رحل القائد أبو ذر

تابعنا على:   19:47 2017-06-22

إبراهيم أبو النجا

قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم

" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه () فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر () وما بدلوا تبديلا ".

والله إني أشفق على كل إنسان يفقد عزيزاً أو صديقاً ويكون لزاماً عليه بأن ينعيه ، أو يرثيه ، فكيف إذا كان المعني الأخ / محمود درويش " أبو ذر " .. رسالة تلقيتها نبأ قرأته بالأمس .. كم كان ثقيلاً .. مؤلماً .. محزناً .. إنه الفراق الأبدي .. ولئن لم يكن مقر إقامتنا واحداً إلاّ أن الواحد منا مطمئن وكأنه يرى أخاه كل يوم حيث لا يمر عيد أو ذكرى أو مناسبة طيبة إلاّ ونتذكر بعضنا ونطمئن على أحوالنا ، ونتجاذب أطراف الحديث عن تاريخ عظيم .. وفعلاً هو عظيم .. برجالاته ... بتضحياته .. بانتصاراته ... بشهدائه ... بحلوه ومره .. فالمر لم يكن إلاّ من أجل ما هو أحلى .. وهل هناك أحلى من الوطن ؟ .

في خريف عام 1972م كنا في الجزائر العظيمة .. وتستحق هذا الاسم بالجدارة كلها .. كيف لا وهي أول دولة أمدتنا بمكتب .. وأول دولة سلحتنا .. وأول دولة تلقينا فيها تدريبنا وتأهيلنا .. وأول دولة تعترف بدولة فلسطين .. والدولة التي قال رئيسها القائد العظيم الراحل : هواري بومدين رحمه الله ..

أنا مع فلسطين ظالمة ومظلومة ... أبعد هذا القول قول ؟

قلت وصلتنا رسالة عبر اللاسلكي المركزي ببيروت : أن إخوة في طريقهم إليكم .. كنت في استقبالهم .. كان رحمه الله واحداً من ثلاثة والأخان الآخران كمال الشيخ      " أبو فراس " وعلاء حسني " أبو رامي " وهما قائدان معروفان ، وعضوان في المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " كان لهم استقبال مميز وحفاوة بالغة .. فهم قامات عسكرية ... تنظيمية .. نضالية .. أي هم فدائيون        بامتياز ..

المهمة التي جاءوا من أجلها مهمة وطنية .. وأنجزوها بنجاح ثم عاد الاثنان ونحن كنا نتمنى أن يبقى أحد منهم لأننا لا نستطيع طلب الإبقاء على الثلاثة من الإخوة القيادة العامة لقوات العاصفة لعدم الاستغناء عنهم .

بقي الأخ / محمود درويش " أبو ذر " واليوم أقول ليتني لم أعرف .. لأنه ليس سهلاً على من عرفه أن لا يصدم .. حقّاً كانت صدمتي كبيرة .. وكنت ليلة الأمس في المسجد لإحياء ليلة القدر أترحم على روحه وأرواح أبطالنا وشهدائنا كافة .

اضطلع بالمهام كافة ... تنظيمية : حيث كان أمين سر إقليم الجزائر لاحقاً ..

عسكرية : كان على علاقة جيدة بالقيادات العسكرية الجزائرية مما استفاد منها طلاب الدورات من أبناء التنظيم .

سياسية : كلف نائباً لممثل منظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر .

بقينا مع بعضنا من تاريخه وحتى مغادرتي الجزائر عام 1976م .. لم ننقطع عن الاتصال ببعضنا حتى قدومه مع السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م .

كالآخرين من حقه أن يعيش على أرضه وبين ذويه .. خاصة وهو العاشق للأرض .. عندما تسمعه كيف يتغنى بكروم الزيتون .. وببطيخ جنين .. وكيف يصف سهل مرج بن عامر .. وكيف يردد الأهازيج الشعبية ، ويحفظ من الأمثال ذات الوقع الذي يشد الإنسان ويحرك فيه شجونه وحنينه للوطن .

ولكنه بعد أن اطمأن وجال وزار قبور الآباء والأجداد والأصدقاء والجيران والأحبة .. واطمأن أن النضالات أثمرت وأن التضحيات لم تذهب سدى .. فقد أصبح لنا وطن تحت سلطتنا الوطنية .

قرر العودة إلى الجزائر ليواصل نضاله والحالة تستحق أن يكون شخص بوزن فقيدنا خاصة في الجزائر لإكمال المشوار النضالي الطويل .

أبو ذر الفدائي نجا من العدو .. ونجا من آثار التفجير .. وعولج من آثار اشتباك مع العدو داخل الوطن المحتل ، ولكنه استسلم للمرض ... قاتل الله المرض .

عانى فقيدنا من الأمراض التي انهمرت عليه فغيبته عنا بالأمس .

أبا ذر : لن تبكيك جنين .. ولن يبكيك أصدقاؤك فقط .. ولكن سيبكيك الوطن . .. كل الوطن ..

سلام عليك يوم ولدت .. وسلام عليك يوم رحلت .. وسلام عليك يوم تبعث حيّاً .

فإلى جنات الخلد أيها الرفيق والحبيب .

قال تعال : بسم الله الرحمن الرحيم

" يا أيتها النفس المطمئنة .. ارجعي إلى ربك راضية مرضية .. فادخلي في عبادي .. وادخلي جنتي "  صدق الله العظيم .

إنا لله وإنّا إليه راجعون.

اخر الأخبار