"حماس" ... ضياع وتخبط، أم بداية تغيير ؟

تابعنا على:   14:05 2017-04-27

بكر أبو بكر

كلما قرأت للدكتور أحمد يوسف ومصطفى اللداوي أتفاءل خيرا بأن صوت العقل مع المختلفين معنا سياسيا قد يعلو ويكبر، وأتفاءل أيضا حين متابعتي لتغريدات عزت الرشق المتوازنة في كثير من الأحايين على "تويتر" .

وكلما استمعت لشخص خالد مشعل في محاضراته العلنية أجد منه تطورا في الفكر السياسي، ويلحق به بفكر حركة فتح العقلاني المتوازن سنحسبه تطورا حقيقيا لا تكتيكيا علينا وإن اجزناه في مواجهة العدو.

أقول كلما أقرأ لمجموعة من كتاب "حماس" المستنيرين أحاول أن أرسم مسارا ايجابيا لما قد يؤول عليه الحال في العلاقة المتوترة كالتيار الكهربائي المتذبذب بين حركة فتح وبين "حماس"، ما يزيل من الذهن فكرة التخبط والضياع والتشتت.

حين أكتب في المفاهيم التعبوية التحريضية في الثقافة الداخلية للإخوان المسلمين وفي "حماس" فإنما أتوجه بالنقد للاتجاه نحو التطرف والظلامية في التعامل مع الخصم، وخداعة على فرضية (المفاصلة)، وعلى حدّية العلاقة المفترضة بين "المعسكرين" و"الفسطاطين" و"البرنامجين" حيث الحق المطلق الى جانب والشيطان إلى الجانب الآخر، فلا لقاء وإن تم شكليا.

شذرات التفاؤل والايجابيات لاحظت مؤشرات لها مؤخرا بتغير الخطاب الذي يمثله صلاح البردويل فهو بالإطلاع البسيط على مواقفه وخطاباته السابقة ينحو باتجاه التحريض والتطرف والاقصائية مستخدما ألفاظا لا نتفق معها، ولطالما نقدناها معبرين عن رفضنا لمثل هذا المنهج الذي يسير بالنقد إلى قمقم التخوين والتشهير والتكفير ما ينأى عنه عقلانيو حماس.

المفاجأة في يوم 25/4/2017 هو خطاب صلاح البردويل ذاته إذ يعبر عن سلوك خطابي جديد مهادن وغير تحريضي! إلا ما قل منه، بجعلنا نتساءل إن كان مثل هذا الخطاب مؤقتا أو تكتيكا أم جذريا؟! ليأتي الرد سريعا من مشير المصري في تبادل الأدوار -أو التخبط- حيث استلم المصري مصداح (ميكرفون بالانجليزية) الشتائم والتحريض من يد البردويل واتخذ موقع الأول وانطلق .

كنا نبغي أن يكون خطاب البردويل الجديد معبرا عن سياسة جديدة ل"حماس" الفصيل الوطني الفلسطيني تقترب من منهج أحمد يوسف العقلاني، ففي خطاب البردويل الكثير مما نفرح به بالأسلوب، وإن اختلفنا بالمضامين وعدد من المواقف، إلا أن المصري بخطابه وعلى ذات الفضائية التابعة لفصيل "حماس" يأبى علينا الفرح فيفجعنا بخطاب تشكيكي اتهامي تحريضي نشتم منه رائحة عفنة.

نتمنى ألا يكون هناك بين الرجلين تبادل أدوار تعبر عن التكتيك ضد الخصم السياسي، ونتمنى ألا يكون ذلك مؤشرا على التخبط والضياع والتوهان، ونتمنى أن يقرر صوت العقل أن يسود ، ونتمنى أن يستمر البردويل في الخطاب الجديد البعيد عن الشتائم والبذاءات والقبائح والاتهامات.

قبل أيام كتبنا عن فتوى مروان أبوراس و"تديين الصراع السياسي الداخلي" والفتنة، ولم يترك لما كتبناه أن يجف حبره ليعلن جهارا نهارا الدعوة لقتل الرئيس؟!

فهل هكذا تكون الخصومة السياسية حيث تبتديء بمسلسل تشكيك وتحريض مع قاموس متخم بالشتائم المقذعة و البذاءة، يلحقه أو يتوازى معه مسلسل تكفير وتخوين! ثم لا بد من النتيجة بأن تقع الفتنة والاحتراب! كما حصل في انقلاب عام 2007 وكما يحصل يوميا بالتعبئة الداخلية المريضة؟ وبالفعل الميداني!

يعبر البردويل في خطابه الأخير عن رأيه السياسي بتقلص دور السلطة والمنظمة ما هو من حقه ومن حقنا أن نقوله، ويعيد الرفض لتطبيق المبادرة العربية بالمقلوب ما هو مطلب الرئيس أبو مازن، ورغم اعتباره أن الرحلة لواشنطن (من أجل الحفاظ على الرأس)! ما نختلف معه به، إلا أنه وربما للمرة الأولى من سنين يمدح الرئيس برفضه لبعض شروط العرب (نقول أن رفض الرئيس لبعض شروط العرب مع العدو هو جيد)، ونرحب بتفاؤله أن (يعمل الرئيس على استجماع قوى الشعب) ملقيا باللوم على مستشاري السوء، ورغم مجموعة اتهامات أطلقها ضد هذا وذلك إلا أن صيغة وحِدّة وطبيعة منطوق الخطاب غير التحريضي تبدو واضحة مقارنة بقاموسه السابق.

يقول البردويل (إن القادم صعب والطرح الذي سيقدم لأبي مازن في واشنطن صعب جدا) مضيفا أنه (بحاجة للشعب الفلسطيني .. ورغم الخصومة السياسية بيننا فنحن جاهزون لعملية الانقاذ ... ).

