لماذا يجب إغلاق السلطة الفلسطينية

تابعنا على:   15:44 2017-05-27

ديانا بطو

تم الترويج للاجتماع الذي عقده الرئيس ترامب هذا الأسبوع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على أنه جهد يبذله مؤلف كتاب "فن الصفقة" لاستئناف عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة والمتوقفة منذ فترة طويلة. لكن مع اقتراب الذكرى السنوية الخمسين للاحتلال الإسرائيلي في الشهر المقبل، فمن المؤكد أن: العملية أسوأ من كونها متوقفة، إذ أنه لا جدوى من المفاوضات في مواجهة حكومة يمينية متعنتة في إسرائيل لا تؤمن بحق الفلسطينيين في التمتع بحقوق كاملة.

أين يؤدي ذلك بالسيد ترامب والسياسة الأمريكية الداعمة للسلطة الفلسطينية والسيد عباس؟ وبالنظر إلى الفشل المدقع الذي مُنيت به المحادثات المبنية على إطار مفلس يحظى بتأييد إسرائيل بشكل كبير، تناقش أعداد متزايدة من الفلسطينيين الحاجة إلى قيادة جديدة واستراتيجية جديدة.

ويتساءل الكثيرون الآن عما إذا كانت السلطة الفلسطينية تقوم بأي دور إيجابي أو أنها مجرد أداة سيطرة بيد إسرائيل والمجتمع الدولي. إن المنطق الذي لا مفر منه يقول أنه آن الأوان للسلطة لأن ترحل.

كان الهدف من السلطة الفلسطينية التي تأسست في العام 1994 بموجب اتفاقات أوسلو، أن تكون بمثابة هيئة مؤقتة تصبح حكومة تعمل بكامل طاقتها حالما تمنح الدولة التي كانت موعودة في العام 1999، ولذلك فقد كان اختصاص السلطة محدودًا على الدوام إذ أنها مسؤولة عن 18% فقط من الضفة الغربية (المقسمة إلى ثماني مناطق). وبالمقارنة مع السيطرة الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، تعد السلطات التي تتمتع بها السلطة الفلسطينية تافهة.

لكن بالنسبة لكثير من الفلسطينيين، كان إنشاء الحكومة بمثابة حلم تحقق. وأخيرًا، سيتحرر من عاشوا تحت الاحتلال منذ العام 1967 من الحكم العسكري الإسرائيلي القمعي ليحكموا أنفسهم. طالب الفلسطينيون بتولي مناصب في الهيئة الجديدة وفاخروا بإنشاء مؤسسات رغم العقبات التي فرضها الحكم الإسرائيلي. ومع استمرار المفاوضات في أوسلو، أصبحت هذه الكتل أكثر رسوخًا.

وبعد أكثر من عقدين من الزمن لم تسفر المحادثات عن أي تقدم. شاركتُ على مدى عدة سنوات في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ويمكنني أن أشهد أن هذه المفاوضات كانت عقيمة. تعرض المندوبون الفلسطينيون الذين كانوا بحاجة إلى تصاريح لدخول إسرائيل للمشاركة في المحادثات للاحتجاز بشكل روتيني على نقاط التفتيش الإسرائيلية، وعندما تحدثنا عن القانون الدولي وعدم شرعية المستوطنات، ضحك المفاوضون الإسرائيليون في وجوهنا.

كانوا يقولون السلطة كل شيء، وأنتم لا تمتلكون السلطة.

ومع مرور الوقت، أصبح من الواضح أن ميزانية السلطة وأولوياتها كانت موجهة في المقام الأول نحو ضمان بقاء الفلسطينيين من أكثر الناس خضوعًا للرقابة والسيطرة على وجه الأرض. عملت السلطة الفلسطينية في الواقع كمقاول من الباطن للجيش الإسرائيلي المحتل، وقيل لنا أن التركيز الكبير على الأمن ضروري طوال مدة محادثات السلام. واليوم، يذهب ثلث ميزانية السلطة التي تبلغ حوالي 4 بلايين دولار تقريبًا إلى أعمال الشرطة، أي أكثر من مخصصات الصحة والتعليم.

هذه القوات الأمنية لا توفر خدمة شرطة عادية للفلسطينيين، ولكنها تساعد الجيش الإسرائيلي في الإبقاء على الاحتلال والمستوطنات الإسرائيلية المتوسعة باستمرار. لم يسفر "التعاون الأمني" الذي تمت الإشادة به على الصعيد الدولي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سوى عن اعتقال الفلسطينيين وحبسهم، بمن فيهم نشطاء حقوق الإنسان ممن لا يتبنون العنف، في حين يسمح للمستوطنين الإسرائيليين المسلحين والعنيفين بتهديد الفلسطينيين دون معاقبتهم. لا تمتلك السلطة الفلسطينية الاختصاص على المستوطنين، على عكس الجيش الإسرائيلي.

