"صفقة عباس التاريخية"..الوهم والواقع!

تابعنا على:   10:43 2017-07-04

كتب حسن عصفور/ في خطوة تبدو خارج السياق السياسي العام، وطنيا واقليميا، أعلن الرئيس محمود الصلاحيات  محمود عباس في خطاب له يوم الاثنين 3 يوليو (تموز) 2017 خلال القمة الأفريقية في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، انه، "تلوح بارقة أمل جديدة، لصنع السلام مع التحرك المبكر لفخامة الرئيس ترامب وإدارته، من أجل صنع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن هذا التحرك قد جاء في وقته، وقد أكدنا للرئيس ترامب، خلال لقاءاتنا معه في البيت الأبيض وبيت لحم، استعدادنا التام للعمل معه، من أجل عقد صفقة سلام تاريخية بيننا وبين الإسرائيليين، وفق حل الدولتين، ونحن في انتظار أن تستجيب إسرائيل لهذه المبادرة، وقد أكدنا كذلك للرئيس ترامب استمرار شراكتنا الكاملة معه لمحاربة الإرهاب في منطقتنا والعالم".

المفاجأة التي فجرها عباس، بهذا "الاستعداد الذاتي لسلام تاريخي مع الاسرائيليين"، لا وجود لها من حيث المتابعة السياسية، وكل المؤشرات الصادرة عن الطرفين المستند لهما عباس لعقد تلك "الصفقة التاريخية" لا يذهبان ابدا الى تلميح يمكن وصفه بذلك، بل وبأقل منه بقليل..

ذهاب عباس الى "تفخيم الكلام السياسي" أمام قمة افريقية يبدو كمتسول سياسي لا أكثر، وأن يظهر وكأنه "صاحب قرار سياسي في مسار العملية السياسية"، والواقع بعيد كليا عن ذلك، بل يمكن اعتبار مكانة محمود عباس السياسية اليوم هي الأضعف - الأهزل منذ انتخابه بعد ترتيب اغتيال الخالد ياسر عرفات باتفاقات مسبقة، وضع لا يمكنه أن يعقد "صفقة محلية" مع طرف فلسطيني فهل يمكنه أن يعقد "صفقة تاريخية وطنية" مع اسرائيل..

لنقرأ بعضا من مشاهد الواقع القائم، داخليا واقليميا ودوليا، وهل لها ان تساهم في تحقيق تلك "الصفقة التاريخية العباسية"..

فدولة الكيان بدأت تتغول على الواقع القائم بطريقة "غير مسبوقة" لجهة تكريس "الاستيطان المكثف والموسع" نشاط جنوني لتهويد ما يمكنها تهويده في الضفة والقدس، فهي تعمل على تحويل المستوطنات الكبرى في الضفة الى "مدن يهودية نقية"، بكل ما لها من ميزات خاصة، على طريق خلق واقع سياسي جغرافي جديد تحت مسمى "يهودا والسامرة"، بالتوازي مع تهويد علني وصريح في القدس الشرقية المحتلة، كان جزء منه بمباركة عباس وفصيله الخاص "فتح- المؤتمر السابع"، بعد الموافقة الرسمية باعتبار حائط البراق وساحته "أماكن يهودية مقدسة"..

ولم يعد خافيا ابدا أن "السيادة الأمنية" في الضفة باتت ملكا مطلقا لدولة الكيان، وأن أجهزة أمن عباس تحولت الى تأدية "وظائف تكميلية خدماتية" للأمن الاسرائيلي، من خلال "التنسيق الأمني المقدس" لفريق عباس السياسي - الأمني..ولذا لم يعد نتنياهو يخفي أن أي حل سياسي ستكون السيطرة الأمنية فيه لاسرائيل من البحر الى النهر، بالطبع لم يتطرق الى قطاع غزة..

