حكاية حركة "حماس"

تابعنا على:   11:34 2017-05-06

عماد جاد

أعدت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وثيقة جديدة بدلاً من تلك التى أعلنتها بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى فى ديسمبر ١٩٨٧، الوثيقة الجديدة تضمنت ثلاثة تراجعات جوهرية عن مبادئ الوثيقة الأولى التى سميت «ميثاق حركة حماس»، تتعلق هذه التراجعات أولاً بفصم العلاقة التنظيمية مع جماعة الإخوان المسلمين، وثانياً بإعلان القبول بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، وأخيراً أن الصراع مع إسرائيل هو صراع سياسى وليس صراعاً دينياً، أى إن الصراع مع إسرائيل هو صراع حدود وليس صراع وجود. وهى الأسس التى تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية قبل ثلاثة عقود وكادت تؤدى إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وفق مسيرة أوسلو والاتفاق الموقع فى سبتمبر ١٩٩٣، لولا رفض «حماس» وقيامها بعمليات انتحارية فى قلب المدن الإسرائيلية، الأمر الذى أدى إلى وقف العملية بالكامل وعودة إسرائيل إلى احتلال ما سبق وانسحبت منه من أراضٍ.

لماذا أقدمت «حماس» على هذه التغييرات الجوهرية الآن؟

هل الحركة صادقة فيما أعلنته من تغييرات؟ أم أنها ضرورات الواقع ومتطلبات السياسة؟

هل الحركة صادقة فى العمل على أرضية وطنية من أجل دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧؟ وهل هناك إمكانية بذلك؟

حتى نفهم ما جرى داخل الحركة وحولها، ودفع بها إلى إدخال تغييرات جوهرية تنفى صلتها التنظيمية بجماعة الإخوان، وتقبل بوجود دولة إسرائيل، لا بد من العودة إلى نشأة الحركة وتطور دورها وعلاقتها بالعمل المقاوم ودخولها العمل السياسى من البداية كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها عربياً ودولياً باعتبارها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى.

أعطى القرار رقم ١٨١ (قرار التقسيم) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٤٧، نحو ٥٤٪ من مساحة فلسطين لليهود، و٤٣٪ من المساحة للعرب، كانت تتضمن يافا وحيفا على ساحل المتوسط، مع موضع المدينة المقدسة تحت الإدارة الدولية. قبل اليهود بالقرار، ورفضه العرب، فاندلعت حرب ١٩٤٨ التى تمكنت فيها القوات الصهيونية من احتلال نصف المساحة المخصصة للدولة العربية ولم يتبق سوى نحو ٢٢٪ من مساحة فلسطين ممثلة فى الضفة الغربية (٥٥٠٠ كم) وقطاع غزة (٣٦٠ كم). وهى المساحة التى احتلتها إسرائيل فى عدوان يونيو ١٩٦٧.

نظراً لأن القطاع وضع تحت الإدارة المصرية من ١٩٤٨ إلى ١٩٦٧، والحدود المشتركة البالغ طولها ١٤ كيلومتراً، فقد انطلقت من قطاع غزة عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى، ومن القطاع انطلقت الانتفاضة الأولى فى ديسمبر ١٩٨٧، وعلى أرضه ولدت حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان المسلمين. جاء الإعلان عن قيام الحركة من قبَل جماعة الإخوان هناك فى محاولة للالتحاق بركب المقاومة ونفى الاتهامات التى كانت توجه للجماعة هناك بالتنسيق مع قوات الاحتلال وعدم المشاركة فى المقاومة، فقد كانت رؤية الجماعة هى العمل على بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم أولاً قبل مقاومة الاحتلال، وأن المشاركة فى أعمال المقاومة سوف تؤدى إلى تحطيم المشروع، ومن ثم عملت الجماعة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وكثيراً ما كانت هذه الأجهزة تسهّل للجماعة الحصول على السلاح لقتال منظمة التحرير، فالجماعة كانت ترى منظمة التحرير خطراً على المشروع الإسلامى بسبب اعتناق المنظمة للفكر الوطنى، القومى أو العلمانى بتعبيرات الجماعة، ومن ثم كانت الجماعة تعتبر ضرب منظمة التحرير يساهم فى قيام المشروع الإسلامى لأنها ستكون البديل الوحيد. فى المقابل شجعت إسرائيل هذا الفكر على أساس أن ضرب التيار الوطنى الفلسطينى، ممثلاً فى فصائل منظمة التحرير، يمثل انتصاراً لإسرائيل لأن المنظمة هى جهة المقاومة الوحيدة على أرض فلسطين.

مع اندلاع الانتفاضة الأولى أرادت الجماعة ركوب موجة المقاومة فقررت تأسيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وجاء التأسيس بعد اندلاع الانتفاضة بنحو خمسة عشر يوماً، وكانت وبالاً على المقاومة الوطنية وعلى قطاع غزة وأهله، فقد ادعت أنها من فجّر الانتفاضة، ودخلت فى مبارزة مع القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة المشكّلة من المقاومين على الأرض وفصائل منظمة التحرير، بدأت تفسد على القيادة الوطنية دورها وتتحدى نفوذها عبر دعوة الفلسطينيين إلى عدم التجاوب مع طلبات القيادة الوطنية والتجاوب مع ما يصدر عن الحركة فقط، كانت القيادة الموحدة على سبيل المثال تطلب من الفلسطينيين تنفيذ إضراب عام شامل فى يوم محدد، فترد حركة حماس بدعوة الناس للعمل فى ذلك اليوم والإضراب فى اليوم التالى، فظهر الانقسام واضحاً، وضعف تأثير القيادة الوطنية الموحدة على نحو أسعد قوات الاحتلال ومكّنها من مواجهة مقاومة الشعب الفلسطينى الذى انقسم إلى شطرين بين القيادة الوطنية والمقاومة الإسلامية. وبمرور الوقت تصاعدت مأساة القطاع وأهله نتيجة سياسات وحسابات حركة حماس التى جاءت من منطلق كونها فرعاً للجماعة أكثر منها فصيلاً فلسطينياً مثلها فى ذلك مثل باقى فروع الجماعة والتنظيم الدولى التى يكون ولاؤها للتنظيم لا الوطن.

وللحديث بقية..

عن الوطن المصرية

اخر الأخبار