إن سبب وجود السلطة الفلسطينية اليوم ليس تحرير فلسطين، ولكن إبقاء الفلسطينيين صامتين وسحق المعارضة بينما تسرق إسرائيل الأرض وتدمر منازل الفلسطينيين وتبني المستوطنات وتوسعها. وبدلًا من أن تصبح السلطة الفلسطينية دولة ذات سيادة، أصبحت شبه دولة تسيطر عليها الشرطة وديكتاتورية افتراضية يدعمها ويمولها المجتمع الدولي.

انظروا إلى زعيم السلطة الفلسطينية السيد عباس البالغ من العمر 82 عامًا والذي يسيطر على السلطة منذ أكثر من 12 عامًا ويحكم بموجب مرسوم رئاسي معظم الوقت، دون أي ولاية انتخابية. قاد عباس بعضًا من أسوأ الأيام في التاريخ الفلسطيني، بما في ذلك الانقسام الكارثي الذي دام لعقد من الزمان بين حركة فتح التي يتزعمها وحركة حماس اللاعب الرئيسي الآخر في السياسة الفلسطينية، فضلًا عن ثلاثة هجمات عسكرية إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة.

وأصبح البرلمان الفلسطيني تحت رئاسته في طور الثُبات وغير ذي صلة. ولم تتح الفرصة مطلقًا للعديد من الفلسطينيين للتصويت في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية لأن السيد عباس فشل في إجرائها، رغم دعوة القانون الأساسي الذي يحكم السلطة الفلسطينية إلى إجرائها. تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن شعبيته في أدنى مستوى لها حيث يشعر ثلثي الفلسطينيين بالسخط لدرجة أنهم يريدونه أن يستقيل.

كما لم يعد عدد كبير يعتقد أن المفاوضات ستضمن حريتهم. تقوم السلطة الفلسطينية بإضفاء الطابع المؤسسي على اعتمادها على المانحين الدوليين الذين يربطون يدي السلطات بالظروف السياسية. ونتيجة لذلك، فإنه حتى استخدام المحكمة الجنائية الدولية لإخضاع إسرائيل للمساءلة عن بناء مستوطناتها غير القانونية يجب مقارنته بالآثار المالية المحتملة لهذا الفعل البسيط.

ولإزالة هذه المشنقة التي تخنق الفلسطينيين، يجب الاستعاضة عن السلطة بعملية صنع القرار المجتمعي التي سبقت إنشاء المؤسسة. يجب أن نعمل على إصلاح جهازنا السياسي الرئيسي وهو منظمة التحرير الفلسطينية، التي يترأسها عباس أيضا، حتى تمثل الشعب الفلسطيني وأحزابه السياسية، بما فيها حماس، على نحو أوسع. أشارت حماس منذ وقت طويل إلى أنها تريد أن تكون جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية، ويؤكد ميثاقها المنقح، الذي صدر مؤخرًا في العاصمة القطرية الدوحة، هذا التطلع.

لماذا يجب إجبار الفلسطينيين، مع تلاشي عملية التفاوض، على التمسك بالسلطة الفلسطينية التي لم تفعل سوى تقويض نضالهم الذي استمر لعقود من أجل تحقيق العدالة، والتي ساعدت على تقسيمهم؟

ونظرًا لوجود 150 ألف موظف يعتمدون على السلطة من أجل الحصول على رواتبهم، فإنني لست أتوهم عندما أقول أن إغلاقها سيكون سهلًا أو غير مؤلم، ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة كرامتنا وصنع القرار الفلسطيني المستقل. ستتمكن منظمة التحرير الفلسطينية التي تم إصلاحها، مع تجديد مصداقيتها، من جمع الأموال من الفلسطينيين والدول الصديقة لدعم من يعيشون تحت الاحتلال، كما فعلت قبل عملية أوسلو.

وبالنسبة للبعض، قد يبدو هذا بمثابة التخلي عن الحلم الوطني المتمثل في الحكم الذاتي، ولكن الأمر ليس كذلك. فمن خلال تفكيك السلطة، يمكن للفلسطينيين أن يواجهوا مرة أخرى احتلال إسرائيل بطريقة استراتيجية، على عكس الدعوات الرمزية التي أطلقها عباس لإقامة الدولة. ويعني ذلك دعم المبادرات المجتمعية التي تنظم مظاهرات جماهيرية غير عنيفة وتضغط من أجل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، مثل تلك التي ساعدت على إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وقد تعني هذه الاستراتيجية الجديدة الدعوة إلى المساواة في الحقوق في دولة واحدة، وهي نتيجة أكثر عدلًا وقابلة للتحقيق أكثر من العملية التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تدعي أن السلام يمكن أن يأتي دون معالجة حقوق اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. يدعم أكثر من ثلث الفلسطينيين في الأراضي المحتلة حل الدولة الواحدة، دون وجود حزب سياسي رئيسي يدعو إلى هذه السياسة.

وبتفكيك السلطة الفلسطينية وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، ستُسمع الإرادة الحقيقية للفلسطينيين. الأمر متروك لهذا الجيل من الفلسطينيين ليقرروا ما إذا كانوا يريدون دولتين أو دولة واحدة.

اخر الأخبار