ماذا سيحدث لو أعلن الرئيس عباس قطاع غزة كإقليم متمرد ؟

تابعنا على:   20:12 2017-04-23

رهام عودة

غزة على وشك الانهيار ، وكارثة إنسانية تلوح في الأفق ، سكان منهكون من البطالة و الفقر، مياه ملوثة ، بيوت مظلمة ، مؤسسات حكومية شبة مفلسة ، اقتصاد منهار ، و حياة تكاد أن تكون شبه مستحيلة للفقراء و المحتاجين ، أما المرضى المهمشين فحدث و لا حرج فهم محكوم عليهم مسبقا بالإعدام بسبب الإهمال والحصار.

في غزة بالفعل يوجد حياة أقل ما تستطيع وصفها بأنها مأساوية، فقد شهد القطاع في العشر السنوات الأخيرة ، منذ بداية الانقسام الفلسطيني تحول طبقي خطير ، ذابت من خلاله الطبقة الاجتماعية الوسطى التي تحولت مع طول فترة الانقسام إلي طبقة فقيرة هشة ، فانقسم المجتمع الغزي إلي طبقتين متناقضتين تماما ؛ طبقة الفقراء الذي يعتمدون على المساعدات الإنسانية و الرواتب الضئيلة المقدمة لموظفي السلطة البسطاء، و طبقة أخرى برجوازية انتعشت من تجارة الحصار و الأسواق السوداء.

وهذا الانقسام الطبقي الخطير ، سيكون له بالطبع تداعيات خطيرة على مستقبل قطاع غزة، و سينعكس سلبا على مستوى استقرار الأمن فيه ، فهناك احتمال كبير أن يكون هناك ثورة جياع في حال لم يتم إيجاد حل إنساني و سياسي للمشاكل الحياتية لسكان القطاع.

فقد بدأت كرة الثلج بالتدحرج منذ أول عام في الإنقسام الفلسطيني، و لا أحد يستطيع أن يتجاهل احتمالية انفجار تلك الكرة الضخمة في وجه الجميع ، فالسؤال الرئيس الآن ، ليس هو هل ستنفجر الكرة أم لا ؟ بل هو ، متى ستنفجر تلك الكرة ؟

وفي ظل تكرار الأزمات المتعددة التي يختبرها قطاع غزة ، وتوارد الأنباء العاجلة عبر وسائل الإعلام عن خطط الرئيس عباس، لخصم رواتب موظفي السلطة تارةً، وعن إرسال وفود فتحاوية لحماس لكي تطالبها بتسليم قطاع غزة للرئيس تارةً أخرى.

لا يمكننا تجاهل هذه الإشارات الكبيرة لتلك الأزمات و الأنباء، حول ما ينتظر قطاع غزة بالفعل من مخطط سياسي خطير يكمن بإعلان الرئيس عباس ، قطاع غزة كإقليم متمرد ، وذلك في حال رفضت حركة حماس حل اللجنة الإدارية و التنازل بشكل كامل عن إدارة قطاع غزة، و تسليم مفاتيحه للسلطة الفلسطينية برام الله.

وعندما نتحدث عن إمكانية إعلان قطاع غزة كإقليم متمرد ، لا أقصد هنا عملية خصم نسبي من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، أو تخلي جزئي من السلطة الفلسطينية عن مسئولية دفع بعض نفقات القطاع ، بل أقصد بالإقليم المتمرد ، هو انفصال تام بين الضفة الغربية و قطاع غزة ، و عدم التزام كامل من قبل السلطة الفلسطينية بتحمل نفقات جميع القطاعات الصحية و التعليمية و الاقتصادية و المدنية ، مع وقف التحويلات المالية للقطاع، و امتناع السلطة بشكل رسمي عن دفع رواتب الموظفين بغزة.

لذا يستدعي الأمر تقديم نظرة استشرافية مختصرة لما ستؤول إليه الأوضاع السياسية و الأمنية بقطاع غزة ، في حال أعلن الرئيس عباس بشكل رسمي غزة كإقليم متمرد.

