المسترجلات.. وسلامة الفطرة

تابعنا على:   09:52 2017-05-15

د. لطيفة حسين الكندري

ما زلتُ أذكر قبل عدة سنوات تلك الفتاة المسترجلة عندما رأيتها وقد عادت للفطرة من جديد، فقلت لها: ماذا حدث… أنت اليوم متألقة ومشرقة؟ فأجابت وهي تبتسم خجلا: وجدت نفسي الآن بعد فترة من الضياع. فقلت في نفسي إن فقدان الشخصية مأساة، وعملية تصحيح المسار اكتشاف جديد وجميل وسعيد.
المسترجلات مشكلة فعلية موجودة في المجتمعات بدرجات متفاوتة تنشأ من عوامل نفسية واجتماعية في الغالب، وتعاني منها الكثير من العوائل، والكل يشعر بها وتحتاج إلى معالجات جذرية وعقلانية.

من المهم إيجاد سياسات وقائية تحث الطفل على ممارسة دوره الإنساني والمجتمعي السليم. معظم تلك الحالات المسترجلة لا صلة لها بقضية خلل الهرمونات، والأمراض العضوية إنما تستفحل الظاهرة من الصحبة الفاسدة، والأوهام الخاطئة، وغياب التوجيه، والفراغ، وضعف الوازع الديني، وعدم الثقة بالنفس، والتشويش الثقافي النابع من الفهم القاصر لمفهوم الحرية.

ولعل الانفتاح الإعلامي غير الموجه يزين صورة المثلية ويحكي الأكاذيب عن الحياة السعيدة للبويات وحقهن في تكوين علاقات جنسية أو رومانسية. وحتى كتب الأطفال الأجنبية قد تروج مفهوم حقوق الإنسان -كما يقولون- في تغيير الجنس، وأن التعايش يعني السماح للإنسان بفعل ما يشاء وهو مفهوم مضلل. دافع الأنبياء عليهم السلام عن سلامة الفطرة منذ قديم الزمان وجاهدوا لحماية الفرد والأسرة من شتى الانحرافات، وما زال الصراع قائما بأشكال جديدة وحجج متنوعة والعلة واحدة، انحراف الفطرة والخضوع لتصورات سلبية.
لكل حالة من هذه الحالات خصوصياتها لتصحيح تصوراتها ومسارها. هناك صنف ينقصه الدفء الأسري ويعاني هذا الصنف من تصدع العلاقات الاجتماعية وجفافها، ومن أجل لفت انتباه المجتمع قد تتقمص الفتاة الشخصية الذكورية. وقد تعاني المسترجلة من كبت لمشاعرها، وقمع لتصرفاتها ولذلك تتطرف في ردة الفعل فتتجه نحو الحرية الجامحة بحثا عن التعويض من جهة، وهربا من واقعها الأليم من جهة أخرى. ولأن عالم الذكور في المجتمعات الشرقية أكثر تحررا من عالم الإناث ربما تتوهم الفتاة، لا سيما في مرحلة المراهقة أن الانتساب لجنس الشباب أكثر حرية.
ولأن الطيور على أشكالها تقع، فإن المسترجلات يجدن الدعم والتأييد ممن على شاكلتهن فتصبح الصحبة الفاسدة من مستلزمات حياتهن، ويصعب الإصلاح بوجود تلك الصداقات المنحرفة التي تفتقد القدوة الحسنة.
من الأهمية بمكان للمربين وقاية الناشئة عموما من آفة استرجال الفتيات، فالقضية قضية مجتمعية أخلاقية يمكن معالجتها بتضافر الجهود، وفتح قنوات الحوار العقلاني الحكيم.
فتياتنا مثال رائع وجميل للأخلاق الحسنة، وهن أمهات المستقبل، وعماد المجتمع ومن حقهن علينا صدق النصيحة وتقديم يد العون، وعليهن الحذر من الآفات كلها، لا سيما الآفات الأخلاقية التي تعادي الفطرة النقية السليمة. الأنوثة نعمة كبرى، ورسالة عظمى تعطي الوجود قيمة، وتصنع للمجتمع الديمومة، ولا مناص من إصلاح الوضع بالحب والحكمة والحوار والاحتواء الذكي الصادق.
عن القبس الكويتية

اخر الأخبار