غزة وخيارات حماس المقبلة

تابعنا على:   12:37 2017-05-03

راسم المدهون

منذ احتدمت مسألة استعادة غزة من حكم حماس، يلاحظ المراقب تخبط قادة الحركة والناطقين الإعلاميين باسمها في إطلاق سلسلة لا تنتهي من الاقتراحات والردود وحتى التبريرات غير المتجانسة، والتي يدرك من يستمع إليها أن لا غاية حقيقية لها سوى التعمية واختلاق موضوعات وأزمات لا علاقة لها بما هو مطروح ومطلوب. حالة تشبه الفوضى وتحاكي مظاهرها. فالكل الحمساوي يستشعر خطراً داهماً، ويتصرف كمن تفاجأ وأخذ على حين غرَة، ما يفسر فقدان التوازن وعدم القدرة على تقديم رؤية سياسية واضحة ومتماسكة في مواجهة الرئيس أبو مازن وما قدمه لقيادة حركة حماس من مطالب محددة.

يعكس ذلك كله حالة التماهي التي عاشتها حماس مع تفردها بحكم قطاع غزة طيلة العقد الفائت، والتي تماهت مع قوانينها واشتراطاتها إلى الحد الذي جعلها لا تلتفت كثيراً إلى كل ما بذل من جهود ومحاولات لردم هوة الانقسام والعودة إلى وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة. كانت سنوات المراوغة والهروب إلى الأمام طويلة وزاخرة بتكتيكات التحايل على مشروعات المصالحة وعشرات الاقتراحات والبرامج، نجحت خلالها قيادة حماس في الرد على برامج الوسطاء باختراع سلسلة لا تنتهي من المآزق والمشكلات التي تكفي كل واحدة منها لإنهاء كل الجهود والعودة من جديد إلى نقطة الصفر وكأن شيئاً لم يكن. من يستعيد اليوم كل ذلك لا يدهشه بالتأكيد أن «تنسلَ» حماس من حكومة «الوفاق الوطني» كما تنسل الشعرة من العجين، وأن تعود إلى حكومتها الخاصة، ولكن بعد أن تستبدل اسمها فتطلق عليها اسم لجنة لإدارة غزة.

ذلك لم يحدث بكل تلك البساطة بسبب مهارة استثنائية تتمتع بها قيادة حماس، بل بسبب حرص نراه مبالغاً عند قيادة السلطة الفلسطينية جعلها تواجه كل ذلك السلوك الحمساوي بصبر لا يعرف الكلل أو اليأس، ولم تدرك حماس خلاله ما تراكم في نفوس مواطني قطاع غزة من احتقانات طيلة عقد مرير من سنوات شهدت حروباً تدميرية إسرائيلية، وحصاراً شاملاً عانت خلاله جماهير القطاع من نقص حاد في المواد الضرورية ومن منع السفر بكل ما يترتب عليه من صعوبات فردية وعامة، ناهيك عما اختلقته قيادة حماس من مشكلات، وبالذات أزمات الكهرباء، والتي لم يكن لها من هدف سوى تحريض المواطنين ضد قيادة السلطة وضد حركة فتح بقصد إطالة أمد الانقسام وتبريره.

اليوم تبدو مسألة قطاع غزة وعلاقته بالسلطة في رام الله وقد وضعت على صفيح ساخن تتفاعل معه كل التفاصيل التي واجهها المواطنون في سنوات الانقلاب الطويلة. بمعنى آخر، تبدو غزة عند حافة مفترق فاصل لا يسمح بالمراوحة في مربع المراوغة الحمساوية المعهودة والتقليدية، بل هو يدفع في اتجاه حسم نهائي: العودة إلى الوحدة السياسية والقانونية مع الضفة الغربية، أو الذهاب نهائياً إلى خيارات لا وطنية تأخذ غزة إلى مصير مجهول يربطها بخيارات ومشاريع لن تكون لها عناوين وطنية.

عن الحياة اللندنية

اخر الأخبار