و بناءً على ذلك، أتوقع في هذا المقال، أكثر السيناريوهات المحتمل حدوثها، في حال تخلت السلطة الفلسطينية رسمياً عن قطاع غزة وهي ما يلي:

السيناريو الأول: حكم مشدد وسياسة تقشفية

إن أول سيناريو قد يحدث في حال أعلن الرئيس عباس غزة كإقليم متمرد، هو قبول حركة حماس بهذا التحدي الكبير في تحمل مسئولية القطاع لوحدها و بشكل كامل، مع تمسك الحركة بحقها الكامل في إدارة كافة المؤسسات الحكومية بغزة عن طريق اللجنة الإدارية ، بالإضافة إلي فرض سيطرة أمنية مشددة على القطاع، من أجل منع حدوث أي فلتان أمني بالشارع الغزي والتصدي لأية محاولة اختراق أمنية أو ثورة شبابية، قد تُخلخل من قدرة حركة حماس من السيطرة على القطاع ، و تعيق استعداد الحركة من بناء قدراتها العسكرية من أجل الاستعداد لمعركة التحرير الكبرى حسب منظور قيادة حماس و التي أسموها معركة "وعد الآخرة".

و أعتقد هنا أن حركة حماس بالفعل، مستعدة لهذا السيناريو، و يظهر ذلك جلياً من خلال تصريحات قيادتها السياسية ، و طريقة ردهم على تهديدات الرئيس المتعلقة بتسليم القطاع للسلطة فقد أعلن مؤخرا النائب عن حركة حماس، مشير المصري خلال كلمه له في مؤتمر "بكفي حصار" ، أن حركة حماس لديها خطة معالجة لأي إجراء يتخذه الرئيس عباس تجاه الانفصال عن غزة.

ومن خلال هذا السيناريو ، أتوقع أيضا، أن تقوم حماس بتطبيق سياسة اقتصادية تقشفية تكمن بتقليص مصاريف الكهرباء و المياه و الوقود، و بزيادة نسبة الضرائب على أعضاء القطاع الخاص ، مع رفع قيمة الرسوم و المعاملات الرسمية في المؤسسات الحكومية ، من أجل زيادة نسبة العوائد المالية ، ليتم تغطية نفقات القطاع.

و أتوقع أيضا أن حماس ستمارس سياسة دبلوماسية مدروسة جيداً مع مؤسسات المجتمع المدني العاملة بقطاع غزة ، لتشجعهم على توفير مساعدات إنسانية للطبقة المحتاجة في غزة، مما قد يخفف عن عاتق الحركة عبء مسئولية تقديم مساعدات للفقراء.

السيناريو الثاني: كارثة إنسانية و تدخل دولي عاجل

وهنا أتوقع في هذا السيناريو، أن تستمر حركة حماس بتغطية فقط رواتب موظفيها ، و عدم تحمل مسئولية رواتب موظفي السلطة الفلسطينية القدامى، في حال تم قطع الراتب عنهم بشكل كامل، و ربما تعلن حماس أيضا عن عجزها لدفع نفقات الكهرباء ، و المياه و الصحة و التعليم ، مما سيؤدي إلي حدوث كارثة إنسانية كبيرة بالقطاع و إعلان حالة الطوارئ و طلب استغاثة عاجلة لمساعدات إنسانية من دول العالم، عن طريق مناشدات إنسانية تطلقها مؤسسات المجتمع المدني، التي ستلعب دور كبير في استقطاب المساعدات الدولية لقطاع غزة ، الأمر الذي سيؤدي إلي انتعاش حركات التضامن الدولية لفك الحصار عن غزة ، شبيهاً بما كان يحدث خلال الفعاليات السابقة لسفن الحرية.

و لا أستبعد هنا حدوث تدخل قطري و تركي لدعم قطاع غزة للاستمرار في الحياة، وربما يتدخل أيضاً القيادي محمد دحلان خلال حدوث تلك الأزمة الانسانية ، ويقوم بتقديم مساعدته ودعمه لحركة حماس، عن طريق التوسط بينها وبين مصر من أجل فتح معبر رفح البري و إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.

