ترامب وسياسة المقايضة مع الصين

تابعنا على:   12:33 2017-04-17

نوح فيلدمان*

كانت وسائل الإعلام سريعة في التقاط الإشارات التي أرادها الرئيس دونالد ترامب من خلال توجيه الأوامر بتنفيذ الضربة الجوية ضد سوريا، وحديثه عن الحاجة الماسة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي المواقف المعاكسة للسياسة الخارجية التي دعا إليها من قبل. وأعلن خلال الأسبوع الماضي عن حركة التفافية أخرى على مواقفه السابقة، ربما تكون ذات أهمية كبيرة على مستقبل سياسته الخارجية. حدث ذلك عندما عرض على الصين «حل مشكلة كوريا الشمالية مقابل عقد صفقة تجارية واعدة مع الولايات المتحدة». وعبر ترامب عن رغبته في «الربط» بين الشرطين.

وبشكل عام، يمكن استخدام فكرة الربط المتزامن بين السياسة الاقتصادية والاستراتيجية الجيوسياسية بالاعتماد على قواعد المقايضة بين طرفين. ولم تكن هذه الفكرة واردة في أجندة ترامب قبل الانتخابات الرئاسية على الإطلاق. وخاصة بسبب موقفه السلبي من الصين. وعُرف عنه التزامه بالخط المتشدد إزاءها، ورفضه المطلق للاتفاقيات التجارية التي كان من المفترض أن تعقدها الولايات المتحدة معها. وكثيراً ما كان يلمّح إلى عدم اهتمامه بالتوسع الجيو- استراتيجي للصين أو بنزاعاتها مع بعض دول المحيط الهادي وتحديها للوجود العسكري الأميركي هناك.

وأما الآن، وبعد أن أصبح رئيساً، أدرك أنه لا يستطيع إهمال الاهتمام بالأمن العالمي إلى الحد الذي عبر عنه خلال حملته الانتخابية. وهذا ما يفسر عودته للاهتمام بحلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي سبق له أن وصفه بأنه بلغ نهايته خلال حملته تلك.

وربما يكون الجنرالات المحيطون بترامب هم الذين شددوا بقوة على ضرورة تبني هذه المواقف الجديدة. وقبل كل شيء، يكون من الضروري التذكير بأن المهمات الأساسية لهؤلاء الرجال تتركز على هدف تحقيق الأمن العالمي. ويبدو أن القلق من تحديات كوريا الشمالية، والعلاقة الوثيقة القائمة بين المصالح الاقتصادية والأمن العالمي، أصبحت تحتل قمة اهتماماتهم.

وحملت الأزمة السورية في طياتها دروساً ذات علاقة بالوضع في كوريا الشمالية. من بينها ذلك الدرس الذي يمكن استقاؤه قبل تنفيذ الضربة الجوية ضد سوريا، وهو أن الدكتاتوريين من أمثال بشار الأسد قد يستغلون ما بدا لهم وكأنه ضعف في الموقف الأميركي بسبب عدم اهتمام ترامب بعواقب ما يفعلونه. ولا شك أن الرئيس الأميركي فهم أن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا جاء على خلفية ما ورد في البيان الصادر عن الإدارة الأميركية من أن الولايات المتحدة لم تعد تفكر بعزل الأسد.

وبناء على هذا الاعتبار، كان استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية بمثابة صفعة في وجه ترامب. وكان ذلك بكل تأكيد أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الانقلاب السريع لموقف ترامب من حالة عدم المبالاة بالتحدي السوري إلى مرحلة الانتقام منه.

وبعد تنفيذ عملية القصف الجوي ضد سوريا، تعلم ترامب أيضاً أن صقور السياسة الخارجية من كلا الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» سوف يدعمونه لو اتخذ موقفاً أكثر تشدداً ضد كل من تسوّل له نفسه لعب دور الإنسان الشرّير. كما أن جنرالات أميركا لم ينسوا إشارات ترامب للممارسات الاستفزازية غير العادية لكوريا الشمالية، من خلال تكرار تجارب اختبار وإطلاق الصواريخ منذ بداية الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة. ويبدو أن رئيس كوريا الشمالية «كيم جونج أون» كان يهدف من تلك الاستفزازات للفت انتباه الإدارة الأميركية الجديدة إلى القوة التي أصبح يحتكم إليها. وكان «كيم» يحاول بذلك معرفة مدى رغبة الرئيس الأميركي بتجاهل مهمة الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة في المحيط الهادي.

وخلافاً لما يمكن لترامب أن يفعله في سوريا، فإنه لا يستطيع تنفيذ ضربات جوية ضد كوريا الشمالية من دون تعرض الدولة الحليفة كوريا الجنوبية لضربات انتقامية. وأي هجوم من كوريا الشمالية على «سيؤول»، حتى باستخدام الأسلحة التقليدية، يمكن أن يؤدي إلى موت مئات الألوف من سكان هذه المدينة ذات الكثافة السكانية العالية. كما يمكن لأي هجوم نووي مهما كان حجمه أن يؤدي إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير.

ولقد دفعت هذه المعطيات الرئيس ترامب للبحث عن أفضل البدائل للتصدي لكوريا الشمالية. ولقد قادته هذه التجربة للتفكير في الصين. ومن المهم الإشارة إلى أن ترامب عاجز عن تهديد الصين عسكرياً. وهذا هو السبب المفترض الذي يدفعه لمحاولة «رشوتها» بدلاً من مواجهتها. وتكمن الطريقة الوحيدة لرشوة الصين بتقديم شيء ما يمكنه أن يثير اهتمامها، ويمكن أن يتجلى بعقد اتفاقية تجارية جيدة، وهو ما يندرج ضمن استراتيجية «إعادة الربط». وهذا النوع من «الربط» ليس من المرجح نجاحه في هذا الوقت لعدة أسباب. يكمن أحدها في أن رغبة الصين بـ«تدمير» كوريا الشمالية ليست قوية. وصحيح أن الصين شديدة التأثر بالعلاقات الاقتصادية، ولكنها تحتاج أيضاً لكوريا الشمالية باعتبارها صمّام تخفيف الضغوط بينها وبين كوريا الجنوبية حليفة الولايات المتحدة، ولا شك أن كوريا الشمالية تعلم هذه الحقيقة.

وهذا يعني بأنه لا توجد أي طريقة سهلة بديلة لكبح نظام «كيم» إلا بإسقاطه. وهو أمر يتعارض مع مصالح الصين ولا يمكنها أن تقبل به.

*أستاذ القانون في جامعة هارفارد

عن الاتحاد الاماراتية

اخر الأخبار