انتقد البردويل الكثير في أداء السلطة، دون أن ينتقد كالعادة أي موقف لفصيله، وهذا شأنه لكن الجديد كما عبرنا هو بتغير مفردات قاموس الخطاب، أم لعله تغير مؤقت! لأن اللقاء الذي تحدث به كان مع (الكتاب والمحللين السياسيين)؟! أيكون ذلك محاولة لامتصاص ردود الفعل؟ أم يأتي ضمن صراع داخلي! وعلى كل بانتظار خطابه الرائي (التلفزي) الدوري القادم قد نأمل أن التغير حقيقي.

يلطم المصري الشعب الفلسطيني بحجارة كلماته في ذات اليوم الذي تواضعت فيه كلمات البردويل، وكأن التخبط والتشتت الحزبي أو تبادل الأدوار واقع! فهو يقول عن السلطة وحركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح على ذات الفضائية أن (الوجه القبيح انكشف)! ويؤكد -مشيرا لخصمه السياسي- على (الاصطفاف والتساوق مع العدو بالتهديد والوعيد!) مضيفا (لم نسمع من محمود عباس ولا من قيادة السلطة أي تصريحات عنترية للعدو)!؟

يؤكد المصري أيضا في خطابه على المعادلة المختلة والمرفوضة في التصنيف داخل مجتمعنا، وهي معادلة الحق والباطل! وفكرة التحريض الداخلي في "حماس"، فيما هو مدرسة "الفسطاطين" و"المعسكرين" اللذين لا يلتقيان أبدا بقوله أن (التناقض بين برنامج التفاوض والتنسيق الأمني مع العدو ، وبرنامج الحقوق والثوابت والمقاومة).

يدخل الخطاب كما العادة المقيتة في باب الاتهامات التخوينية حيث يقول عن الرئيس أنه (ترجم الخطوات التي كان يصنعها بتوافق مع العدو الصهيوني بشكل خفي لكن اليوم أظهرها بشكل واضح ... )! مؤكدا أن لحم غزة – بافتراضه أنه أو فصيله يمثّل غزة – هذا اللحم كما قال (محرم على الصهاينة وأعوان الصهاينة..؟!) لاحظ عبارات "التوافق مع العدو" و"أعوان الصهاينة" و"الاصطفاف مع العدو".

ثم يلقي المصري قنبلته الأخرى بعد التشهير والشتائم والتخوين الواضح باتهام حركة فتح بالكذب وعدم المصداقية وعليه-كما يقول- (نؤكد أننا لم نعد نؤمن باللقاءات الثنائية مع حركة فتح)،ويعود ليؤكد انتمائه لمدرسة الحق والباطل الديني والإقصاء للآخر النقيض فيقول (نحن أمام اختلاف في أبجديات الفهم للمشروع الوطني).

أن التفاؤل بالانعطافة الجديدة لخطاب البردويل شكلا، يلغيه بسرعة البرق خطاب المصري، وفتاوى أبوراس، وأحاديث د.محمود الزهار وغيرهم الكثير المفعمة بالاتهامات المعيبة، وكأنهم في تخبط وحيرة وضياع داخلي! أو كأنهم في صراع على تبادل الأدوار في المصاديح (جميع مصداح أي ميكروفون بالانجليزية) وفي إطار التحريض المتضمن في ثنايا الكلام ضد حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، وضد الرئيس.

التبادلية أو الضياع نراها طورا من البردويل في خطاباته السابقة، وطورا من أبو راس في افتاءاته الخطرة، وحينا من المصري أو غيرهما، فكيف نفهم معادلة (ترتيب البيت) التي يدعو لها بعض العقلاء في حماس وكيف نفهم (الإنقاذ)؟ وكيف نفهم (وحدة الصف) ولا تكف الألسن عن اللعن والشتم والتكفير والتخوين.

القاعدة الجامعة بعملنا السياسي هي: قاعدة الحوار والمشاركة والاحترام المتبادل، وهي قاعدة النقد للذات والآخر في ضوء إبراز السلبي ومقاومته، وإظهار الايجابي والإشادة به.

والقاعدة أيضا هي تعميم الرحابة والسماحة والتقبل والتجاور ورفض البذاءة والشتائم والطعن واللعن الشخصي كما يترافق معها رفض الانجرار نحو تديين الصراع، ورفض اعتبار الفصل بالشأن السياسي الفصائلي المتغير شأن الفتاوى والمفتين!

والقاعدة أيضا أنه لا يحق لأحد-مهما أطلق على نفسه من مسميات- أن ينصّب نفسه إلها معاذ الله فيقوم بشق الصدور ليكفّر هذا أوذاك، أو ينصّب ذاته امبراطورا للوطنية أو المقاومة فيخوّن! وبالتالي يحكم بالقتل كقصاص و"حكم شرعي" بائس، كما فعل أبوراس من يومين!

دعونا نتفاءل-رغم كل ذلك-فعقلاء الأمة والشعب الفلسطيني البطل، والفصائل وفيهم عقلاء "حماس" لا بد سينجحون في تعديل دفة المركب الداخلي ليشق طريقه بالاتجاه الصحيح لا سيما وحركة "حماس" مقبلة على تغيير جديد في البرنامج السياسي، نأمل أن يكون فيه من الاقتراب الوطني ما يغيظ الأعداء ويمزق صفوفهم، والله ناصرنا ما دام العدو الصهيوني فقط هو الباطل وهو "فسطاط" الشر.

رابط صورة الكاتب ، التحميل هنا m5zn.com     

اخر الأخبار