السيناريو الثالث: حرب مشتعلة ودمار شامل

أما السيناريو الثالث، وهو يمكن أن يحدث في حال قامت إسرائيل باستغلال فرصة إعلان الرئيس قطاع غزة كإقليم متمرد، و قامت حينئذ بإغلاق المعابر التجارية الإسرائيلية ، و منعت المواد الرئيسة للدخول إلي قطاع غزة، و أوقفت التحويلات المالية ، مما سيؤدي إلي فشل كبير لسياسة حماس التقشفية، بسبب تضييق الخناق أكثر على الحركة، وهنا يُصبح القطاع على حافة الانفجار ، الأمر الذي سيشعل غضب قيادة حماس العسكرية و يجعلهم يطالبون بضرورة الانتقام من إسرائيل، وفي نفس الوقت العمل على لفت انتباه العالم من جديد حول الكارثة الإنسانية بقطاع غزة ، وذلك عن طريق التصادم مباشرة مع قوات الجيش الإسرائيلي، في حرب جديدة محدودة، قد تُعيد أنظار العالم إلي قطاع غزة مرةً أخرى ، وتعاقب إسرائيل على سياسة حصارها المشدد للقطاع حسب مفهوم قيادة حركة حماس.

و أستبعد هنا، حدوث هذا السيناريو، لأنني أرى أن إسرائيل غير معنية بالتورط في حرب جديدة على غزة، لما تُشكله تلك الحرب من تكلفة اقتصادية باهظة، و خسائر مادية كبيرة للإسرائيليين.

لذا أتوقع أن تقوم إسرائيل بزيادة التسهيلات الاقتصادية للقطاع، في حال شعرت الحكومة الإسرائيلية أن قطاع غزة أوشك بالفعل على الانفجار، متبعةً بذلك سياسة " تنفيس القنبلة " قبل تفجيرها ، وذلك للحيلولة من وقوع أية حروب جديدة، بالرغم من استعداد جيشها لأي اجتياح جديد للقطاع.

لكن يمكننا القول، أنه في حال فقدت حركة حماس الأمل، بسبب اشتداد أزمة القطاع، و زيادة الحصار الإسرائيلي عليها ، و تورطت حماس بالفعل في حرب أخرى ضد إسرائيل، بشكل عشوائي، و دون استعداد عسكري جيد، و أصبح هناك دمار شامل لمنشآت القطاع.

أتوقع هنا أن الأمور السياسية و الأمنية في قطاع غزة، قد تنقلب رأساً على عقب ، حيث لا أستبعد أبداً، أن تستغل إسرائيل تلك الحرب العشوائية الجديدة الغير مخطط لها جيداً ، من أجل محاولة إنهاء حكم حركة حماس، و تجريد القطاع من السلاح، و من ثم احتلال قطاع غزة بشكل مؤقت ، لحين يتثنى الوقت المناسب لإسرائيل لتسليم القطاع لقوات دولية، مثل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وهنا سيكون دور تلك القوات الدولية هو إدارة شئون القطاع لفترة قصيرة، وبعدها قد تدعو تلك القوات الدولية الفلسطينيين لتشكيل لجنة وطنية فلسطينية مؤقتة ، لكي تقود المرحلة الانتقالية بالقطاع ، و لكي تُجهز لانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، لتبدأ بعد تلك المرحلة الانتقالية ،حقبة سياسية جديدة في غزة،لا تشمل بالضرورة أعضاء حركات المقاومة الإسلامية حسب الخطة الإسرائيلية.

ولابد من الإشارة ، أن هذا السيناريو تم تصوره بناءً على تحليلي السياسي لتصريحات القادة الإسرائيليين، التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام العبرية ، حيث صرح ليبرمان، عدة مرات في الصحف الإسرائيلية ، أن أية حرب قادمة على غزة، ستكون حاسمة وستهدف لإسقاط حكم حماس ، و قد ناقش نتاياهو سابقا في شهر فبراير ،2017 ، خلال لقاءه مع وزيرة الخارجية الاسترالية جولي بيشوب، فكرة جلب قوات دولية للقطاع .

