ما أشبه اليوم بالبارحة في إيران

تابعنا على:   11:31 2017-04-19

خيرالله خيرالله

لا أهمّية تذكر لفوز أي مرشّح من المرشحين الايرانيين في الانتخابات الرئاسية المتوقعة الشهر المقبل. ليس مهمّا من سيفوز بمقدار ما انّ المهمّ أن تتغير سياسة إيران داخلياً وخارجياً وتتوقف لعبة الرهان على لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة التي أخذت إيران والمنطقة الى الخراب والفتنة المذهبية.

ليس في استطاعة إيران بنظامها الحالي الذي أقامه آية الله الخميني في العام 1979 الاستمرار في هذه اللعبة لأنّ ليس لديها نموذج تقدّمه، لا داخل حدودها ولا خارج هذه الحدود. تستطيع إيران الهدم وجعل دول المنطقة تعتمد أكثر فأكثر على القوى الخارجية، بما في ذلك «الشيطان الأكبر» الاميركي. لكنّها لا تستطيع أن تبني، لأن البناء سيعني مزيداً من التفاهم بين شعوب المنطقة واستثماراً لثرواتها في خدمة مواطنيها بدل صرف الاموال الطائلة على شراء الاسلحة. هل تنتفي الحاجة الى إيران عندما تلعب دوراً بناء، فلا تعود فائدة منها، لا لاميركا ولا لغير أميركا؟...

كانت تجربة حسن روحاني الذي انتخب رئيساً قبل أربع سنوات أبلغ دليل على أن لا دور للرئيس الايراني. ما أكثر الذين تحدّثوا عن أن روحاني «إصلاحي» وانّه سيغيّر ايران. تبيّن في نهاية المطاف أنّه استُخدم في مرحلة معيّنة من المتشدّدين من أجل إقناع باراك أوباما بأنّ في الإمكان لعب الورقة الايرانية والسير الى النهاية في المفاوضات المتعلّقة بالملف النووي الايراني بغية التوصّل إلى صفقة ما.

حصلت الصفقة. وقعت مجموعة الخمسة زائداً واحداً (البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن وألمانيا) صيف العام 2015 الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. حصلت إيران على مساعدات أميركية بمئات ملايين الدولارات كانت في حاجة ماسة إليها في ضوء هبوط أسعار النفط. لم يتغيّر شيء على الصعيد الاقليمي. على العكس من ذلك، زادت إيران عدوانية تجاه كلّ ما هو عربي في المنطقة. لم تلعب أيّ دور إيجابي في أي منطقة من مناطق الشرق الاوسط أو بلدانه أو في منطقة الخليج. تابعت إيران عملية الشحن المذهبي الذي يظلّ استثمارها الوحيد خارج أراضيها.
قبل روحاني، أمضى «الإصلاحي» محمّد خاتمي ثماني سنوات رئيساً، بين 1997 و 2005. كيف أثّر ذلك على السياسة الخارجية لإيران؟ الأكيد أن خاتمي كان رجل علم ومعرفة، كما كانت لديه كلّ النيات الطيبة تجاه دول الجوار وما هو أبعد من الجوار. لكنّ الحكم هو على النتائج. بقيت إيران، في عهد خاتمي وبعد انتهاء ولايتيه الرئاسيتين، تتدخل في الشأن الداخلي لكلّ دولة عربية، بل زاد تدخلّها وتوسّع وباتت أكثر عدائية خصوصاً بعدما شاركت في الحرب الاميركية على العراق مشاركة مباشرة في ربيع العام 2003.

تبيّن مع مرور الوقت كم كان الملك عبدالله الثاني بعيد النظر عندما تحدّث الى صحيفة «واشنطن بوست» في أكتوبر 2004 عن «الهلال الشيعي» الذي كانت إيران تسعى إلى إقامته بعد سيطرتها على بغداد. لم يقصد العاهل الأردني بـ«الهلال الشيعي» أي إساءة الى اتباع المذهب، خصوصاً أن الهاشميين يعتبرون نفسهم من «أهل البيت» ولم يفرّقوا يوماً بين سنّي وشيعي. كان يشير الى أن إيران أرادت أن تحكم منطقة تمتد من طهران الى بيروت الواقعة على البحر المتوسّط مستخدمة الغريزة المذهبية. تضمّ هذه المنطقة العراق وسورية ولبنان الذي يتحكّم به حزب تابع لإيران اسمه «حزب الله»، ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني.
بعد ثلاثة عشر عاماً، أدلى عبدالله الثاني، قبل أيّام بحديث الى «واشنطن بوست» كرّر فيه ما قاله في الحديث الاوّل كاشفاً أن ايران لم تتغيّر. ما تغيّر، من خلال ردّها على الحديث الاخير، هو انكشاف كم هي متضايقة من إدارة دونالد ترامب وتوجّهاتها من جهة وزيادة كمّية العداء التي تكنّها لدولة مسالمة حافظت على استقرارها الداخلي، مثل المملكة الأردنية الهاشمية، من جهة أخرى.

