مقايضة نقل السفارة بالتطبيع المجانى

تابعنا على:   15:05 2017-06-04

جيهان فوزي

من تابع التصريحات الانتخابية التي أطلقهاها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ووعوده النارية الحاسمة التي لا تقبل التأويل أو التشكيك فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، يدهشه التراجع في الوعد القاطع الذي وعد به الرئيس الأمريكى إسرائيل وحسمه بنقل السفارة إلى القدس، ذلك الأمل الذي أحياه ترامب في وجدان اليمين الإسرائيلى المتطرف وبات يحلم في تحقيقه قريبا، وعقد الأمل في زيارة ترامب إلى إسرائيل للوفاء بوعده، لكن أي من ذلك لم يحصل وتبدد الحلم الإسرائيلى مجددا في نقل السفارة إلى القدس بعد أن وقع ترامب على قرار التأجيل بنقل السفارة الأمريكية مثلما فعل سابقوه من الرؤساء الأمريكيين عندما يحل موعد التجديد، مفاجأة لم يتوقعها اليمين الإسرائيلى ولا بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء ولا حتى أكثر المراقبين تفاؤلا نظرا لنبرة الحسم والتحدى التي رافقت تصريحات ترامب المتتالية الداعمة لإسرائيل والمساندة لكل خطواتها في قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.

دونالد ترامب دخل البيت الأبيض وهو يجهل بالسياسة الإقليمية والشرق أوسطية، وشيئا فشيئا بدأ يفهم التعقيدات والتشابكات ولغة المصالح الدولية التي خرج عن قوانينها بتصريحاته التي أثارت الجدل كثيرا، غير أن هذا التغير لم يكن السبب الوحيد في عدول ترامب عن الإيفاء بوعده لإسرائيل، هناك من القضايا والمصالح الأمريكية الكثير والتى تتعارض مع تنفيذ هذا الوعد خاصة مع الدول العربية، وبدأت تتكرس بعد زيارته للشرق الأوسط بدءا بالسعودية وأدرك أن مثل هذه الخطوة تهدد ليس فقط الشارع الإسرائيلى بل تهدد أيضا المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، صحيح أنه لم يجرؤ رئيسا في الولايات المتحدة على مثل هذا القرار أو على تنفيذه لاعتبارات عديدة أهمها صمود الشعب الفلسطينى ورفضه الحاسم لأى مقايضة أو مهادنة في قضية مصيرية، وثانيها القوانين الدولية والأممية التي اتخذت بشأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وثالثها المصالح الأمريكية التي ستتعرض لمخاطر غير محسوبة في حال تم نقل السفارة إلى القدس، لكونها خطوة ستجر المنطقة بأكملها إلى دوامة العنف يدفع ثمنها الشارع الإسرائيلى والأمريكى.

لكن ورغم وجاهة تلك الأسباب إلا أنها لم تكن الوحيدة التي تحكمت في قرار ترامب بإرجاء نقل السفارة وإعادة النظر في هذا القرار الانتخابى الذي دغدغ به مشاعر الشارع الإسرائيلى، فقد جاء ترامب عوضا عن ذلك بمشاريع كثيرة للإسرائيليين من ضمنها رغبته في فتح آفاق لإسرائيل في الشرق الأوسط وإرجاء موضوع القضية الفلسطينية، وذلك من خلال فتح قنوات اتصال بين إسرائيل وبعض العواصم العربية وربما القمة الإسلامية في الرياض كرست لهذا الأمر، وقد استشعر الفلسطينيون أن ثمة محاولات لتغيير صيغة المبادرة العربية للسلام لكى تكون من الياء إلى الألف وليس من الألف إلى الياء على حد تعبير الناطق باسم حركة فتح، بمعنى أن إسرائيل تريد تطبيع العلاقات مع الدول العربية ومن ثم الحديث عن الحل للقضية الفلسطينية، لذا يحاول الرئيس محمود عباس تثبيت الموقف العربى من المبادرة العربية وهى أن تبدأ باعتراف إسرائيلى بالدولة الفلسطينية وانسحابها من الأراضى المحتلة عام 67 ويكون البند الثانى هو تطبيع العلاقات مع إسرائيل وهو ما لا تريده إسرائيل بطبيعة الحال.

لكن ما هو الضرر الذي سيطرأ على القضية الفلسطينية في حال التطبيع العربى الذي يراهن عليه ترامب ونتنياهو أيضا قبل تطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967؟

هناك ضرر كبير لأنه مخطط إسرائيلى يقوده نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية ووأد المساعى الدولية للسلام وإسرائيل لاعب ماهر في هذه الساحة يتلاعب بعملية السلام ولايزال متمسكا بثلاث بنود بخصوص المبادرة العربية وعند الحديث عنها يعرقلها عبر مطالباته المتكررة بإلغاء البند المتعلق باللاجئين ورفض تسليم الجولان السورى المحتل، بالإضافة إلى الدعوة إلى عقد مفاوضات مع الدول العربية حتى قبل الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين، وبذلك يكون قد نال ما تريده بلاده من التطبيع المجانى وعدم تسليم الفلسطينيين دولة مستقلة، وللأسف الشديد فإن العرب قد فرطوا بفرصة تاريخية باإجراء مقايضة مع الرئيس الأمريكى أثناء وجوده في السعودية ففى مقابل هذا الدعم اللامحدود الذي قدمته الدول العربية خاصة السعودية، كان بالإمكان الضغط على ترامب كى يعلن صراحة أن المبادرة العربية تشكل مرجعية حقيقية للسلام، لكن ذلك لم يحدث!.

يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد على العديد من المخططات الإسرائيلية التي يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لإحداث وقيعة بين الفلسطينيين برئاسة أبومازن والرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالضغط على ترامب من أجل شراء مواقف أمريكية مساندة لإسرائيل، ورغم أن ترامب نكث بالوعد الذي قطعه على نفسه بعد أن وقع على أمر رئاسى يؤجل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مسببا بذلك خيبة أمل لدى اليمين الإسرائيلى الذي علق آماله على أن ترامب سينتهج سياسة مختلفة إزاء القدس لأنه أفضل صديق لإسرائيل ولظنهم بأنه الوحيد القادر على تغيير الوضع القائم في القدس، خاصة بعد الزيارة التي قام بها إلى الحائط الغربى في القدس (حائط البراق)، إلا أن نتنياهو ظل متماسكا حيال قرار ترامب معربا عن تقديره للصداقة المتينة التي تجمع بين البلدين والتزام ترامب بنقل السفارة في المستقبل القريب، فهو واثق من الرهان الأمريكى لإطلاق عملية السلام في المنطقة في أجواء لا يسودها التوتر والتى قد تحقق الطموح الإسرائيلى في سلام مجانى وتطبيع مجانى مع الدول العربية لن يكون من ضمنه حل عادل للقضية الفلسطينية وهو ما تسعى إليه إسرائيل ولن توافق على سواه!.

عن المصري اليوم

اخر الأخبار