لذا ليس مستبعدا، أن تكون إسرائيل قد فكرت بالفعل بهذا السيناريو الخطير، ولكنها ربما تنتظر الفرصة المناسبة لتطبيق مخططها الشبه معلن لتغيير نظام الحكم بغزة، و القضاء على حركات المقاومة المسلحة.

ويعتمد مدى إمكانية تطبيق هذا المخطط الإسرائيلي من عدمه ، على مدى الاستعداد العسكري لحركة حماس و حركات المقاومة الأخرى لمواجهة إسرائيل ، وعلى مدى قبول الأمم المتحدة للخوض بمغامرة جديدة في قطاع غزة ، و إرسال قواتها الدولية للقطاع بعد انتهاء المعركة المقبلة.

السيناريو الرابع: تمرد وجماعات متطرفة

وهذا السيناريو، يمكن أن يحدث فقط في حال فشلت حركة حماس بفرض سيطرتها الأمنية على قطاع غزة، بسبب الفقر و البطالة و انقطاع الكهرباء و إغلاق الحدود، أو بسبب احتمال وقف الدعم المالي الكامل لحركة حماس، وعجزها عن تمويل رواتب أعضائها بشكل دوري.

حينئذ ربما يحدث انشقاق جزئي في صفوف الحركة، وتمرد داخلي من قبل بعض أعضائها ، مما قد يؤدي إلي نشأة حركات تمردية سرية ، تهدف للانقلاب على حكم حركة حماس و تقوم بتشكيل مجموعات مسلحة متطرفة ، من أجل السيطرة على القطاع بشكل تدريجي، الأمر الذي سيؤدي إلي إغراق قطاع غزة في دوامة عنف خطيرة وفوضى أمنية كبيرة.

و لكن أعتقد هنا، أن نسبة حدوث هذا السيناريو تُعتبر ضئيلة جداً ، لأن حركة حماس معروفه بقوة تنظيمها الداخلي، و بإخلاص أعضائها لفكر الحركة الإسلامي، الذي يدعو إلي الالتزام بمبادئ السمع و الطاعة للقائد ، فقد تتلمذ معظم أعضاء حركة حماس منذ نعومة أظافرهم على أيدي أئمة مساجد الحركة، الذين غرسوا في نفوس عناصر حماس منذ طفولتهم ، قوة الإيمان بالجهاد في سبيل الله، و الصبر على الابتلاء و المحن ، لذا من الصعب، أن يحدث تمرد كبير داخل الحركة ، لكن كل شيء متوقع في هذا الزمن ، خاصةً في حال عجزت الحركة عن دفع نفقات أعضائها، و عجزت عن متابعة ورقابة تصرفات و سلوكيات عناصرها.

و بعد عرض تلك السيناريوهات الأربعة، أتمنى أن لا تتدهور أوضاع القطاع بشكل مأساوي يضر بمصلحة السكان المدنيين بالقطاع، و أتمنى أيضاً أن تنتهي الحالة المزرية للانقسام الفلسطيني، التي باتت تشكل خطر كبير على القضية الفلسطينية، و تقضي على حلم الدولة المستقلة.

و أخيراً، لابد من القول، أن الثابت الوحيد في الحياة هو التغيير ، فالسياسة متقلبة، و لا يوجد بها مسلمات، وفي عصرنا هذا كل شيء محتمل و قابل للحدوث ، لذا لا أحد يستطيع أن يتنبأ بشكل مؤكد ماذا ينتظر القضية الفلسطينية من مفاجآت ، و أحداث جديدة، قد تقلب موازين القوى في الساحة الفلسطينية.

لذا مهما تغيرت الظروف السياسية، وتبدلت الأمور الأمنية، يجب أن تكون أهدافنا الأولية و النهائية كفلسطينيين، هو الحفاظ على الوحدة الوطنية و التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، وبناء دولتنا الفلسطينية المستقلة.

اخر الأخبار