ولأن نتنياهو، وجد في ترامب "حليفا خاصا"، فإن المطالب الأمريكية من عباس وفريقه تنتظر جوابا عليها بعد لقاء كوشنر مع عباس في رام الله، وسيرسل وفدا لتسليمها، وعليها سيكون تحديد مسار الخطوة القادمة، ولن نتطرق لما نشر عن أسئلة كوشنر لعباس، وبعضها حمل اهانة وطنية، كي لا يقال ما نشر غير دقيق، لكن موقف أمريكا بات محددا، بأن لا عودة لحدود عام 1967، وأن تبادل الأراضي سيفوق ما تحدث عنه أولمرت ووافق عليه فريق عباس "ما يزيد على الـ6.5%"ـ وعمليا تصل الى حدود الـ10%، فيما اغلاق كلي لملف اللاجئين، والاعتراف بهويدية دولة اسرائيل..

عليه، الموقف الأمريكي - الاسرائيلي في افضل حالات التحسين السياسي لن يقدم ما يقترب بأي شكل ما للبرنامج الوطني الفلسطيني، ولا حتى عرض كلينتون في قمة كمب ديفيد عام 2000..بل سيكون بعيدا عنه في الشكل والمضون.

فلسطينيا، فالعلاقات الداخلية، هي الأسوء منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة وتسلمها قيادة الممثل الشرعي الوحيد، ليس فقط ما يعرف بالانقسام، بل انهاء مكانة منظمة التحرير دورا ومؤسسات، والغاء أي قرار لا يتفق مع رؤية عباس للتنسيق الأمني بكل مكوناته، الى جنب ادارة الظهر للمؤسسات الرسمية والغاء القانون الأساسي، وخلق مؤسسته الخاصة بقانونها الخاص - مراسيم الرئيس -، لذا لا يمكن اعتبار أن الوضع الداخلي الفلسطيني في وضع صحي، بل خلافا لذلك حالة مرضية سرطانية، وليس أدل عليه من استنجاد عباس وفريقه بدولة الكيان لحصار قطاع غزة، وقيام مصر باحتضان القطاع رغم المخالفة السياسية القومية لذلك، عبر لجنة تكسر حالة التمثيل..

وعربيا،  لم تصل يوما علاقات منظمة التحرير وفلسطين مع الواقع العربي كما هي عليه راهنا، وخاصة مع مصر والأردن، بما لهما من اثر مباشر على الواقع الفلسطيني..وبلا أي بحث تدقيقي فعمليا هناك "قطيعة سياسية" واضحة بين فريق عباس والدولتين الأكثر اثرا على المسار السياسي الفلسطيني..

في ظل هذا المشهد العام، عن اي "صفقة تاريخية" يمكن أن يتحدث عباس، وأي حقيقة سياسية يمكن أن تنتجه أي "صفقة" في ظل هذا الواقع..عمليا قد تكون "صفقة تاريخية ولكن في تنازلها وخروجها كليا عن المشروع الوطني - صفقة تاريخية تنازلية غير مسبوقة"!

ملاحظة: رحلت النائب رواية الشوا، زميلة أول مجلس تشريعي منتخب لأول سلطة وطنية فلسطينية فوق أرض فلسطين..رحلت بلا ضجيج، شخصية فريدة حقا، من حيث الارث السياسي والحضور الانساني، خلطة معقدة تمكنت راوية أن تخلق منها شخصيةمميزة خاصة..سلاما لك ووداعا يا رواية!

تنويه خاص: يبدو أن أجهزة عباس الأمنية اضافت لمهامها المكلفة بها في غرفة التنسيق الأمني، مهام جديدة بمطاردة كل من لا يقول "آه" لـ"صفقة عباس التنازلية التاريخية" المقبلة..اعتقالات لمن ليس معه في الضفة باتت السمة الأبرز بعد حرب الحصار على غزة وقطع رواتب الأسرى والعاملين..مسكين يا فلان..هبلك "غير مسبوق"!

اخر الأخبار