استخدم مسؤولون إيرانيون كلاماً بذيئاً في الرد على حديث العاهل الأردني لمجرّد أنّه وصف الواقع كما هو بعيداً عن أيّ نوع من المبالغات. ما الذي تفعله إيران في العراق؟ ماذا تفعل في سورية؟ ما الذي يدفعها إلى الرهان على ميليشيا مذهبية في لبنان من أجل ضرب اقتصاد البلد وتدمير كلّ مؤسسات الدولة وإيجاد قطيعة بينه وبين دول الخليج العربي؟

لا داعي بالطبع الى التساؤل ماذا تفعل ايران في اليمن ولماذا كلّ هذا الحقد على البحرين أو لماذا تتدخل في الكويت؟
استخدم «المرشد الأعلى» علي خامنئي موقع رئيس «الجمهورية الإسلامية» في ايران لتمرير مراحل معيّنة كانت تتطلب وجود رئيس من طراز معيّن. متى تطلب الأمر، داخلياً، والوضع الدولي رئيساً «إصلاحيا»، هبط الرئيس «الإصلاحي» على الايرانيين وبدأ العالم يفكّر في أن إيران ستنتهج سياسة تقوم على الانفتاح والتوقف عن دعم الإرهاب بكلّ أشكاله. متى كانت الحاجة إلى «متشدّد»، يأتي احمدي نجاد بقدرة قادر...
لم يحصل ولن يحصل أي تغيير في إيران ما دام خامنئي يحكم ايران بصفة كونه «الوليّ الفقيه». ستبقى إيران دولة تحلم بلعب دور يفوق حجمها وقدراتها متجاهلة أن العالم يتغيّر بأسرع مما يعتقد وأن الاستثمار المفيد الوحيد الذي تستطيع القيام به يتمثّل في التركيز على الاستثمار في مشاريع داخلية تعود بالفائدة على الايرانيين الذين يعيش أكثر من نصفهم تحت خط الفقر.

في التاسع عشر من مايو المقبل، ستجري الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية الايرانية. كلّ ما يمكن قوله في المناسبة، هو ما أشبه اليوم بالبارحة. ففي مثل هذه الأيّام من العام 2013، انتخب حسن روحاني رئيسا. كان الوحيد الذي اعتقد ان إيران تغيّرت هو باراك أوباما والفريق المحيط به الذي ضحّى بالشعب السوري الثائر على الظلم والديكتاتورية. تغاضى أوباما عن استخدام بشّار الأسد السلاح الكيماوي من أجل استرضاء ايران. كان حريصاً كلّ الحرص على عدم التسبب بأيّ ازعاج لإيران، حتّى عندما قُتل ما يزيد على ألف سوري في أغسطس من تلك السنة بالسلاح الكيماوي في غوطة دمشق.
ليس رئيس الجمهورية الذي يغيّر إيران. ما قد يغيّرها حالياً هو سياسة أميركية مختلفة. المسألة مسألة أسابيع فقط سيتبيّن بعدها هل سيقول دونالد ترامب والفريق المحيط به أنّه آن أوان أن يأخذ كلّ طرف إقليمي، وحتّى دولي، حجمه الحقيقي على خريطة العالم؟
لا شكّ أن ضربة القاعدة الجويّة التابعة للنظام السوري في الشعيرات تعطي مؤشراً إلى تغيير أميركي بدأت تشعر به إيران. لكنّ الحذر يظل ضرورياً قبل التوصّل إلى استنتاج نهائي في ما يخص مستقبل العلاقات بين طهران وواشنطن. فإيران قدّمت في نهاية المطاف خدمات كبيرة لاميركا يحتاج تعدادها الى موسوعة وذلك عندما أسست لشرخ مذهبي غيّر أوّل ما غيّر أولويات الدول العربية، خصوصاً أهل الخليج.
عن الرأي الكويتية

اخر الأخبار