عن عمرو موسى!

تابعنا على:   10:55 2017-05-10

سليمان جودة

القصة يرويها عن عمرو موسى أعضاء بعثتنا الدبلوماسية الحالية فى العاصمة اليونانية أثينا، برئاسة السفير فريد منيب، نقلاً عن البعثة السابقة عليها، والمؤكد أن البعثة السابقة أخذتها عن الأسبق منها، وصولاً فى تسلسل البعثات إلى الوقت الذى كان فيه موسى وزيراً للخارجية!

والقصة لها بداية بعيدة تعود إلى عام ١٩٣٠، عندما اشترى الملك فؤاد مبنى سفارتنا هناك، واختاره فى موقع فريد حقاً، لأن على يمينه يقع فندق بريطانيا العظمى، أفخم فنادق العاصمة تقريباً، وعن يساره يستقر مقر وزارة الخارجية اليونانية، وأمامه مقر البرلمان اليونانى!

كان المبنى فى الأساس يسكنه ولى عهد اليونان، وقت أن كان البلد يحكمه ملك، وكان الملك فؤاد يريده استراحة له إذا ذهب إلى أوروبا، ولم يكن قد أصبح مقراً لسفارتنا بعد، وكان ثمنه عند شرائه ٢٨ ألف جنيه إسترلينى!

وحين أصبح مقراً للسفارة، فيما بعد يوليو ١٩٥٢، اكتشف اليونانيون أن السفارة المصرية هى السفارة الوحيدة الموجودة فى هذا الموقع الحيوى جداً، وأن كل ما حولها مقار لأجهزة يونانية رفيعة من مستوى البرلمان والخارجية، وأنه ربما يكون من الأليق أن نختار نحن مقراً آخر لسفارتنا، على أن يعوضونا هُم تعويضاً يرضينا عن المبنى، وعن موقعه النادر، وعن قيمته العالية!

عرضوا الأمر على أكثر من وزير خارجية فى القاهرة، واحداً بعد الآخر، وكان الموضوع يؤجل مرة، ويجرى ترحيله من وزير لوزير مرة ثانية، وكان يتعثر، ولم يكن يتم!.. والمؤكد أن وزراء خارجيتنا، وزيراً وراء وزير، كانوا يعرفون قيمة المبنى جيداً، وكانوا يدركون أن التفريط فيه لا يجوز، مهما كان الثمن المعروض!

وفى فترة عمرو موسى جددوا العرض، وانتقلوا به إلى مرحلة مختلفة، وكان العرض هذه المرة أنهم لن يعوضونا وفقط، وإنما سيشترون لنا أى مبنى نختاره، فى أى موقع فى أنحاء العاصمة، مهما كان ثمنه!.. وكان العرض الجديد مغرياً بالطبع، لأن الذى لا شك فيه أن فى أثينا مواقع أخرى أجمل، ولكن القضية لم تكن فى جمال موقع السفارة وحده، وإنما كانت فى حيويته، وفى أن العلم المصرى هو الوحيد الذى يرفرف بين الخارجية والبرلمان، ثم إنه على بُعد مئات من الأمتار يقع مقر الرئاسة، ومقر إقامة رئيس مجلس الوزراء!

وجلس وزير خارجيتنا يتفاوض، وسألهم عما إذا كانوا مستعدين لدفع ثمن أى مبنى بديل نختاره؟!.. وكانت الإجابة بملء الفم: نعم!.. وتصرف عمرو موسى كأنه لا يعرف أن المبنى المقابل هو مبنى البرلمان، فأشار إليه من بعيد مُبدياً رغبته فى الانتقال إليه!!.. ولم يكن أمام المفاوض اليونانى إلا أن يكتم ضحكة، وهو يقول: يا سيدى إنه مبنى برلمان اليونان!

وفهم الجانب اليونانى أننا متمسكون بمبنانا، ليس عن تعنت معهم بطبيعة الحال، ولا عن رغبة فى مضايقتهم، ولكن لأنهم هُم أنفسهم لو كانوا مكاننا ما كانوا ليفرطوا فيه، مهما عرضنا، ومهما قلنا!

القصة تبدو طريفة فى جانب منها، ولكن جانبها الآخر يقول إن المفاوض المصرى حول أى شأن يجب أن يتصرف بقلب جامد، وأن يكون على يقين من أنه يجلس ووراءه مصر بكل ما لها من وزن!

عن المصري اليوم

اخر الأخبار