». أما الغريب فى كلام كبير الإعلاميين أنه يتحدث عن «الإصدار الإلكترونى» وكأنه عقوبة يتم تقريرها على الصحيفة المطبوعة، والمسألة ليست كذلك فى ضوء التحولات التكنولوجية التى يشهدها العصر. كان من الممكن أن نستوعب كلام الأستاذ مكرم إذا كان يتحدث فى سياق التطوير، والوعى بمعطيات العصر، وتطوير مستوى الخدمة بصورة تساعد على المنافسة، لكن الأمر جاء فى غير هذا السياق وهو ما يدعونى إلى التحفظ. وقد يتفهم الأستاذ مكرم رأيى هذا لو فكر فيه قليلاً.

لقد استمعت إلى ما نقلته بعض الفضائيات من كلمات لرؤساء الهيئات الإعلامية أثناء أداء اليمين أمام «النواب»، سمعت جملاً تتبختر فيها مفردات مثل «الدفء» و«التفاؤل» و«تبنى مشروعات الدولة» وغير ذلك، لكننى لم أسمع ولو لمرة واحدة كلمة «استقلالية»، وهى الكلمة المفتاحية فى كل المواد التى تحدثت عن هذه الهيئات فى دستور 2014. ولا يخفى عليك أن استقلالية الوسيلة الإعلامية، وقيامها بأدوارها المعتادة فى حياة جمهورها، هو الرهان الأهم على نجاحها. كل من يعملون فى الصناعة يفهمون ذلك، وتقديرى أن جزءاً من الخسائر الاقتصادية للإعلام القومى ارتبط بتحوله إلى «الرسمية» و«السلطوية» بصورة جعلته فى نظر القارئ والمشاهد أقرب إلى نشرات العلاقات العامة والصرخات الدعائية أكثر منه إعلاماً حقيقياً. أيضاً غابت كلمة المهنية عن كلمات رؤساء الهيئات، رغم الحاجة الملحة لإعادة الهيبة إليها مرة أخرى، بعد أن فقدت بعض المضامين الإعلامية ما ينبغى أن يتوافر فيها من قيم الدقة والموضوعية والتوازن، ناهيك عن غياب الأخلاقيات المتعارف عليها للمهنة. وكبير الإعلاميين سيد العارفين.

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار